شراع الموت يبسط أظافره فوق مركب حياته. في حلم بين أحضان عشق وفي ثنايا الأيام الراقصة على نغمات الشدو ضاعت أحلامه. هذا ما كان يردده.. يبدو ذابلا كأوراق التين في عز الخريف. باهتا كضياء الشمس وقت المغيب. يحبك قصة عشق في يوم كئيب وفي لحظة انفعال. بصراخه وعويله، يسمع من مكان بعيد في نفس المكان الذي اعتاد حديه كل مساء. يخاطب اللامكان وينبئ اللازمان.. يمزق الأوراق. يكسر الأقلام.. يشوه وجه الأرض ببصاقه على قدره. في زقاق ضيق من المدينة.. من فوق السطوح رأيته يعبث بما تبقى من ملابسه .. يسب ويلعن كل شيء .. لم أدر ما به.. أذهلني هذا المشهد الغريب. رجل يتعرى من ملابسه.. يدور هنا وهناك. يردد كلمات مبهمة.. يهمس بسرها لسحام الليل وسجوه. دفعني فضول كي أتابع هذا الحدث المثير. يدور صوته في أرجاء الحي كما هبوب ريح تندفع بين أزقة تلتوي وتضيق. من فوق السطوح. شهدت حدث هذه الليلة. رغم برودة جوها وحلكتها وسكونها الذي أزعجه هذا الذي أراه وقد تعرى صارخا. أبت نفسي ألا أن تتبع شقاوته. فضولي جعلني أن أظل جاثيا أراقبه. يرتطم باب نافذة بحائط يقابل مكان وجودي. أصوات وهمسات.. تنبعث من وراء شباكها الحديدي. بصعوبة حاولت أن أستوعب ما كنت أسمعه من ذاك الحوار المنبعث من خلف النافذة، وأن أستشف منه ربما سر هذا الرجل الذي تعرى.. مسكين، قالت: ألم أقل لك أنه مجنون.. مجنون بحبها.. فأنتن النساء لا يهدأ لكن بال حتى تذللن الرجال. ليس كل النساء سواء ربما قد يكون ذلك نظرت إليه وهي تقول: لنعد إلى مشكلتنا. متى سيتم حفل زفافنا..؟ اصبري وادع لي بالتوفيق.. سفري مضمون هذه المرة.. كم أتمنى أن تمر هذه اللحظة حتى أراك بقربي.. وأنا غارق في سماع هذا الحوار الذي ينبعث من خلف النافذة، إذا بالرجل العاري يصل قرب المكان الذي أوجد به.. بصراخه وعويله وشتمه لم أعد أسمع من الحوار شيئا.. لحظة سقط الرجل الذي تعرى على الأرض مغشيا عليه ربما.. قط من قطط الليل يشتم مؤخرته. أصخت السمع، لم أعد أسمع شيئا الآن.. لا صوت الرجل العاري، ولا الأصوات المنبعثة من خلف النافذة. أحسست ببرودة تلف جسمي.. نزلت الدرج في تؤدة.. دخلت غرفتي.. تمددت فوق فراشي، بدأت أعيد شريط ما شاهدت في هذه الليلة، رجل تعرى يسب ويلعن، ضاع أو ضيعوه. آخر يريد أن يهاجر سرا. فتاة ضائعة تششتت أفكارها، تنبئها بأن هذا السفر قد يضيع خطيبها. أحداث تتداخل فترسم كابوسا يقلق النفس.. أنا مثل هؤلاء ضائع. نعم.. لقد أحسست ساعتها بأن شيئا ما أنا الآخر قد ضاع مني.. إنه نومي. الوقت متأخر. يطل قمر الخريف من جهة المشرق بوجهه الوضاء. من وراء سحابة أسجمت، هو الآخر آفل بعد قليل. عند طلوع يوم جديد. يتيه تفكيري في أحداث الليلة. ينبش في كنهها. سرق النوم جفوني .. استيقظت على هرج الدلالين ومرج البائعين. تركت فراشي متعبا.. خرجت أسير شاردا. أحداث الليلة ما زالت عالقة بذهني. استوقفني صديق.. لقاؤه يغنيني عن قراءة الجرائد واطلاع الأخبار. أستدرك من خلاله ما فاتني.. بدأ يحكي لي قصة شاب أراد أن يهاجر سرا، لكن خطيبته منعته. في دهشة نظرت إليه تعجبت من معرفته لقصة البارحة وكأنه كان حاضرا بجانبي.. وأنا أحاول طرد شرودي ودهشتي بسؤاله واستفساره، إذا به يخبرني أنها حلقة من مسلسل المهاجر الذي تبثه إذاعة طنجة .. تبسمت في شحوب، وسرت بجانبه شاردا. أتفكر في أمر الرجل الذي تعرى في نفس المكان الذي اعتاد حديه منذ مدة.. في كل مساء.. يخاطب اللامكان وينبئ اللازمان.. يمزق الأوراق.. يكسر الأقلام يشوه وجه الأرض ببصاقه على قدره.