كنتُ أظنُ أني قد أضعتُكَ كما يضيعُ الحلمُ بين استفاقةِ جفنين أو كما تضيعُ الذكرى بينَ اغماضة أجفاني والذاكرة كنتُ أدخلُ غرفةَ الصفِ أُطعِمُ أحلامي نوماً فتنمو داخلَ غرفةٍ مغلقة الأبواب أدخلُ المدرسةَ فأفقدُ خطوتين تأسرني تلكً الحدودُ الملونة والخطوطُ المتقطعة وصوتُ معلمِ الجغرافيا يعرفُ كيف يكشفُ سرَّ خارطةِ الطريق وكيفَ يَشرحُ لغةَ الحدود صوتُه قادرٌ أن يهدينا فضاءً ووطناً كان يعرفُ كيف يوقظ في داخلنا احساسَ المسافة كنا صغاراً تشتعلُ شموعُ الضحكِ فينا وكانت خارطةُ الوطن معلقةً على الحائط دَقَقتُ فيها النظر خرجَ من الحائطِ سيفٌ فصلَ شطريّ الرغيف خرجَ من الخارطة جرحٌ فصلَ شطريّ الوطن على الحائط جبلٌ نائم يخافُ عند مرورِ الدبابات على الحائطِ مدنٌ اصطفت في عناء تنتُظر قدومَ الحقول وصوتُ معلم الجغرافيا يعلو ليكشفَ سرَّ الطريق وفوق الخارطة يتململُ الهواء يضطرب... يتقلب يتطايرُ أكثر يُحَرِكُ التراب يلتقطُ أوراقاً صفراء ثم يثور بقعٌ زرقاء كبيرة جاءَت بالماء إلى الحدود بحثَت عن أرضٍ ترويها وكان الحقدُ قد ابتلعَ كل الأشياء فعادت المياهُ حزينة وكان صوتُ معلمٍ الجغرافيا يعلو قليلاً ثم يغيب حقولُ النفط فوقَ الخارطة جاثية على حصيرة جالسة على حافةِ زبدِ المياه تمضي عبرَ الدروب إلى أن تعثرَ عليها يدٌ حاقدة ترسمُ حدودها من جديد وأوطانُنا كانت منازلَ مسكونة بإخلاصِ أشواقِنا من بعيد فوق الخارطة شريانُنا جرحٌ مسفوك فوقَ أحلامنا الثلاثة حلم الرغبة، حلم الشهوة وحلم حور العين كنا صغاراً وكانت أحلامنا تختصر المسافة بين الأرض والسماء نعبر الحدود بهدوء نغادر الخارطة بصخب وصوت معلم الجغرافيا يعلو قليلاً ثم يعود بريق اللذة رغبة قادتنا والظهور منحنية تحتَ شهواتهم الغريبة تعبت عيونُهم من سؤال الأنوثة وبحر الدماء أغرقَ سريرَ شهوتهم فلم يعد لهم وجودٌ على خارطة الوطنين ثورةٌ تُشعل رمادَ الجسدِ البارد والخارطةُ تلتصقُ بلونِ الحائط خوفاً من أن يوقظ أحدٌ وحدَتها وطنُنا يستأنفُ سقوطَه يسقطُ بين خطوطٍ واهية متقطعة بين أنفاق مظلمة يسقط بين أحضانِ اللذة المتمردة ثم يسيرُ وحيداً يستعيدُ وثائقَ ترحيله ولا شيء على سواحل وحدتنا الداخلية لا شيء صوبَ حقولِ التراب اليابسة وصوتُ معلم الجغرافيا يعلو قليلاً ثم يغيب غيومٌ هناك ذهبت لتسقي الصور غيومٌ رحلت عن الشتاء خوفاً من برد الانقسام تاهت أمطارُها بين عالمين وبدأ الهواءُ يتكسرُ على لونِ جدارِ الفصل الاسمنتي وآهاتُ غربتنا أغصانُ ياسمين تتعربشُ جدار الخارطة تحتاجُ عطراً كي تستفيق وساسَتُنا إما خناجر وإما طبول أنا لوّنتُ تشرينَ نصفين النصفُ الأول أضاءَ الشمس والنصفُ الثاني تسربلَ بالمطر وفي ليلِ تشرين انقسم القمرُ نصفين نصفٌ جاء مع السواد ونصفٌ لا يشبه ليل الوطن وكان صوتُ معلم الجغرافيا يعلو قليلاً ثم يغيب فوق الخارطة سربُ حمام وفوق الخارطة سربُ غيوم ترتاح قليلاً من مطر تسيل كثيراً من دموع حلمُ الرغبة مصابٌ بالموت وحلم الشهوة مصابٌ بالذبول وحلمُ حورِ العين ينتظرُ أخباراً عاجلة عن انفجار دموي جديد وأنا تركت فوق الخارطة نقطة ضوء تعبر طيف الأمكنة ثم تعود