في رمضان من العام 1995 اقيم في قرية "دير الأسد"الجليلية ، بلد الشعر والزجل والادب والإلهام ، مهرجان أدبي على شرف الشاعرة الفلسطينية الكبيرة الراحلة فدوى طوقان. وكان قد رافقها في سفرها من مدينتها الحبيبة "نابلس" الشاعر والأديب الفلسطيني سعود الأسدي . وعندما اقتربت السيارة من قرية"سيلة الظهر" الواقعة بين "جنين" و"نابلس" ، سألت فدوى طوقان الأسدي : ما هي هذه القرية ؟! فأجاب: سيلة الظهر . فقالت له : معقول؟!! كنت أظنها سلة الزهر.! أليست كذلك؟. وما كان من الشاعر سعود الأسدي الا أن هز رأسه موافقاً اياها الرأي ، وأثنى على وصفها الشاعري الذي قالته وهي مندهشة مما رأته عيناها من مناظر خلاّبة تحيط بالقرية مما يزيدها سحراً وجمالاً وروعة. وفي دير الأسد استقبلت فدوى بالترحاب من أهلها ، الذين طالماً قرأوا قصائدها ودواوينها الشعرية وأشعارها الرومانسية والوطنية والسياسية ، وكانوا يتوقون للقائها والتعرف على شخصيتها وتوسم انسانيتها وطيبتها وبساطتها. ثم عادت الى مدينتها في جبال النار وهي تحمل في جعبتها الذكريات الجميلة ولقاءاتها الحميمة مع قرائها ومعجبيها ومتذوقي شعرها. وحين حلّ عيد الفطر السعيد بعث سعود الأسدي اليها ببطاقة معايدة ، وهي عبارة عن قصيدة شعرية تعبيرية جميلة .. قال فيها: فدوى ! وانت الندى هلّت نسائمه مع القصيد ، فأوحى اللحن للوتر وغرّد الطير شدواً في مرابعه بين الزهور فأعطى الشجو للشجر والهم الراعي المنساب في دعة مع الغنيمات بين السهل والوعر نشيد شبابه شب الحنين بها مع الأصيل فأغرى النجم بالسهر قد كنت في رحلة هانت مصاعبها لما لقيتك ميعاداً مع المطر فقلت و"الدير" في ارجوحة رقصت لبيك يا اخت ابراهيم ! وانهمري على جروح بلادي بلسماً عطراً واسعفيها بموال الجوى العطر واستنزلي الصبر من "عيبال" اغنية في "ذا الظلام" لصبح منه فتنظر ولتسمعي ما يقول اللوز من وله بما شعرت به او صغت من درر ما الدرب يوصل بنت النار نابلساً ب "سيلة الظهر" غير الحلم في السفر و"سيلة الظهر" فيهااللوز مزدهر حقاً على مدّ عين المرء والنظر حسناء غناء تاهت في مفاتنها ظمياء لمياء في دلّ وفي خفر لفاّء هيفاء والاشراق زنّرها عزباء هدباء مثل الطيف في السحر لما مررت بها وقت الأصيل وقد طلعت بالأمل المنشود في العمر رسمت عنها بكلمات كرمت بها رسماً جميلاً بديعاً خالد الأثر وهي التي من قديم الدهر رائعة ولا تزال وتبقى حلوة الصور قد سميت باسمها حتى مررت بها مثل الربيع فصارت سلة زهر ان هذه القصيدة الرهيفة الرقراقة الصافية كالماء ، تنبض بالحياة والحركة ، ومعانيها جميلة وبديعة ،وذات موسيقى عذبة ونغمات حلوة ، مدعومة بالخيال المصور الخلاق في تعابيرها وصورها المنسابة، وقوافيها المتجانسة المتناغمة المموسقة ، وتتجلى فيها شاعرية سعود الأسدي وخياله الجامح السحري . ذلك الشاعر الناعم الرقيق الشفاف ، الذي عرفناه بأشعاره المدهشة اللافتة، التي تغمر القلب وتلامس الروح وتعانق الوجدان وتدغدغ المشاعر والأحاسيس والعواطف الانسانية. فلا فض فوك يا أبا تميم ، يا شاعرنا المخضرم المعطاء المتميز المتفرد ، الذي تتمثل حياتك وعبقريتك وثقافتك في نصك الشعري الابداعي ، والتجديد في صورك ومعانيك واستعاراتك البلاغية المجازية ، وشحناتك التي تترع وجداننا وذائقتنا الجمالية ، وموسيقاك الممتعة التي تطرب أسماعنا مع تفعيلاتك المنتظمة . فأنت هزار يحلّق في السماء ويأبى الهبوط الى الأرض ، ولا يسمع الناس منه سوى صوته الشجي ولحنه العلوي. ولفنك البقاء والخلود، والرحمة لشاعرتنا الفلسطينية الرائدة ، خنساء فلسطين فدوى طوقان ، التي أبقت لنا ارثاً شعرياً وأدبياً ستتناقله الأجيال وستخلد ذكراها . وتحية من القلب لشاعرنا القدير سعود الأسدي الذي يواصل التحليق في فضاء الأدب ، ولا يكف عن الشدو والتغريد ، ويزداد في كهولته ألقاً وتوهجاً ، وحباً للجمال والطبيعة ، والتصاقاً بالحياة .