لا أحد يجادل في كون صناعة الكتاب في المغرب لم تتجاوز بعد مرحلة الهواية نشرا وتوزيعا. فدور النشر المتواجدة لحد الآن هي دور نشر يمكن اعتبارها مؤسسات للنشر الثقافي المحدود الإنتشار، وأن إصداراتها لا يتجاوز تداولها محيطا ضيقا من الممارسين والمهتمين ولا تتعداه لتشمل فئات عريضة من جمهور القراء. وفي اعتقادي أن مرد هذه الآفة يعود بالدرجة الأولى إلى انعدام ناشرين محترفين لهم استراتيجية نشر ذات مقاييس مهنية مضبوطة وخط تحريري واضح ينسجم والميثاق الأخلاقي والأدبي الذي من المفترض أن يجمعهم وجمهور القراء. وفي ظل هذا الغياب المريب لا يجد أغلب الكتاب المغاربة من حل غير النشر الذاتي والاعتماد على الإمكانات المادية الخاصة للكاتب لتغطية تكاليف طبع ونشر مخطوطاته. ولعل غياب ناشرين يعتمدون على القارئ كمصدر أساس للحكم على جودة المنتوج أو عدم جودته، لهو من الأسباب الرئيسة المساهمة في تقليص إن لم أقل في انعدام فرص النشر التي يعاني منها أغلب الكتاب خاصة الشباب منهم. وباستثناء جائزة اتحاد كتاب المغرب للأدباء الشباب التي يحظى الفائزون بها من الكتاب الشباب بنشر أعمالهم الأولى، وكذا سلسلة الكتاب الأول التي تصدر عن وزارة الثقافة المغربية، فإن فرص النشر تكاد تنعدم أمام أجيال متعاقبة من الكتاب الشباب. إن إثارة إشكالية انعدام فرص النشر أمام الكتاب في العالم العربي ذات أهمية قصوى لكن الأهم منها مشكلة توزيع الكتاب العربي داخل وخارج موطنه الأصلي. ذلك أن توزيع الكتاب العربي خاصة الأدبي منه يصطدم بالكثير من العراقيل الأمنية والحدودية التي تحول دون وصوله إلى أكبر عدد ممكن من القراء داخل موطن صدوره فبالأحرى خارج هذه الحدود. وإذا أسقطنا من هذه اللائحة دور النشر التي طلبت اللجوء الأدبي من بعض العواصم الأوروبية حتى تستنشق هواء الحرية المنعش النقي الخالي من أي شكل من أشكال التلوث الأمني والمخابراتي العربي، فإن جزءا هاما من مشهد النشر العربي من الماء إلى الماء يدعو إلى القلق على حاضره المأزوم والارتياب من مستقبله الضبابي في ظل سياسة التدجين التي تخضع لها المؤسسة الثقافية بكل مشاريبها، ولعل أهمها مؤسسات النشر والتوزيع. إن الهدف الأساس للكاتب (أي كاتب) لممارسته الكتابة بغض النظر عن الجنس الأدبي الذي يكتب فيه هو الوصول إلى القارئ. ولتحقيق هذا الهدف على الكتاب كمنتوج أن يمر بثلاث مراحل أساسية وهي:(الكتابة+النشر+التوزيع). ومع غياب حلقة من هذه الحلقات عز على الدورة الاكتمال واستحال بذلك على الكتاب من تأدية دوره كاملا. لذلك فإن انعدام شبكات توزيع الكتاب في الوطن العربي من أهم العراقيل التي تقف في وجه الكاتب وتحول بينه وبين جمهور القراء الأمر الذي يساهم بشكل مباشر في تقليص مساحة انتشار المعرفة وبالتالي تقزيم دور الكاتب والمثقف في تأطير الوعي الفردي والجماعي.