قمنا من مجلسنا، ونسيم البحر يهدهد شعورا بالضيق في صدري، مشينا الهوينى على الرمال الناعمة، ترامقنا للحظات، ظلت سارحة في أشعة البحر الذهبية التي اغرورقت لها عين البحر في الأفق.ثم أرسلت نظرة حائرة إلى أفق البحر، وقلت لها دون أن أنظر إليها: - ماذا يفعل من يريد أن يرحل إلى الله؟ - كيف يرحل وهو مكبّل بنفسه؟ حوّلتْ إلي نظراتها التي ترغم شغاف القلب على الإصغاء لها: - الناس يا أحمد يمدحونك لما يظنونه فيك، فكن أنت ذامّا لنفسك لما تعلمه منها. أجهد في إخفاء دمعة حارة تترد في حلقي، كلما طنّ في ذهني الفراق ودَنَا موعده، فأقول ناظرا إلى جمالها في حضرة الغروب: - كلما نظرتُ إليك وجدتني شبحا يرنو إلى شيء ليس مدركه، رغم أني في مقام الأشباح – لفرط انمحائي بالحب - وأنت في مقام الشمس. تبتسم في دلال، وقلبها معي وعيناها في الأفق، ويداها مرسلتان خلف ظهرها: - تماما كإشراق شمس النهار ظهرت في الأفق وهي ليست منه. - هل أكون يوما واضحا مثلك؟ - مَنْ أشرقت بدايته أشرقت نهايته. - لقد سئمت الترحال في البدايات والنهايات! دُليني كيف أستمتع بوجودي؟ - ذُقْ. - كيف؟ - السعادة تهفو إليك .. نظرتْ إلى عرض الأفق وأشارتْ إليه ثم استطردتْ قائلة: - مِنْ هناك إن أنتَ سعيتَ إليها. - كيف؟ - من ذاق عرف ومن عرف اغترف.فَلْتُحَاوِلْ أن .. حوّلتْ بصرها عن الأفق، وأطالته في سحنتي الشاحبة، وهي تمعن النظر فيها كأنها تبحث فيها عن حزن دفين، ثم انحنت إلى الأرض، فقالت وهي تبتسم في دلال، وترسم دائرة على الرمال وخطوطا دائرية حولها وتشير إلى نقطة وسطها: - لا ترحل من كون إلى كون، فتكون كحمار الرحى يسير والمكان الذي ارتحل إليه هو الذي ارتحل منه.