في 112 صفحة من الحجم المتوسط، وعن منشورات وزارة التراث والثقافة العُمانية بمسقط، صدرت المجموعة الشعرية الثالثة للشاعرة العُمانية فاطمة الشيدي بعنوان "مراود الحلكة" بعد مجموعتين هما "هذا الموت أكثر اخضرارا" دار الرؤيا مسقط 1997، "خلاخيل الزرقة" دار المدى، دمشق 2004. وفي مجموعتها الجديدة "مراود الحلكة" تحاول فاطمة الشيدي أن تؤثث بياض الورق بخارطة الكحل، وتعوّض عن رمد العالم ببصيرة القصيدة، وتفرش أوراقها النازفة في وجه المرايا لتختلس النظر الحميم لأعماقها الناتئة بالوجع النيئ، في تصالح تام مع الحزن والغربة والموت، وتعالق حنون مع البحر والملح والمساء.. "ها قد ودعتني المرايا ها أموتُ بلا أجنحةٍ سكن البحرُ فضولَ ملامحيَّ الحادةِ سكنتني سحنتهُ المحلاةُ بالملح استماتت بين فجوةِ عينيَّ الفصول" ُ كما تؤاخي بلغة حسناء متبرجة الصنعة، مشغولة بالعاطفة والوله، بين المتناقضات كالعتمة والضوء، والمطر والصحراء، وتبرم اتفاقاتها السرّية مع المساءات وتشتد في عشقها للعتمة ومرادفاتها الحية حتى الموت.. سأخلعُ قفّازَ المفازاتِ بوجهِ المطرِ وأعقِدُ هدنةً بيني وبين السماءِ سأدلفُ لحزني العتيقِ بكلي قفزةً واحدةً كي لا يخاف وسأغلقُ صدري عليه في عناقٍ حميمٍ ولن أتبرمَ حين سيبدأُ في الصراخِ فبعد موتي سيهدأ حين يفقدني دفعةً واحدةً نصوص المجموعة كتبت بين عامي 2003- 2006، ولوحة الغلاف من تصميم التشكيلية العمانية سميرة اليعقوبي، وقد قسّمت المجموعة إلى قسمين الأول: "نذر الغياب": ويضم ثلاثة عشر نصا طويلا منها منها "تيه" و"بقع على جسد الليل" و"هكذا يبدأ الكلام" و "شبح يرشق بي الغياب"و "حشرجة المسافة" و"مراود الحلكة، وفواصل الوهم .. وقد نُشرت بعض من هذه النصوص في الدوريات والمواقع الثقافية الإلكترونية.. "فواصلُ الوهمِ" مقاطع من سيرةِ امرأةٍ لا تشْبِهُ إلا الماء هكذا .... هكذا.... مستوية على وجعي أعِيدُ تسميةَ الأشياءِ في ذاكرةِ الرملِ أرتِّبُ حِفنةَ الهواءِ في رئتيَّ نفساً نفساً وحيثُما أنا أكون * * * ملتوية كلحنِ النايِ الحجريِ في مسامِ الصحراءِ منشطرة كشمسٍ في ظهيرةِ كسوفٍ ولا أحد لا أحد ينسى يديهِ على حافةِ الغربةِ أو شفَتَيْهِ بين يديّ لغةٍ غيرَ مترجمةٍ والطريقُ طويلٌ فمتى تنقصفُ هذه الغصونُ الباهتةُ والأوراقُ الصغيرةُ * * * منذ زمنٍ والأقنعةُ تتاجرُ بي في مزاداتِ الليلِ الأبلهِ والحرقةُ تحتكرني دينارا في حصالاتِ اليتْمِ عمياءُ هذه اللغةُ التي تَضَعُ كمامات الحرفِ على صدري منفتحة كالحلمِ على كلِ الاحتمالاتِ إلا على شيءٍ يشبهُ سيرةَ الماءِ في ساقيةِ الغَبَشِ * * * لجةٌ تدلكُ قدميَّ الفجرِ تغسلُ جبتَهُُ الخضراء راهبٌ لملمَ جدائلَ السَمرِ من آفاقِ الحكايةِ فاستفاقَ الظلِ * * * يومُ مولدي كان مختلفاً المفازاتُ تسلّقت الكونَ نشَّقتْهُ عطرَ الحُرْقةِ بخّرتْ الوجوهَ السمراءَ بتعاويذِ العطارين وأسندتْ أحلامَهم الجرباء بأرجلِ الدودِ الوهنةِ * * * حزنٌ موغلٌ في سماواتِ البهجةِ أعذاقٌ تتدلى من رحمِ الفجرِ تهيأَ الرمل للإبحارِ الأسمى في بوتقةِ الوجعِ الممتزجِ الرغبةِ في صهاريجِ العطرِ المسفوحِ * * * ورشةُ عملٍ بكلِ فواصلِ حرقتِها في رأسي الروحُ كجذوعِ النخلِ مصلوبةٌ فوقَ صواري البرزخِ تتهدلُ كلُ الأفنانِ صلاة أسرابُ من النملِ الأبيضِ تسافرُ في كتبِ الرحّالةِ تتقمصُ صوتَ الحادي في الرحلةِ الممتدةِ في كُتبِ التاريخِ ربانٌ بساقٍ واحدةٍ يغازلُ ربةَ البحرِ يشتهي لثمَ زرقتِها المغريةِ يرسلُ بُنيّاتِ الحورِ كي ترتقُ جواربَ اللثغةِ الصفراء وتضفرُ آهاتِ الزبدِ عند بحرِ صحار * * * ينسِبُني البحرُ إليه ابنتهُ زوجتهُ أو ابنة خالتِه الصحراءِ التي عَشِقَتْه من زمنِ الخلقِ كي تقاومَ مدَ الحرقةِ وتغسلَ شعرَ الرملِ عندَ ضِفافهِ بقسوةِ جلادٍ * * * هكذا.... هكذا.... أعصرُ ليمونةَ العمرِ قطرةً قطرةً أنزعُ ريشَ الأيامِ عن صدرِ الغفلةِ في بطنِ الحوتِ أرممُ وجهَ الصنمِ الأوحدَ في عمري حين يشتهي أن يقضم قطعةَ خبزٍ وهو الأدردُ غِلالتُهُ السوداءُ أنزعُها أُعرّي بصرَه المرتد أفضَحُه أبادِلُها بعباءِةِ أمي لا وقتَ لديْنا فلنكتب... " يكتبُ آخرَ سطرٍ في الحفلةِ " * * * مصطنعةُ الضجةِ أعبرُ الدربَ حلقاتُ العمرِ فارغةٌ فارهةٌ كالفسادِ أتبخترُ مشدودة كوترٍ في جسدِ اللحظاتِ أحدقُ في جبْهَةِ العمرِ المعصوبةِ تتلاشي الزرقة نسيَّ البحرُ أصابعَهُ تتخلل شعرَ الرملِ نسيَّ قُبْلتَهُ على حافةِ الموجهِ سافرَ أسيَّ القمرُ من لوعةِ عمرِهِ * * * أقضُمُ أظافرَ الوجدِ بهذيانٍ امرأةُ الحلمِ كان قدْ سماني تركتُ عمري في جُبَتِه المصْطَنَعةِ وحفرتُ لي عمراً آخراً في كبدِ الظلماتِ * * * يجب أن نآخي ظلالَ الأشياءِ ونسْنِدُ العمرَ السافر للفزعةِ كي نكملَ كذبتَه البيضاءَ ونداري شموعَ العرافين والسحرةِ و(المغايبةِ) في جبال الحجر الشرقي ونتقمص دورَ الجملِ الأجرّبِ في الصحراءِ * * * قال الشيخُ ابن أبيهِ : من عاقرَ خمرةَ دهشَتِهِ ماتْ ................. ................... لكن ثمةَ من يقضي العمر يجوبُ الفلواتِ يوزعُ كاسات الليلِ ينادمُ عرافي الكلمةِ يسوسُ الوجعَ الممتدَ من الضرس إلى الضرس يسوّر أحزانَهُ كي يدرأَ شغاباتُ الفرحِ الأرعنِ ثمةَ سيوف لاتقوى على مجابهةِ الترسِ وثمةَ مجدٌ منزوعٌ من ريشِ النسرِ المُهدى قفصاً فارهاً في حديقةِ حيوانِ ما الحل ...؟ * * * في مكانٍ ما... أعلنُ للبائعةِ الحسناءِ أن كلتا يديّ ثمنٌ بخسٌ لريالاتِ السحتِ الملعونِ وأن وجهي المدسوس خلفَ الأصباغِ منزوعُ السحنةِ من متاريسِ الأجدادِ وأني امرأةُ المفازاتِ حتى آخر حرقة * * * في لحظاتِ اليأسِ أتحولُ منجلاً أجزُ أعناقَ الغاباتِ كي أمنعَها من مطاولةِ حزني وأقصُ شعرَ الفتياتِ انتقاماً لذيولِ شعري القصيرةِ وأبكي كثيراً لأضاهي روائحَ المطر والقسم الثاني: بورتريهات العتمة، ويضم إحدى وثلاثين مقطّعة صغيرة كتبت بأسلوب الومضة الشعرية ومنها.. طموح لا أرغبُ في تسلقِ الجبالِ ولا الوصول للقمرِ كل ما أطمحُ إليهِ نزع الشوكة المستقرةِ في كبدي من زمنِ الخلقِ!! *** لماذا ؟؟ الجميعُ هادئون سادرون في غيّهم ووحدي حُمّلت ثأرَ الأرضِ الخرابِ وجريرة أبنائِها الأدعياء؟؟ *** أزهار الشر أنبتي في روحي بذوركَ الطاهرةِ اغرسي جذوركِ العذبة في أرضي الميتةِ وزّعي تفتحَكِ الشَبِقِ في جسدي بللي بنفسجك الحزين بدموعي فهي لن تجف أبدااا !!! *** رصاصة كيف أتجاوز حدودَ قدرٍ مشرئبٍ داخلي بكلِ جزعِهِ ؟؟ حملنّي وحدي دمَ هابيل، وندمَ قابيل وكل تداعياتِ الطرقِ المكتحلة بمراود الحلكةِ اليانعةِ لأذوب من وخزِ السكونِ الرابضِ في جوفي كحمى مزمنةٍ لاشيء يستحقُ مني الآن سوى رصاصة!!!