هذا الصمت المشروخ الوجه، ليس كباقي عطور صمت الرجال النابتة، في حقول خريطتنا العطشى، والتي ما فتئت تنمو ألوانها الحالمة بنور حجارة حارقة..، وكالأفكار البريئة هذه الأمواج البطيئة تخترق الكائن،.. هي بلا شك، في حاجة إلى دفعة أخرى، من سحر عصا موسى، حتى يزبد البحر، وإلى مجراه الغريب يعود النهر غانما وطليقا. لم تعد تقوى عيون غربال شيخ القبيلة على إخفاء ما يجري داخل أنفاق الغابة، من تفاصيل دامية، صارت تفوح برائحة الأجساد المنهكة حتى الثمالة. وبشط من نار وتراب، ها هي ذي فراشات المدينة المتفحمة تصر، على تحقيق هذا التحليق الأبدي، وراء نجمات جبال عبد الكريم الحزينة، لكن قيل: إن كل من جدٌ، داخل خندق، مخدوع يصنع الجرح الغائر في أرواح الشجر، حتما سوف يصل إلى بداية طريق الشوق العظيم. أما صناعة الجراح، بماركة مسجلة في معامل تلفيف سواعد الوطن، فتبقى أمتع لعبة تمارسها خفافيش مغارات مدن البؤس، بتواطؤ عار من أوراق التوت، مع ربان سفينة تائهة، حبلى بعلامات شقوق الرعب البليغ. هي مساحات الكلمة الحرة المشتهاة.. أنشودة ترانيم جحيم الأسئلة الصعبة، وبريشة فنان، تكتبني هذه المعاني المغسولة السواعد بيقظة التوقع الجميل، لتختصر إشارات تلك المسارات الطويلة، مكعبات كؤوس القمر "السهران"، بمعية الذئاب والذباب، في أفخم فنادق مدينة العباد... فمَن يضع حدا للعب الكبار بأنفاس الصغار.. ويسلم القاتل مغلولا بأسلاك رفيعة في كتاب..؟ * * * تذكر.. يا حارث مياه بحر، اختار سبيل اللعب الطفولي، في مغارة مفككة،.. تذكر يا صانع أنفاس قلب خريطة، تئن في قبضة كلاب تحرس غابة مفروضة... تذكر أنك البداية والمنتهى.. تخلص.. يا صوت المدى، من سلطان خوفك الجائر، بالخروج من دائرة الطاعة العمياء، وبكسرك لمحارة التقليد الطاغي، إليك تعود سواعدك المنفية.. سواعد النار التي تصدت، في أزمنة خريف المدينة، لأعداء من فلاذ.. تذكر يا غيمة كل الأمكنة الجريحة..، أن لتجاعيد ظمأ الغضب رائحة فيض الرماد، وبعد كل سقوط شمس، تحترق بلهيب لعنة سلطان الاستبعاد، ثمة ثمار من دوالي النار، فجأة تشرق، في جوف صمت السحاب. لعل هذا المساء الحزين، بات حرفا أجمل، حين كتب فصلا آخر، من تاريخ صراع قديم، لأحفاد الرمل المهرب، والفقر المعلب، والدم المصدر، مجانا لآلهة التراب، ضد جيل جديد، من حفاري جنبات أرصفة أضلعنا، الذين يزحفون خاشعين ومهرولين.. وراء سؤال الفتات، ترتوي بتفاصيله زيوت الحطب، المخزنة داخل صهاريج الأجساد المعطلة..، إنها بيوت الوجدان، الذي اكتوى بدخان صفعة الموت الفاضح.. هي دوالي الماء المتألق، الذي يرفض اليوم أن يموت، مهما أبدعوا في طرائق قتله، هذا الماء اللعين فشل.. في إطفاء حريق البحر..، لأنه ماءهم.. وليس ماءنا... لماذا افتقدنا بريق جحيم التكسير، واستسلمنا لمتعة الجري وراء ظلال الأشياء،.. هل لأننا من تربة جنوب آثم.. تجبل على الخضوع لشهوة الرياح..؟ أم لأننا من لهيب منير..، غزته جنود الثلج، منذ سقوط الجدار، وصعود ابن آوى إلى صهوة القيم المقلوبة على وجه حق كبلته الأيدي الخفية..، وقد قيل أن ثمة رياحا صفراء، تبدو أكثر شعبية، كانت وراء قمع الرماد، وإحياء فوضى الرمال داخل عيون ضيقة، آخذة اليوم في الاتساع، وتسلق برج بابل، دون الحاجة إلى سلالم...