شهدت قاعة المحاضرات بالقصر البلدي بمكناس عشية السبت 18 من دجنبر 2010 ندوة تكريمية لأستاذ الأجيال حسن المنيعي ،نظمها المعرض الجهوي بشراكة مع المركز الدولي لدراسات الفرجة وجمعية الباحثين الشباب ،وتأتي هذه الندوة في سياق الاحتفاء بمسار هذا الأكاديمي والناقد والمبدع الطويل والمتعدد، والذي يمتد لأزيد من أربعة عقود ،وقد جاءت مداخلات الباحثين كلها مؤكدة لريادة الدكتور حسن المنيعي للبحث والإبداع المسرحيين بالمغرب ،ومنحهما الصوت والأجنحة اللازمين للتحليق ودخول الدرس الجامعي المغربي ،اللتين يعتبر راعيهما الأول والأكبر؛بل إن الأستاذ المنيعي جعل من الانفتاح على المقاربات والمناهج الجديدة في النقد المسرحي عنصرا أساسا لفتح مغالق البنيات الفنية الدرامية . وبهذا الصدد أشار الناقد والباحث د/ محمد عفط ، ضمن الجسلة الأولى التي ترأسها د/ محمد أمنصور ، في مداخلته الموسومة ب ( المسار النقدي : بين اتساع الأفق وعمق التناول ) إلى أن أهم ما يميز الأستاذ حسن المنيعي كونه متابعا جيدا للجديد الفكري والإبداعي ،ما جعله منفتحا على الآخر ثقافيا ،انفتاح جعله يتعرف على تيارات ومناهج نقدية غربية مختلفة وظفها في مقارباته وفي درسه الجامعي ،من دون أن يقع في فخ الانبهار والاستلاب بها ،وهو الأمر الذي جعل العمل المنهجي لديه يتسم بالصرامة والجدية يتجاوز فيه المفاضلات الضيقة ويتناول العمل الأدبي في شمولية أعمال صاحبه كما فعل مع "كاتب ياسين " ، وهدف درسه كان دوما اكتشاف العلاقات الخفية والأصقاع غير المكتشفة في العمل المنقود . أما د/ خالد أمين في مداخلته ( حسن المنيعي والمنعطف النقدي المغربي) فشدد في بداية مداخلته على قدرة الرجل على الجمع بين النبل الإنساني والتواضع والعمل الرصين والمنهج الجاد والصارم والرؤية الشاملة ،مؤكدا أنه بفضل أعمال الدكتور المنيعي تمكن المسرحيون المغاربة من التفاعل مع المنجزات الأوربية والتعرف على الحساسيات الجديدة التي استتبعتها مقاربات نقدية مغايرة ( مسرح ما بعد الدراما نموذجا )، قائلا إننا لا نعيش حاليا أزمة أو أزمات في النص الدرامي بل منعطفا فرجويا تتناسج ضمنه ثقافات مختلفة . وفي آخر الجلسة الأولى تناول الكلمة الدكتور محمد أمنصور الذي اعتبر الدكتور المنيعي ناقدا روائيا بامتياز، مضطلعا بدور الريادة فيه سواء من خلال الدرس الجامعي بظهر المهراز أم عن طريق الإعداد والترجمة أم الممارسة النقدية خاصة أنه قارب أعمالا روائية من جغرافيات مختلفة عالمية ( كتب عن الروية الغربية)، وعربية وجهوية ( قارب موسم الهجرة إلى الشمال للطيب صالح وثرثرة فوق النيل لنجيب محفوظ و رواية نجم لكاتب ياسين ) . استحق عبر صفة الناقد الخرائطي ،وأكد أن الدكتور المنيعي برغم استناده إلى المنهج الواقعي في الستينات إلا أنه لم يغفل أدبية النص الأدبي ولم ينخرط بشكل كامل مع الأيديولوجية الواقعية ،وهو في كل ذلك ومع انفتاحه الكبير لم يعرف عنه تعصب لأي منهج نظرا لتعدد اشتغالاته بين أجناس أدبية وفنية مختلفة .وقد لخص أمنصور مميزات المقاربات المنيعية ( نسبة إلى المنيعي ) في الأخذ بتاريخانية النصوص وعلاقاتها بتراثها ،التمسك بكلية النص الروائي ،مراعاة الهوية الأدبية للعمل الروائي و رفض تهجين استعمال الأدوات النقدية الغربية. في الجلسة الثانية التي ترأسها الباحث المسرحي الدكتور حسن يوسفي ،ألقى الأستاذ رشيد دواني ما يشبه القصيدة شهادة باللغة الفرنسية معتبرا فيها الأستاذ المنيعي مواطنا عالميا ونموذجا احتذى خطواته ،أما الدكتور سعيد الناجي ففكك في مداخلته ( ميثاق النقد المسرحي أو معنى أن تكون ناقدا ) عناصر ما سماه بروفايل الناقد المسرحي أي مواصفاته،خاصة مع وجود نماذج سيئة في المشهد النقدي ، واعتبر الناجي أن الأستاذ المنيعي كان أهم المنظرين للميثاق الخلقي للنقد المسرحي وأنه ظل وفيا له ،وأهدى الدكتور عز الدين بونيت للأستاذ الكبير حسن المنيعي مقاربة لكتابه (أبحاث في المسرح المغربي ) مشرحا فيها العلاقات بين الجامعة المغربية و التقاليد الفرجوية ،وانتهت المداخلات بكلمة للدكتور حسن يوسفي وسمها ب ( حسن المينعي بين ميثاقين ) ألقى فيها الضوء على مميزات الاشتغال عند الدكتور المنيعي ،الذي يتميز بالتفاعل مع كل ما قد يخدم عمله النقدي ،كان برنامجا إذاعيا أو تلفزيا ،بل قد يمتد هذا التفاعل ليتصل مع نباهة طلبته الذين يمدهم بما يحتاجونه من آليات العمل في تواضع متفرد، مشددا أن الأستاذ المنيعي ظل اسما نقديا يدافع عن الثقافة العربية بكل نزوعاتها وتتجاور في أعماله هذه الثقافة : تقليدية أم تحديثية ،منهيا حديثه بالقول إن المنيعي يعد بحق مرجعا للثقافة المسرحية بالمغرب . كلمة مؤثرة للأستاذ حسن المنيعي : بعد انتهاء المداخلات النقدية والشهادات ،قام أستاذ الأجيال حسن المنيعي إلى منصة الندوة،وقام معه الجمهور الكبير احتراما لمسار الرجل وخدماته الجليلة التي أسداها للمنجز الفني عموما والمسرحي خاصة ،وألقى كلمة مؤثرة وعيونه تدمع فرحا باحتفاء أبنائه الثقافيين الذين ينتشرون في أصقاع المغرب المختلفة ،وذكر الأستاذ المبدع بمساره ،مؤكدا أن حلمه الذي قطعه على نفسه هو أن يصير أستاذا جامعيا منذ أن نال إجازته ،تجنب السياسة والمحاماة في حينها وكانت الأقرب في ذلك الوقت، وانخرط في الدرس الجامعي ،حيث كان هاجسه الأساس أن يكون صديقا للطلبة يشجعهم ويحثهم على البحث والإبداع ،وحدد الأستاذ الكبير ماهية الناقد في كونه ليس ذلك العدواني ،بل المحب لما يقرأ والعاشق لما يفعل،ورفض في الوقت نفسه تنصيف الجامعة المغربية في ذيل ترتيب الجامعات ،معتبرا أن التأخير قد يكون في الماديات أما الباحثون المغاربة فهم الأكثر جدية والأكثر مواجهة للعراقيل التي تحاق مسارهم العلمي الحافل . في نهاية الحفل وقع أستاذ الأجيال بعض من كتبه لجمهوره الثقافي العريض.