*** الحنين للمدينة أو القرية التي ولد فيها الإنسان، و ترعرع بين بيوتها، و أزقتها و دروبها الوعرة و الوحلة، و شوارعها الواسعة و الضيقة، و اختلط بناسها و فضاءاتها الطبيعية، و شرب من مائها العذب و الموحل، و اختمر بتقاليدها المادية و الأدبية و و السلوكية، يبقى من العلامات المضيئة و الجاذبة في كثير من دواوين شعرائنا الكبار و الصغار، بل شكلت - دون أدنى شك أو ارتياب - هوية أصيلة لهؤلاء الشعراء الذين قادتهم أحلامهم و طموحاتهم و أطماعهم و مغامراتهم و نبوءاتهم، إلى خارج أسوار مدينتهم، فاغتربوا و غاصت أرواحهم في كآبة المنفى و جراحاتها، إلى أن تمكن منهم من تمكن، من العودة إلى دياره بالغنائم و البطولات و المعلقات، و منهم من قضى نحبه دون أن يبدل في حب وطنه/ مسقطه/مدينته / قريته تبديلا.. إن حضور المدينة/ مسقط الرأس في أشعار و كتابات المثقفين، هو حضور الحنين، و الشجن، و العشق، و حماسة الوجدان، والفرح الطفولي، و المناجاة بالذكريات الأليمة و السعيدة و المعذبة، و تعلق بالأرض و التاريخ و الإنسان.. حضور يصنع الإبداع و الإرادة و العزيمة، و حب مواجهة المستحيل، و يصنع القرار و الانتصار و البطولة.. حضور يمنح للشاعر و الكاتب الأمل، و فرصة متواصلة في الزمن لمعانقة الحياة، و التغني بها، و العيش بأقدارها و في ظل أقدارها، ما شاء الله له العيش.. من هنا جاءت قصيدتي التالية، و التي أهديها إلى المبدع فؤاد اليزيد السني أميرة الأميرات تنامين أميرتي وقلبي معك أسمع نبضاته مشتعلة آتية من آخر الليل تتعقب عري قدميك الجميلتين و تسبح بارتخاء في نهر الشهوة الهائج من فوق * * * فيما تفكرين أميرتي و عقلي أسير لديك و روحي منك و إليك و تاريخ ذاكرتي لك * * * بما تحلمين أميرتي و أنا ملك أمرك أشهد أنك حبيبتي و زهرتي الحمراء التي تعطر حديقتي و تنير مهجتي و تعيد لحطب جسدي بهاء الاشتعال * * * كيف أصبحت أميرتي هذا الصباح و خيوطه الضريرة تتسلل علنا إلى سريرك تنزع عنه دون حياء حصتها من الوهج * * * كيف عدت أميرتي من سفرك الطويل حزينة كالموسيقى و مدينتي تعزف بأصابعك و ترقص بأنفاسك طربا و تكشف لك بحنين عن درب طفولتي و عن خربشاتي التائهة فوق دفاتري القديمة و بقايا من فخاخ عصافيري المنسية على سطح داري و عن ملابسي الممزقة بأظافر الوحل المبللة بمدامع المطر * * * كيف غفرت لي أميرتي صحيفة أوزاري كيف ملأت صدري بريقك القادم من شرق الأحزان و غمرت فحولتي كرما من كل الألوان و جئتني كشمس الصباح تحفرين جسدي على مهل و ترسلين من ورائي رياح الزفير و برق الآهات و رعد السموات و البوح و اللمس و الهمس و انصهار الشفاه في الشفاه و التصاق الساق بالساق * * * كيف أصبحت يا أميرة الأميرات و زهرة الوجدان يا نور المكان و أيقونة الأزمان بداية لتاريخي و تاريخا لمدينتي و تاريخا لعاشقيها الأبرار كيف أصبحت يا أميرتي .. مدينتي * * * تسألين أميرتي ماذا سأهدي لك في عيد ميلادك العشرين عقلي أسير لديك و روحي بين يديك و الشمس من قبل وضعتها لك في طبق كما القمر على كتفيك دار و انطلق و لم يتبق لي يا أميرتي غير هذا العمر أضيفه إلى عمرك يا حبيبتي كي أزداد عمرا أهديكه في عيد ميلادك الواحد و العشرين