مدينة مشرع بلقصيري في المغرب ، مملكة قصصية صغيرة ، كل كائن فيها ، كل سكانها يصبحون كائنات قصصية ، تشرع أبوابها في وجه المهووسين (ات) بعشق القصة وكتابتها ، تهتدي بنور نجم أحمر، يوفر لها أمنا قصصيا كل سنة (هذا العام من07 إلى09 ماي 2010م) . لم يغريها يوما سحر الشعر أو عنفوان القصيدة وفتنتها ، فظلت وفية للقصة وكتابها وكاتباتها الذين يفدون إليها من كل فج عميق. في اليوم الأول ، وأثناء الاستماع للقراءات ، كانت تزيغ عيني ، فأرى عميد القصة المغربية أحمد بوزفور ، منحني الرأس في تواضع الزاهدين ، منتشيا في صمته كفارس قديم ، خرج لتوه منتصرا من فتح قلعة حصينة ، يستمع ويستمتع بكل حرف قصصي . في كل موسم قصصي ، تتحول مدينة مشرع بلقصيري إلى كعبة للقصاصين والقصاصات ، يحجون إلى كينونتها وعوالمها الفريدة ، فترقى بهم وبالقصة إلى عرش السماء. على تقاسيم عود (غرناطي) للفنان العازف عبد الحي لطف الله ، القادم من (وجدة) ، بدأت مراسيم الاحتفال هذه السنة ، بالقصة وعريس دورتها القاص والصحافي عبد الجبار السحيمي. بعدها جاء دور القراءات ، فسمعنا من سيد القصة ومروضها الأستاذ أحمد بوزفور قصة " الوحشة " التي أبان فيها سي أحمد عن تركيبة قصصية استثنائية ومدهشة ، ليتوالى بعده على منصة القراءة كل من القصاصين : محمد صوف - عبد الحميد الغرباوي - الزهرة رميج. شهادات... بلا حدود : ملتقى هذه السنة وككل سنة ، احتفي بالأديب والصحفي عبد الجبار السحيمي ، لا لكونه مدير جريدة أو مشهورا ، ولكن لأنه (كما قيل عنه) ألغى بشجاعة حدود القبيلة الحزبية ، وعطل الجمارك في وجه المبدعين بكل مشاربهم السياسية . نجيب العوفي الناقد والأستاذ في جامعة محمد الخامس بالرباط ، أفرد مداخلته ليتحدث بعمق عن (إنسان اجتمع فيه الثقافي بالسياسي ، وأديب انشغل بهموم الناس والمجتمع ، لم يتخرج من معهد أو مدرسة إعلامية ، لكن من عالمه الخاص. جاء من القصة القصيرة إلى الصحافة ، وكان همه الوحيد أن يبدع فيهما معا) ، كما أنه ( نموذج للمثقف العضوي الملتزم بقضايا المجتمع. لم تبعده السياسة (حتى وإن اختلفنا معه في الكثير من المواقف) عن هموم الوطن والإنسان ، وهو في البداية والنهاية ( رجل أحرج ثوابت حزب الاستقلال (المحافظ) في مرحلة ما من تاريخ المغرب الحديث. الدكتور محمد أمنصور، الأستاذ بجامعة المولى إسماعيل بمكناس أكد أن الصحافة أكلت تجربته الإبداعية ، عرف جيدا كيف ينقل إلينا رعب المرحلة : الجنون - المراقبة - الاستنطاق. محمد حاضي من جهته كفاعل جمعوي ، اعتبر أن عموده الشهير (بخط اليد) في جريدة (العلم) هو صدح بحرية الرأي. أما محمد محبوب فركز على الجانب الإبداعي في عبد الجبار السحيمي ، كرمز من رموز الإبداع في المغرب ، على الواجهتين الإعلامية والقصصية . لتتوالى بعد ذلك باقي الشهادات في حقه. القصة ......والصحافة : في اليوم الثاني ، كان للحضور موعد مع ندوة حول علاقة الصحافة بالقصة ، وهي علاقة (كما بدت من خلال المداخلات) ، فضفاضة وملتبسة ، لا تحكمها حدود أو جغرافية. الندوة كانت من تأثيث الأساتذة والدكاترة حسن شكر- د.الحبيب الدايم ربي - أحمد لطف الله - عبد الحميد الغرباوي ورئاسة القاص والمبدع الأستاذ محمد الشايب ، تطرقت إلى عنصر الالتقاء والاختلاف بين الصحافة ، كما أن الصحافة قامت في الأساس على أكتاف الأدباء . الندوة في مجملها ركزت كذلك على مظاهر التلازم بين الصحافة والقصة ، التقاطعات والاختلافات بينهما ، لكن في الأخير أجمع المشاركون في الندوة على أن العصر الذهبي للصحافة لم يكن يوما وليد معاهد أو مدارس إعلامية ، بقدر ما كان مع الرواد الأوائل من الأدباء كنجيب محفوظ ، محمد حسنين هيكل وغيرهم . وبدءا من الساعة السادسة مساء ، تتابعت القراءات القصصية على مرحلتين: المرحلة الأولى ، قرأ فيها كل من القصاصين والقصاصات : عبد الحميد الغرباوي - مصطفى الكليتي - السعدية صوصيني - عبد الله المتقي - جبران الكراوي - إبراهيم ديب - لحسن آيت ياسين - سعيد الشقيري - مليكة صراري - إسماعيل البويحاوي - إبراهيم أبويه - عبد الغني صراض - محمد صباري. بعد استراحة شاي ، تتابعت القراءات القصصية لكل من : إبراهيم حجري - عبد الحميد شكيب - عبد الواحد كفيح - محمد الحافظي - أحمد شكر - محمد آيت حنا - محمد الغويبي - إدريس خالي - محمد صولة - السعدية باحدة - محمد أكراض الورايني - إدريس الواغيش - مصطفى المودن - محمد بقاش. وفي ختام اليوم الثاني ، أعلن سي أحمد بوزفور ممثلا عن لجنة القراءة المتكونة من الأساتذة : أحمد بوزفور - الأمين الخمليشي - نجيب العوفي وعبد المجيد الدبدوبي ، عن أسماء القصص الفائزة بجائزة أحمد بوزفور للقصة هذه السنة ، والتي شارك فيها عدد من القصاصين من المغرب وخارجه ، وهي : - القصة الأولى : رجل يغادر شقته ... للقاص عبد السميع بنصابر/ المغرب - القصة الثانية : ذاك الرجل... للقاص هبة الله محمد حسن السيد / مصر - القصة الثالثة : جموح الخيال...للقاص منصف بن دحمان / المغرب في اليوم الثالث ، وابتداء من العاشرة والربع صباحا ، كان للبراعم الصغار من مختلف المؤسسات التعليمية في المدينة على اختلاف مستوياتها ، موعد مع محاولاتهم الأولى للتماس مع حدود القصة القصيرة ، في ورشات قصصية أطرها كل من الأساتذة : عبد الغني الصراض- أحمد شكر - محمد الصباري - إدريس الواغيش - إبراهيم ديب - محمد بقاش- محمد الغويني - إدريس خالي - محمد صولة - جبران الكراوي - حسن يغلان - السعدية باحدة - لحسن آيت ياسين - لحسن المسافي - محمد الحفيظي - محمد أكراد الورايني- إبراهيم أبويه - محمد آيت حنا - إسماعيل البويحياوي. تجدر الإشارة إلى أنه آن الأوان لوزارة الثقافة المغربية مع غيرها من الجهات المعنية ، أن تقدم الدعم المادي والمعنوي لملتقى مدينة مشرع بلقصيري الوطني للقصة ، الذي يعتبر بشهادة الجميع من أهم المحطات الثقافية في المغرب ، ويكفي أن يحتضنه نقاد وقصاصون وقصاصات مشهود لهم بالكفاءة في كتابة القصة على المستويين الوطني والعربي والعالمي ، من أمثال أحمد بوزفور- الأمين الخمليشي - إدريس الخوري - أنيس الرافعي - عبد الحميد الغرباوي - عبد الله المتقي - ملكية نجيب - ربيعة ريحان - الناقد د. نجيب العوفي - الناقد د. حميد الحميداني - مليكة صراري - د. جميل حمداوي واللائحة تطول. لا يسعني أخيرا إلا أن أثمن الحضور الوازن للإعلامية القديرة اسمهان عمور ، ممثلة عن الإذاعة الوطنية المركزية بالرباط ، وأن أشكر الأستاذ بنعيسى الشايب رئيس جمعية النجم الأحمر ومن معه من جنود ، يتحركون في صمت وخفاء وفي غياب دعم مادي واضح ، قابضين على الجمر الحارق بأصابع عارية ، من أجل إنجاح هذا العرس القصصي الوطني الكبير، الذي يعد بحق مفخرة للمغرب والعرب على السواء.