توصلت "طنجة الأدبية" برسالة من محمد سعيد الريحاني موجهة إلى وزير التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي هذا نصها : الموضوع: حول حرماني من الحق في الاطلاع على النسخ المصححة من أوراق امتحاني في مركز تكوين المفتشين بالرباط تحية طيبة أما بعد، فمنذ الثلاثاء 5 يناير من هذه السنة، 2010، تبقى هذه هي الرسالة الرابعة التي أبعثها لكم في موضوع أزمتي الإدارية والمهنية التي عمرت سبع سنوات بالتمام والكمال على أمل فتح ملفي بكل الشجاعة التي تليق بكم وبمقامكم. إلا أنني إذا كنت قد تسلحت بقليل من الحماس في رسائلي السابقة، فإنني أكتب لكم اليوم هذه الرسالة تحت ثقل الإحساس بالعار لِمَا عاينته في الفضاء الذي يفترض فيه أن يختار أطر الغد من المفتشين التربويين بعد أربعة عشر يوما من إجراء مباراة ولوج مركز تكوين المفتشين في الأكاديميات الجهوية في ربوع المملكة المغربية يومي الخميس والجمعة 8 و 9 يوليوز 2010. فقبل أسابيع، تحديدا يوم الأربعاء 16 يونيو 2010، أتيحت لي من باب الصدفة فرصة الاطلاع على المذكرة التنظيمية لمباراة ولوج مسلك المفتشين وهو ما لم يتحقق لأغلب أساتذة الإقليم الذي أشتغل فيه ولعل هذا ما يفسر ضعف مشاركة الاساتذة العاملين بنيابة إقليمالعرائش. وبعد العرقلة الأولية الروتينية التي ترافق دائما إيداع ملف ترشيحي لكل المباريات في نيابة إقليمالعرائش، تم بشق الأنفس قبول ملفي لكنني، في المرحلة الموالية لقبول الملف، لم أتلق استدعاءً لاجتياز المباراة. ولا يخفى عليكم، السيد الوزير، ماا تتضمنه الاستدعاء من قيمة رمزية تتمثل في التشريف بالمتباري وقيمة وظيفية تتجلى في توفير معلومات أساسية للمتباري كمكان وتاريخ إجراء الامتحان والمواد الممتحن فيها والمدة الزمنية المخصصة لها ورقم الامتحان وغير ذلك. بل إن الموقع الرسمي لوزارة التربية الوطنية والتعليم العالي نشر لوائح المرشحين في كل الأكاديميات الجهوية بالمغرب باستثناء أكاديمية واحدة هي أكاديمية جهة القنيطرة التي توصلنا "بطرقي الخاصة" في أوقات متأخرة من المساء بأنها ستكون وجهتي. وقد تحملت الأخطاء الإدارية "الأولية" اعتقادا مني في البداية بإمكانية صلاحها بعد حين. لكن ما تأكد لاحقا هو أن ما يحدث ليس أخطاء وإنما هو "طريقة في تدبير المباريات" خاصة عند ربط ما يجري بما جرى خلال تنظيم نفس المباراة السنة الماضية ثم مقارنته بباقي المباريات المهنية على طول الفترة الممتدة من سنة 1998 إلى الآن. ولهذه الاسباب، لما أُعْلِنَت للعموم لائحة التّنْجيحَات بنفس الإخراج القديم-الجديد، لم يعد بإمكاني قبول دور "المتباري اللامبالي". ولذلك قررت المطالبة بالاطلاع على النسخ "المصححة" لأوراق امتحاني. ذهبت أولاً إلى مقر الأكاديمية الجهوية بالقنيطرة التي أشرفت على تنظيم الامتحان الذي كنت من بين متباريه يومي 8 و6 يوليوز 2010 وأودعت طلبي مكتب الضبط الذي أرشدني إلى مصلحة الامتحانات حيث لاقيت مسؤولا أخبرني، بعد اطلاعه على موضوع زيارتي، بأن الأكاديمية الجهوية بالقنيطرة، شأنها شأن كل الاكاديميات الجهوية بالمغرب، كانت مهمتها خلال هذه المباراة تتمثل في ثلاث: أولا، تنظيم المباراة؛ وثانيا، حراسة المتبارين؛ وثالثا، "تعليب" الأوراق وإرسالها إلى مركز تكوين المفتشين دون حتى تصحيحها أو ترتيبها. وأكد بأنه عليَّ أن أقصد مركز تكوين المفتشين بمدينة الرباط، فهناك فقط يمكنني أن أجد أجوبة لأسئلتي. وفي ظرف أربعين دقيقة كنت داخل "الكتابة الخاصة" لمدير مركز تكوين المفتشين بالرباط لكن "المفاجأة" التي رافقت قدومي كانت "مزدوجة": فمن جهته، تفاجأ السكرتير الخاص لمدير مركز تكوين المفتشين، الذي لم يكن يتوقع قدوم أي وافد من المتبارين على المكتب ظهر يوم الجمعة 23 يوليوز 2010، آخر الأيام التي يليها أسبوع الامتحانات الشفوية والعطلة الإدارية السنوية، لمعرفة "سبب قدومي" وهو "الاطلاع على النسخ المصححة من أوراق امتحاني". ومن جهتي، تفاجأت لأن أول ما صادفته عند دخول الكتابة الخاصة لمدير المركز كان هو "حزمات" أوراق المتبارين لولوج مسلك المفتشين التربويين وهي المباراة التي أجريت "قبل أربعة عشر يوما" لا زالت مربوطة في منتصف طولها وعرضها ب"الحبال" بالطريقة التي تصورتها عندالاستماع إلى المسؤول في أكاديمية القنيطرة قبل أربعين دقيقة من قدومي إلى هذا المكتب بالرباط وهي لا زالت موضوعة على الأرضية بين الباب الذي دخلت منه والمكتب الذي جلست بجواره بحيث لم يبق بيني وبين "الحزمات" غير خمسة وعشرين سنتمترا. وهذا ما أربك السكرتير الخاص لمدير مركز تكوين المفتشين الذي لم يعلم بقدومي إلا ب"ثوان" فقط من خلال مكالمة هاتفية أجرتها معه السكرتيرة في المكتب المجاور. وقد بدا الارتباك واضحا في كلامه وفي نظراته ل"حزمات" أوراق المتبارين لولوج مسلك المفتشين التربويين على الأرض قرب ركبتي اليسرى. ووجدتني أتلقى سيلا من الأسئلة المحيرة وهي تتساقط داخل جمجمتي: "هل، بعد أربعة عشر يوما من إرسال حزمات الأوراق من الأكاديميات الجهوية إلى مركز تكوين المفتشين لتصحيحها وفرزها وترتيبها، لا زالت الحبال تشدها في الوسط طولا وعرضا؟" "هل، بعد أربعة عشر يوما من إرسال حزمات الأوراق، لا زالت "مضغوطة" تنتظر الفرز والترتيب على الطاولات أو الرفوف أو حتى الصناديق؟" "هل، أمام هذه الحزمات المحْكمة الرّبط بحبال مختلفة الألوان والأحجام تحيل آلياً على أصولها الجهوية، لا زال أمامي حظٌّ للمطالبة بالحقّ في الاطلاع على النسخ المصححة من أوراق امتحاني؟"...
في أوج الارتباك والدوخة، ارتجل السكرتير الخاص لمركز تكوين المفتشين حوارا وهو يحاول الابتسام لي ولثلاثة من الحاضرين داخل المكتب ممن لم ينبسوا ببنت شفة طيلة مدة تواجدي بالمكتب: السكرتير الخاص لمدير المركز: هل سبق لك أن سمعت موظفا طالب في يوم من الأيام بالاطلاع على النسخ المصححة من أوراق امتحاناته كما تطلب أنت الآن؟ محمد سعيد الريحاني: ما أنا هنا من أجله إنما هو إجراء عادي. بل هو حق من حقوق المتبارين. المشكل الحقيقي يكمن في كون المتبارين لا يجرؤون على ذلك أو ربما هم لا يريدونه إما لثقتهم في النتائج وتسليمهم بها أو لخوفهم من عواقب الأمر. السكرتير الخاص لمدير المركز: لكن لماذا الاطلاع على أوراق الامتحان؟ ما الهدف؟ محمد سعيد الريحاني: إنه شكل من أشكال "التقويم الذاتي". أنا أريد الاطلاع على النسخ المصححة من أوراق الامتحان المهني الذي شاركت فيه حتى أتدارك في النسخ القادمة من المباراة الهفوات التي قد أكون وقعت فيها هذه المرة. هل في الأمر مشكل؟ السكرتير الخاص لمدير المركز: أقصد هل استشرت حول قانونية إجراء كهذا؟ محمد سعيد الريحاني: نعم، استشرت المختصّين. السكرتير الخاص لمدير المركز: وماذا قالوا لك؟ محمد سعيد الريحاني: قالوا لي ما قلته لك قبل قليل. السكرتير الخاص لمدير المركز: حسناً، كنت أفكر في التعامل معك "ودّيا" ولكن بما أنك تتكلم "قانونيا"، سأتكلم معك "قانونيا"، أنا أيضا. محمد سعيد الريحاني: أنا لم أتكلم لا "ودّيا" ولا "قانونيا". أنا جئت إلى هنا قاطعا مئات الكيلومترات لكي أطلع على النسخ المصححة من أوراق امتحاني. هذا كل ما في الأمر. السكرتير الخاص لمدير المركز: حسناً، سيتحقق لك ما طلبت ولكن بعد ثمانية أيام. محمد سعيد الريحاني: لماذا سأضطر للانتظار ثمانية أيام وأنا هنا وأوراق الامتحانات بجانبي؟ السكرتير الخاص لمدير المركز: ستنتظر حتى الجمعة القادم 30 يوليوز 2010 موعد إعلان نتائج الشق الشفوي من المباراة. آنذاك، يمكنك "قانونيا" الاطلاع على أوراقك. أما الآن، فلا يمكنك ذلك. اترك لنا رقم هاتفك وسنتصل بك "إذا ما تفضل السيد مدير مركز تكوين المفتشين بقبول تلبية طلبك"!!!... تملّكَ السكرتير الخاص بمدير مركز تكوين المفتشين خوف أعظم لما طلبت منه التأشير على الطلب الذي أودعته إياه و"هدد بعدم الاحتفاظ به" إذا ما ألححت على التأشير عليه أو الحصول على وصل إيذاع أو على أي "شكل قانوني" يثبت إيذاعي للطلب على مكتبه. بل إنه رفض حتى كتابة رقم هاتف الكتابة الخاصة لمدير المركز بخط يده وأعطاني ورقة وردية وقلما أحمرا لأكتب بخط يدي الرقم الذي أملاه ب"حذر مبالغ فيه" ينمّ عن "أجواء غير سليمة وغير طبيعية" تحيط بمباراة ولوج سلك التفتيش، أجواء لا تعكس بأي حال من الأحوال ما يُكَوَّنُ عليه المدرّسُونَ في الدورات التكوينية استعدادا لعهد تربوي جديد كما تنافي بسفور فاضح فلسفة "الميثاق الوطني للتربية والتكوين" ومضمون "المخطط الاستعجالي للتربية والتكوين"... فما دمت المتباري الوحيد القادم إلى العاصمة الإدارية للاطلاع على النسخ "المصححة" من أوراق امتحاني، فلماذا الوقوف في وجهي بهذه الطريقة غير المبررة؟ لماذا كل هذا الخوف من إجراء عادي، إداريا وحقوقيا؟ لماذا انتظار ثمانية أيام مقابل الاطلاع على النسخ "المصححة" من أوراق الامتحان الذي شاركت فيه؟ هل هي "مهلة لتصحيح أوراقي" وعرضها علي لإرضائي؟ هل هو الخوف من معاينتي لباقي الأوراق التي يدل شكل حزمها الصارم بما لا يترك مجالا للشك على أنها "لم تصحح بعد"؟ لماذا انتظار انتهاء الامتحانات الشفوية شرطا لاطلاعي على أوراق الامتحان؟ ماذا، مثلا، لو كانت هناك أخطاء في جمع النقط وساهم اطلاعي على ذلك في استدراك الأمر قبل فوات الأوان والتحاقي بالمرحلة الشفهية من الامتحان الذي لم أقتنع بنتائجه نظرا للجو اللامهني الذي ساده ويسوده تحضيرا وتنظيما؟ لماذا انتظار انتهاء الامتحانات الشفوية شرطا للاطلاع على اوراق الامتحان؟ هل هي محاولة لإغلاق الباب في وجهي بالتوسل إلى شهر غشت، شهر العطلة الصيفية الخاصة بالإداريين؟ أين "القيم" التي نُدَرّسها للناشئة في المؤسسة التربوية مما يجري؟ أين "حقوق الإنسان" في أبسط درجاتها وهو الحق في معرفة مصير بنات الأفكار على أوراق الامتحان؟ أين "التعاقد" الذي ينبني عليه العمل المؤسسي؟ لماذا يُطَالَبُ المدرسون بالتطبيق الحرْفي ل"بيداغوجيا الإدماج" من خلال إعداد "شبكة التقويم" و"شبكة التحقق" بينما يُعتبر مُجرد طلب اطلاع المُدَرّسين على أوراق امتحاناتهم "كبيرة من الكبائر" التي تُستنفر لصدّها التبريرات والاجتهادات القانونية؟ لماذا هذا الكيل بمكيالين؟ لماذا تصرف الملايين من الدراهم على التكوين المستمر لهيئات التدريس على اختلاف فئاتها هذه السنة، 2009-2010، حول "بيداغوجيا الإدماج" مع بقاء حالة الفصَام شاخصة على أرض الواقع؟ أسئلة كثيرة تشير جميعها إلى أن "الإنسان" في هذا الوطن، مواطنا وموظفا، لا زال بعيدا عن أن يكون "مركزا" للخدمات الإدارية وغير الإدارية ولا محك أنسب لذلك أفضل من "المحك الإداري" الذي يبقى بالفعل "كاشف المستور". وعليه، فإنني أحيطكم علْما، السيد الوزير، بأنني اعتبر ما حدث في الكتابة الخاصة لمدير مركز تكوين المفتشين "شططا إداريا" و"رفضا صريحا" لحق من حقوق المواطنة وحقوق للموظف الأساسية في قطاع التربية الوطنية لا يشفع له لا خوفه من انفضاح أمر "حزمات" أوراق المتبارين "غير المصححة" الجاثمة على الأرض بجانبي على بعد خمس وعشرين سنتمترا ولا أي مبرر آخر. ف"الحق يعلو ولا يُعْلى عليه". وهذا ليس جديدا عليّ، على الأقل. فمند سبع سنوات، 2003-2010، وأنا أصدر البيانات السنوية حول "التلاعب بالامتحانات المهنية في المغرب" وهي البيانات التي جمعت في "كتاب ورقي" صدر بالمغرب في صيف 2009 بذات العنوان وهو كتاب متوفر لجميع القراء في حلته الالكترونية على الرابط التالي: http://raihani.free.fr/ebooks/manipulating_professional_contests_in_morocco.pdf
وفي هذا الكتاب، "تاريخ التلاعب بالامتحانات المهنية في المغرب"، شددت فيه على كون "أوراق المتبارين لا تصحح" لاعتبارات لا علاقة لها لا بالتربية ولا بالنهوض بالقطاع ولا بالإقلاع الاجتماعي. وقد سلكت في ذلك منهجا "استقرائيا" Méthode Inductive بجمع المعطيات لاستخلاص النتائج والقواعد. ولكنني في زيارتي الأخيرة لمركز تكوين المفتشين بالرباط وممعاينتي لمجريات الأمور في الكتابة الخاصة والمعطيات على "الأرضين"، أرضية مكتب الكتابة الخاصة وأرض الواقع، فقد صرت "شاهدا عينيا" على "عدم تصحيح أوراق المتبارين" ولم تعد على الأقل بالنسبة لي حاجة إلى مناهج لإثبات الأمر أو إبطاله: "لقد رأيت ما لا يتاح لغيري رؤيته". لقد سافرت بالفعل لغرض بسيط وسليم يتجاوز معرفة النقط المحصَّل عليها. لقد سافرت لأطلع على "النسخ المصححة" لأقف على "جدية المباريات في مغرب التوافق على كل شيء بما في ذلك التوافق على أسماء المُنَجّحين في المباريات والامتحانات المهنية". كما أن إعلان النتائج لم يعد يثبر اهتمامي بقدر ما أصبحت تثير اهتمامي "النتائج غير المعلنة". هذا هو اهتمامي الجديد وهذا هو اهتمام غيري ممن بدؤوا ينتبهون للأمر بعد تكرار التجربة حتى صارت قاعدة قد تصنع "خصوصية تجربة مغربية قادمة في إدارة الامتحانات المهنية على الصعيد الدولي". أتساءل، السيد الوزير: هل سنضطر في أوج حملة الرقي بالتعليم في البلاد إلى شن معارك نضالية ل"فرض تصحيح أوراق الامتحانات" في الوقت الذي يستعد فيه مؤطروا السنة القادمة لفرض تشغيل "شبكة التحقق" و"شبكة التقويم" في المؤسسات التربوية المغربية؟ هل بعد ما يحدث في الإدارة التربوية المغربية، لا زال يمكن الحديث عن "المدرسة كبوابة للحياة"؟ هل لا زال ممكنا الربط بين المدرسة والحياة في الوقت الذي لا يمكن فيه الربط بين المدرسة وإدارتها؟ السيد الوزير، في مباريات لا تصحح أوراق متبارييها وتحسم نتائجها خارج التنافسية المهنية التي اجتمع لأجلها أربعة آلاف أستاذ مغربي بتجربة لا تقل عن عشر سنوات من التدريس وبتحضير نفسي وعقلي يكلف السهر لليالي وانتظار نتائج تكلف ليال أخر مع ضياع العطلة الصيفية التي ينتظرونها بفارغ الصبر طول السنة الدراسية لتفريغ شحنات التوتر المهني الذي راكموه وليتزودوا بطاقة جديدة استعدادا لموسم دراسي جديد... ألا ترون ضرورة فتح تحقيق في الأمر في أفق بلورة "مخطط استعجالي للنهوض بالإدارة في قطاع التربية الوطنية"؟ وفي انتظار تحرككم في هذا الاتجاه، أحتفظ لنفسي بالحق في متابعة من نصب نفسه "سلطة ضد القانون" ليحرمني مما يخوله لي الدستور وقانون الوظيفة العمومية وكل المواثيق الدولية لحقوق الإنسان. وتقبلوا، السيد الوزير، احترامي وتقديري.