قلما وصل إلى علمي، وبشكل مباشر صريح، وجود تصورات أو قراءات عربية تتناول التجريب المسرحي دون حصره في النموذج الغربي، أو في أرفع الحالات، انطلاقا من مسلمات ثابتة باحتلال المسرح الغربي، بما فيه اليوناني، المساحات الأولى في حقل التجريب. ويتأكد هذا الموقف كلما يدور النقاش حول المسرح العربي، إذ يطرح الحديث من هذا القبيل حساسية ذاتية تحرك الوعي الحضاري الجمعي للذات العربية في سياق إدراكاتها المضطربة للآخر الغربي، فالصورة العامة التي يطلع بها الجانب العربي في الغالب هي التعبير عن إحساس المسرحيين العرب بوجاهة الغرب وأسبقيته التاريخية لمجالات المسرح والإبداع الدرامي. ومع إلحاح النقد العربي على تناول قضايا المسرح بفكرة وجود الغرب في مركز الخلفية المرجعية، تطورت هذه المسلمة على نحو نمطي رتيب إلى أن سكنت إلى خطاب منظوري جاهز، فحركة النقد المسرحي لدينا لم تتحرر بعد من إشكاليات التقليد والتجديد وحمى التأسيس. إذا صارت هواجس البدايات والأصول والسبق -وارتباطها المسلم بالغرب- تؤثر بشكل عميق يعوق حركات التجريب المسرحي في البلاد العربية، إلى درجة لم يعد فيها الانشغال الأساسي منصبا على اعتماد التجريب كأسلوب مسرحي لتطوير التجربة العربية الفتية في المسرح، وتنويع وتجديد أساليبها التعبيرية، وإنما صار ذلك هوسا تجريبيا في بحث عابث عن مفتاح الخلاص والتحرر من "عقدة الغرب" أو "عقد الخواجة" كما يسميها د. عبد الكريم برشيد. هنا، تكمن في اعتقادي المفارقة العصيبة للنزوع التجريبي في المسرح العربي، خصوصا إذا علمنا أن مواقف التحرر والتميز والانسلاخ عن سلطة الحضور الغربي تتم باعتماد رؤى ومفردات وأدوات الغرب ذاته، الأمر الذي يكشف عن وجوه التقليد والاتباع والنسخ والترامي.. المتوارية تحت أقنعة التجريب، وإذا عدنا إلى التجارب الأولى في المسرح العربي، وتحديدا مع مارون النقاش، وجدناها هامة وحاسمة في نقل الممارسة المسرحية إلى العالم العربي، وبالتالي فتح مجال تجريبي -نعم تجريبي- للمبدع العربي للتعرف على هذا الفن، وكذا الاشتغال عليه ولو من مجالات أدبية مألوفة كالشعر والقصة أو الحكاية الشعبية، وهذا ما قام به أحمد شوقي وتوفيق الحكيم ويوسف إدريس... غير أن هذه التجربة سرعان ما تعطلت نتيجة انسياق النقاد والمبدعين العرب في موجة غربية من النقد المسرحي، كانت لها ظروفها وشروطها وإفرازاتها التاريخية الخاصة، والتي تندرج عموما في إطار قدوم الغرب على نقد ذاتي للميتافيزيقا، أو ما يعرف بسلطة العقل المركزية (Logocentrism).