من شرفة النافذة أعانق أشعة الشمس فأحس بحنانها ودفئها. ذاك الحنان الذي لم يسبق لي أن أحسسته مع أي امرأة قط! من شرفة النافذة تتراءى لي النجوم والكواكب، أحس أني أطير كطائر خرافي في الفلك. وأشعر أحيانا كأني ألمس مجرة "الأندروميدا" المجاورة بيدي الصغيرتين ! من المكان ذاته، أحس أني أعيش في الجنة التي كتب عنها الكثير من الشعراء الخياليين. تلك الجنة التي رسمها أكثر من فنان تشكيلي عظيم. ليس هذا حلما ولا خيالا كما يظن البعض، وليس جنونا، فما زلت أتحلى بالعقل لحد الآن، ولم أفقد سيطرتي على خلاياي! المكان شاهق جدا كما أحس كلما اقتربت منه، ورغم تكذيب المحيطين بي لهذا الأمر، فأنا لا زلت أحس بعلوه وارتفاعه اللانهائي في هذا العالم، لا أدري، هل أعيش حياة مختلفة. وأستنشق هواء جديدا لم يسبق لي أو لأي أحد آخر أن استنشقه. أشعر باختلافه وانتعاشه اللامحدود، ولا أدري إن كنت محقا أم لا، فالأيام ستحدد ذلك! أنا الآن في المجرة المجاورة ممتطيا ظهر الطائر الخرافي، وكل المخلوقات وديعة ومسالمة. استغربت كثيرا من وداعة الأسود والذئاب، ومن صراحة الثعالب والكلاب، ونباهة الحمير والنعاج، وعدل بني الإنسان، أصبحت غريبا بين هذه المخلوقات العظيمة، وهي أيضا أحست بذلك وعرفت بأني مخلوق من الأرض فخافت أن أدنس عالمها، ثم اختفت من وجهي ! في المجرة المجاورة لا يوجد سجن ولا محكمة خاصة ولا عامة. كل المخلوقات تحكمها الضمائر والقيم. لا تفرقة ولا حروب ولا أحقاد. أحب أن أعيش فيها قليلا، ولكني من الأرض. وهي تعرف أن سكان هذا الكوكب يدنسون كل الأمكنة حيثما رحلوا وارتحلوا لذلك تخليت عن فكرتي . حاولت أن أتقرب من النجوم لكنها صدتني ومن القمر فسود وجهه في وجهي، ومن الكواكب فلفظتني، إنها المهزلة حقا ! بعد دقائق، من نفس المكان دائما، رجعت أسرتي إلى البيت، ورجع الجيران، وعدت بدوري إلى الأرض في رمشة عين ولم أدر كيف. وعادت الحياة إلى طبيعتها الأولى، ثم تيقنت أنني كنت في حلم طويل وجميل، يتمنى كل مسكين في هذا الكوكب أن يتحقق ...!