*** من كان يظن أو يخطر بباله و لو على سبيل المزاح، أن الشعب التونسي قادر على الإنتفاضة والثورة ؟ نطرح هذا السؤال ليس بهدف التنقيص من هذا الشعب البطل، و إنما للتأكيد على أن مثل هذا السؤال يمكن أن يقترن و يتعلق بكل الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج، دون استثناء أحد منها. إن الشعوب العربية مسكونة بالخوف من أنظمتها السياسية، و لا تقدر على مواجهتها بالوقفات و المسيرات الاحتجاجية.. بل لا تقوى حتى بمطالبتها، عبر وسائل الإعلام المختلفة، بإقرار العدالة الإجتماعية، و التداول على السلطة، و تكريس انتخابات حرة و نزيهة، و احترام التعددية السياسية و الفكرية و الإيديولوجية. لكن الشعب التونسي الذي ظل طيلة 23 سنة سجين بلاده، بدون حريات عامة أو خاصة، و بدون قدرة على اختيار من يمثله في المؤسسات الدستورية، استطاع أخيرا أن يستجيب لنداء شاعره الخالد أبو القاسم الشابي " إذا الشعب يوما أراد الحياة ّ// فلا بد أن يستجيب القدر "، و أن يصنع لنفسه تاريخا من المجد و البطولة.. صحيح أن واقع الشعوب العربية يختلف من شعب إلى شعب، و من نظام سياسي إلى آخر.. لكن القاسم المشترك بينها جميعا: هو وجود إقصاء لممثلي الشعب الحقيقيين، من تسيير و تدبير المجال السياسي العام، و وجود تفاوت شبه مطلق على مستوى العيش و توزيع الثروة و الإستفادة من فرص التعليم و الصحة و الشغل. إذا، مادام الشعب التونسي أراد الحياة بثورته الأخيرة، فإن الخوف كل الخوف أن يقف الشعب بمطالبه عند رحيل زين الدين العابدين بن علي، دون أن يحرص على تحقيق أجندة العيش الحر و الكريم، و التي تبدأ حتما بتغيير الدستور، و إبعاد الفاسدين و المفسدين عن التدبير العام، و ملاحقتهم بالمحاسبة و المساءلة و العقاب. و تمكين التيارات السياسية و الفكرية الفاعلة و المتجذرة و الحقيقية من فرصة حكم البلاد و تسييرها وفق آليات الديموقراطية و قيم الحوار و التسامح و التعايش المشترك.. و أي تخاذل تونسي عن وضع استراتيجية إلزامية للتغيير و صناعة المستقبل، فإن تجربة الثورة لن تتكرر في السنين اللاحقة.. و بذلك تضيع تونس - و شهداؤها الأبرار - مرة أخرى في حلقات ليلية حالكة من القمع و الاستبداد و المجالس الدستورية الصورية و التواطؤ مع الغرب المنافق. نقول الغرب المنافق، لأن المتتبع لمواقف الغرب حيال الثورة التونسية الأخيرة الناجحة، يلمس بوضوح مستفز، نفاق مختلف الدول الغربية التي تدعي مساندتها للديموقراطية، ففرنسا الإستعمارية دعت إلى احترام الإرادة الشعبية التونسية، و أمريكا زعيمة الإرهاب الدولي قالت أن للتونسيين الحق في اختيار رئيسهم.. و لكن أين كان الصوت الفرنسي حين كان الرئيس المخلوع بن علي يزور الانتخابات و يملأ السجون بالمعارضين ؟ و أين كانت واشنطن حين منع الشعب التونسي من اختيار رئيسه في ثلاث محطات انتخابية ؟ و حين كان الجلاد التونسي يلاحق المواطن التونسي العادي و المتحزب بالقمع و التنكيل و القتل ؟ إن الغرب بمختلف دوله لن يصنع التغيير في بلادنا العربية إذا ما أرادت شعوبنا الحياة و الحرية و الديموقراطية.. و الدرس التونسي في التغيير نموذج فاعل في تحقيق نهضة الشعوب و تنميتها.. و ما أحوجنا نحن العرب في عيش مطبوع بالكرامة و الحرية و الاستقلال.