تعد البيئة من العوامل المحيطة المهمة التي تؤثر بالفنان بشكل أو بآخر في تعزيز مدركاته الحسية حيث أن البيئة تشكل مصدرا ملهما للكثير من الأعمال الفنية وكذلك البيئة الاجتماعية هي التي تدعم وتعزز أفكار الفنان من خلال ما يقوم ويحور ويضيف ويأخذ من البيئة بشكل يشبه في ذهن المتلقي حالات مثيرة ممتعة. وحينما يتجه الفنان نحو إنجاز أي عمل فني يصب جل اهتمامه في التعرف على ما هو موجود في الطبيعة من ثم يتعرف على التكنولوجيا والتقنية والأداء لكي يمارس عمله الفني. (إن الطبيعة هي المنبع الروحي للقواعد، والطبيعة قد تكون مماثلة في جسم الإنسان وعاداته وغرائزه، فلإنسان نفسه ظاهرة طبيعية من ظواهر هذا الكون الذي خلقه) (1ص11) وأن علاقة الإنسان ببيئته أو بالمكان الذي يعيش فيه تجسد في أبسط صورها أنموذجا فريدا للانتماء إلى الطبيعة المألوفة لدينا، ويتمثل هذا في تطبعنا ببعض مظاهر الطبيعة الموجودة والمتشكلة في البيئة وهذه تعدها مضمونا فنيا وجوهريا، إضافة إلى أنها تعبير عن علاقة البشر ببعضهم في مكان يصبح جزءا من العلاقة في زمان يؤكد موروثة الحضاري. (تشكيل البيئة بمفهومها الطبيعي أو الجغرافي أساسا في تمييز الفنون حيث تأكد بالفعل تأثير عوامل البيئة والمناخ في ذوق الشعوب وإبداعاتها). (2ص3537). إن الفهم الخاص بهذه العلاقة يتحدد على أساس الانتماء للوجود الكلي للفرد، ويعد هذا مصدرا من مصادر التذوق الإجمالي انطلاقا من القيمة الأخلاقية في بيئة معينة. العلاقة هنا أن الإنسان امتزج بالطبيعة، وقد أصبح الانتماء إلى الذات يقود الفرد إلى الطبيعة ومن ثم إلى الفن إنه انتماء للمكان الذي يشمل هذا كله ويجعله مرجعا للإبداع ومن ثم الحكم عليه. (إن الفن إذا لم يكن سوى تسجيل لمظاهر الطبيعة لكان أقرب تقليد هو أكثر الأعمال الفنية إقناعا). (3ص192). إن الطبيعة هي التي تنعكس على الوجود الإنساني في شتى جوانبه تنعكس أيضا على الفن الذي يصور مظاهر الطبيعة مظاهر البيئة وما تتميز به هذه البيئة من مميزات تميز المجتمعات بعضها عن البعض الآخر وتتميز في أقاليمها الجغرافية. لقد شكلت الكثير من المفاهيم والظواهر وقد شكلت عاملا مشتركا بين الإنسان ولو كان الذي يعيش فيه ومن هذا يجعد دور البيئة في الفن مؤشرا مهما على أن تتفاعل البيئات فيما بينها لتؤكد لنا شيئا مهما أسمه الثقافة (البيئات الاجتماعية وما فيها من كل خصائص ومميزات أعطت تسليما بأن الثقافة والفنون وما في حكمها وليدة البيئة والإنسان معا، وأنها تتكيف وفقا للظروف الاجتماعية لكل جيل أو لكل حقبة زمنية). (4ص258). لهذا كانت ثقافة الفنان عاملا أساسيا في أن يتمكن من إدراك الأشياء والأحداث التي تحيط به وتواجهه في حياته العملية الفنية ومن خلال أفكاره وتصوراته وما ينتج عنها من قيم فنية وما سيتم فعله من خلالها لذا فالثقافة ((ثقافة الفنان)) تكتسب ديمومتها من خلال الصلة الوثيقة التي ترتبط بكل مظاهر وظواهر المجتمع وهذه الظواهر تعطي انعكاسات وتطورات تحدث نتيجة تحول اجتماعي في بيئة اجتماعية ترتبط بواقع الأمة بكاملها في ماضيها وحاضرها الفنان لا بد من أن يفهم هذا الواقع ويركز على أبرز مظاهره الإيجابية وينطلق من مبادئ حيوية. ويجعلها ضمن حالة التوازن مع متطلبات البيئة الاجتماعية الجديدة ومفاهيمها الحديثة. (فالثقافة أثر كبير في تعبير الفنان بالإضافة لكونها من الأسس الرئيسة للتطور الاجتماعي وانعكاسها يكون من خلال المتغيرات في النزعات والميول الخيالية التي تسببها في الاتجاهات الخطية الماثلة في تطور الأساليب الفنية، نضيف إلى أن التطور الاجتماعي واتجاهه العام يمكن أن يبقيا في تاريخ أي مجتمع أو حضارة محدودين وقد يحدث نوع التطور وسرعته من خلال التعبير الفني ومنطلقاته الجديدة). (5ص256) وبما أن الفن هو جزء من التطور الثقافي لكل فترة لها نمطها وأسلوبها ولكل حضارة خصائصها ومميزاتها ولكل فرد له تاريخ وله أسلوب خاص لذلك فإن تاريخه في الزمان والمكان هو جزء من التعبير الثقافي لذلك العصر. العلاقات مستمرة ما بين المجتمع والفرد وتشكلت لديه الثقافة من بيئته إذا هو المسؤول عن إبداع العمل الفني أيا كان نوعه ليعطيه إلى المستقبل ليعيد تكامل الفن (يحتاج المستقبل إلى إعادة تكامل الفن كطريقة أسلوبية مستقلة للإدراك والتعبير، كمتلازم حسي، متساو، ومتناقض، للتجريدية الفكرية، يمكن للعناصر الفكرية الولوج داخل عقل الفنان، هناك تحصل على رموزها الحسية والموضوعية). (6ص190) هذه الصور الذهنية المتلازمة بإحساس الفنان تستند على أساس فكري للتعبير عن المتغيرات والأحداث وتكون صور ذهنية وانطباعات ترتبط مباشرة بالبيئة ومن خلالها يتم تسجيل بما ينسجم مع ارتباطاتها وبصورة موضوعية. ( فالثقافة سواء أكانت مادية أم غير مادية فإنها تتغير حسب البيئة المحيط بها وقد يكون هذا التغيير جزئيا وكليا بما فيها الأشكال الفكرية والفلسفية والفنية). (7ص443). الشيء الأساسي العادي في الطبيعة والبيئة المحيطة بالإنسان هي الأشكال سواء كانت مطابقة أم غير مطابقة فإذا تطابقت كونت هناك مقارنات يستطيع بها الفنان أن يبرز المضمون الذي تولد من ثقافة بيئية لا يتعرض عليه المجتمع مطلقا بدليل أن الأشكال في الطبيعة تتفاوت موضوعاتها ويتم التعامل معها بمفاهيم طبيعة الإنسان وبيئته وفق الأشكال التي توافق العناصر العامة والضرورية لاستنباط مفاهيم فنية تكون البيئة هي المصدر الأول. (ولما كانت البيئة هي المصدر الأول بل والمتقدم للشكل وبمعنى أنها أم الأشكال لكن ذلك يجعلها أمام حالتين شكل يطابق بيئته وشكل لا يطابق، شكل يتشابه أصله البيئي، شكل لا يشابه أصله البيئي، شلك يشابه ويطابق أو يماثله مزيجا من عدة أشكال بيئية). ( عند هذه الحالة نقول هل البيئة تتحول أمامنا إلى وسيلة لإجراء مقارنات وقد يكون الجواب بنعم وقد يرى البعض أن ما بعد المتغير الشكلي البيئي ثم المقارنة أو التفاوت أو التباين.. أي بمعنى الكشف التحليلي لما بعد الشكل الطبيعي ويمكن أن يصبح هذا، على أن لا تخطئ الأول). (8ص8). أنا أتفق مع الرأي على أن تعود الإنسان على بيئة معينة تختلف عن البيئات الأخرى، فإن اختلاف البيئة من مكان إلى مكان يصاحب ذلك تقلبات وظروف مناخية طبيعية ذات مكونات مختلفة وكذلك أن البيئة بها كائنات من حيوانات وطيور ومظاهر قد تكون ذات تأثيرية مباشرة على الفنان. (أثر هذا كله في عادات وحياة الشعوب وتقاليد ونظمها ثم انعكس ذلك على الفنون التي تمايزت من شعب إلى شعب ومن جنس إلى جنس تبعا لهذا التمايز، وللسبب نفسه أصبح بمقدورنا التميز بين فنون آسيا وأفريقيا .. استنادا لهذا المبدأ وفي شتى أنواع الفنون). (9ص263). وقد استفاد الفنان من مظاهر الطبيعة المتمثلة بالبيئة الأبعاد الروحية والشكلية حيث كشفت البيئة الاجتماعية تأثيرات أساسية تدخلت حتى في اختيار الإنسان لما يرتديه من لباس وكذلك من مسكنه وطبيعة عيشه وهذا أدى إلى أن يبلور الأشكال التقليدية المعروفة ويسقطها على المنجز الفني في عمل إبداعي يميزه في بيئته الاجتماعية (والأشكال المعمارية والنحتية أو الصور الجدارية، أما أن ترتبط بحياة الإنسان وسلوكه وتتكون أشكالا متطورة مع الفنان تنزع إلى ذاتية طموحه في الصياغة والتكوين مستندة، أما إلى فكر ذاتي أو مدرسة فنية معينة ينطلق منها الشكل). (10ص236). وإذا الفنان من خلال نشاطه الذهني وفكره عليه أن يخاطب الناس من خلال ما يقدمه من إبداع بلغة الكل وأن يجيب وفق ما يقدمه من دلالات تعبيرية وفق ما أعده ووظفه بأسلوبه ونمطه الخاص الفردي الذي تمتع به، وبهذا فإنه يضيف إلى فكره وذهنيته ويخوض عددا من التجارب ليتوصل إلى مرحلة تجعله يفتح أفاقا جديدة هو يختاره ولا يبتعد عن مدرسة فنية تتفاعل مع مراحل يستمد روحية هي موجودة أساسا في كثير من الفنون الرافدينية والعربية والإسلامية وكانت متخمة بالأشكال الكثيرة التي تحمل معاني فيها الكثير من الدلالات الرمزية والتأملية ساعدت الفنان على أن يحفز مدركاته. (من خلال إيجاد الرمز ما بين الظواهر الطبيعية والاجتماعية ومن أجل خلق عنصر الإبداع والابتكار حيث يتم من خلال تحديد الصورة الفنانين عدة تعديلات وتحويرات يتعاقب فيها الحذف والإضافة حتى يصبح عملا يتمثل فيه الخلق والإبداع). (11ص131). لذا فإن البيئة الاجتماعية لها أهمية كبيرة في بلورة أسلوب الفنان وتعتبر من الأمور المهمة التي شغلت نفعية الفنان لأنه عايش واحتك بالبيئة طيلة فترة حياته ومن خلالها يسمو بأفكاره وطرق أدائه وتكنيكه وأسلوبه الفني الذي اعتبر العنصر الأساسي في الفن من خلال ما مثلته البيئة من أرضية مشتركة تفاعل فيها سائر البشر على الرغم من تعدد المظاهر والمتغيرات، هناك سمات وملامح رئيسية تشكلت من خلالها فكرة الجمالية التي تجسدت في روح الحضارة العربية والإسلامية وفلسفتها في إطار عام ارتكز على ثلاث قواعد رئيسة مهمة أثر البيئة الاجتماعية الأساس العقائدي الروحي والشكل التعبيري للمضمون.( وأول سمات هذه الإبداعية تتمثل في التلاحم بين المضمون الروحي وملامح البيئة). (12ص504) الخصائص في الإبداع تمثلت بتلاحم المضامين العقائدية والروحية للفنان وملامح بيئته التي انتمى إليها بعد اكتمال عناصر البيئة الاجتماعية التي فرضت نفسها في الكثير من الاستخدامات وكذلك وجود مظاهر الطبيعة المختلفة في التعبيرات الفنية التي أعطت قيمة جمالية هدف الفن إلى تحقيقها وهو هدف إنساني ووسائل تحقيقها يتحكم بحكم التاريخ والعامل الحضاري والبيئة وغيرها مما جعل التراث متعلقا بإنتاج الحضارات وحضارة وادي الرافدين ووادي النيل والحضارة العربية الإسلامية وحضارة الفن الأوربي القديم خير دليل على أن تعطي قيمة جمالية هدف الفن أن يحققها من خلال الموروث الحضاري. (التراث السجل الحي الخالد لحضارات الأمم وتأريخها). (11ص21) وفيها نظم وقوانين وطقوس وتقاليد تكون فعاليات يبحث عن الفنان في عصر وفي كل مكان باعتبارها وصفا جوهريا تعطي مفاهيم جديدة للفنان المعاصر ليس من أجل أن يقوم بتقاليدها وإنما من أجل أن يستفيد منها بطريقة الإدراك ويستنبط منها ما يراه مناسبا لأن يصيغ أفكاره ويسقطها في عمله الفني أو منجزه التشكيلي. (لذا فقد تعد مصدر إلهام الفنان في كثير من موضوعاته وأشكاله في مختلف الفنون في أنحاء العالم التي أحدثت تأثيرا كبيرا في المدارس الفنية المعاصرة واستخدم الفن التجريدي زخرفة سواء كان في الفن التجريدي الإسلامي والفن التجريدي الحديث). (9ص63). ومما هو معروف تاريخيا عن ازدهار الحضارة العربية الإسلامية في عصر نهضتها، حيث سجلت الحضارة تقدما علميا في كل المجالات ومنها الفنية، حيث أن ثقافة العرب استوعبت فهما حقيقيا للدور الذي يثمر من خلاصة الفكر الإنساني المتمثل في إنجازات فنية مرموقة، لهذا كان انبهار الغرب بهذا واضحا وجليا (والغرب رغم تطورهم في التقنية إلا أنهم اتجهوا نحو حضارة العراق والعرب ليغدوا أفكارهم وفنونهم محاولين استيعابها والتغذي بها وإدخال التغيير على أنماط الإبداع وبالتالي أنماط الحياة وبتأثير منها). (13ص407). ومن هنا تحدد أن للعرب فضلا كبيرا من في وضعهم اللبنة الأساسية للمعارف والعلوم والفنون حيث أن ثقافة العرب المعاصرة قد استوعبت فهما حقيقيا للدور الذي لعبه الفنان والذي أثمر خلاصة الفكر الإنساني المتمثل بالمنجز التشكيلي الجديد ليستلهم بذلك الفنان الغربي من هذه الحضارة ويعكسها في أعماله الفنية لتؤشر بذلك مؤشرا واضحا ونمطا في العمل الفني. ومن هذا أن ابتداع المدارس أمر مهم ولا بد أن نتبع حساب التباينات والمكونات التاريخية وكذلك الثقافات والأصول التاريخية (وهذا يؤدي إلى التبعية والولاء لتلك المدارس التي قد تتناقض مع واقع الحركة الفكرية والإبداعية فتخلق ثقافات مهلهلة وتابعة، بل إن هذا النوع من التبعية يعد علامة بارزة على الخلل الذي يصيب علاقة المبدع بمصادره الحضارية أو فقدان الصلة بتلك المصادر نهائيا). (14ص155). وقد لجأ الفنان الغربي إلى التراث العربي لاقتباس مفرداته ومعالمه الحضارية بوصفها أصلية وثمينة بالحقائق الفعلية والصادقة للمجتمع العربي الأصيل، وتطبيقها على فئة وفق رؤيته الخاصة والدليل على ذلك الفنان الخزاف الإنكليزي ((أيان أولد)) حيث قام برحلات عديدة إلى دول الشرق ومنها العرق، هذا كله له تأثير فعلى وكون مزاوجة حقيقية بين الأسلوب والمجتمع التي يخاطبها وهذا يتفق مع قول شارل لالو (إننا لا نذكر خصب التأثيرات الدولية في تاريخ الفن ولكن هذا التأثير لا ينجب سوى ضروب من التداخل المصنوع السطحي والتراصف العقيم بدل التمثيل). (15ص255). وأن الموروث الفني يرتبط ارتباطا وثيقا بمجمل الأوضاع وتأثيراتها على فكر الإنسان العراقي والعربي والغربي أيضا والذي استمد عناصر مكوناته الإبداعية من أبعاد فلسفية عميقة في تاريخ الحضارات وخاصة الرافدينية منها التي شكلت قيمة في غاية الأهمية لخصائص وسمات ذات علاقة في واقع الحياة والمجتمع العراقي والغربي (إن التراث ومستلزمات تطويره فنيا حيث تأخذ بدراسة القديم ونترك ما لا يفيدنا بالمعاصرة وتكوره إلى حيث يصبح لغة ذات طابع يمثلنا من جهة ويمثل لغة عامة تقبله وتهضمه الشعوب الأخرى ويضيف إليها كثيرا من ثقافتنا وينقلها إليهم وهكذا تكون عن طريق التراث قد ساهمنا في خضم الحضارات المنافسة لنا عالميا). (10ص772). عادة الفنان يستمد من تراثه والواقع الذي يعيش فيه سواء كانت قرية زراعية أو مدينة أو حتى منطقة الصحراء والبادية الغربية مواضيع ومفاهيم تكون إشارة وعوامل ورموزا يتعامل بها مع المجتمع وهو (تعامل مع طبقة ذات هوية تاريخية ذات مفهوم انبعاثي ينطلق من نظرة علمية تربط بين الماضي والحاضر). (16ص3536) . هذه النظرة تجعل الفنان أن يحول ويترجم الخبرة والمؤثرات الخارجية التي يدركها بعينة وعقله إلى شكل فني بعد أن تفحص وتعمق في الحقائق لكي يستلهم ما هو جديد ويعدل ويضيف ليكون بذلك رؤية بها خيال ناتج عن خبرة وتنظيم للأفكار فهو بذلك لم يتفاعل مع البيئة فقط بل صب بها أحاسيسه الذاتية،ولذلك نجد أن لكل فنان طابعا خاصا يميز عمله من أعمال الآخرين. (والحضارة لا تقتصر على التفاعل مع البيئة المحيطة بها بل بما أسفرت عنه الحضارات السابقة لها ). (17ص53) ، التفاعل مع الحضارات استلهام المفاهيم بروح عصرها وأسمى سماتها والتفاعل معها بأسلوب نستطيع أن نعزز من المفاهيم لتصل بذلك إلى قيم جديدة متطورة. تعبر عن منطلقاتنا الفكرية وسياسيا المتصلة بها ومن الأمور المركزية في مجتمعنا والمؤثرة في خلقنا وتراثنا وتقاليدنا هو الماضي بكل ما يحمل من عوامل الحياة وتقاليدها وقوانينها) (18ص3). فتراثنا غني بالكثير من الرموز والدلالات والقيم التي تعد مصدر الإلهام لينطلق بغير قيود ويخلي مكانه على نحو متزايد لمفهوم التنظيم الذي يؤدي إلى تحقيق ما يريد تحقيقه من معاني ورموز الحضارة الأصلية التي تمكن الآخرين من حقيقة التعرف على حضارة الفنان من خلال الاستدلال ما تجسده الرموز والدلالات المعبرة، في هذا المجال يرى الباحث أن العلاقة بين الإنسان وبيئته الاجتماعية كان موازيا لأن يخلق بذلك موروثا حضاريا لأن نظم العلاقات والعادات والتقاليد التي انتقلت من جيل إلى جيل واستقرت في المجتمع واستطاع توظيفها وليضع القوى الأخرى في مسار آخر وكما قال جون ديوي (وحينما تستحيل الأشياء القديمة المألوفة إلى أشياء جديدة في التجربة فهناك لا بد أن يكون ثمة خيال، وحينما يكون ثمة خيال، يتم خلق الجديد، فلا بد للبعيد والقريب أن يصبحا أكثر الأشياء طبيعة وحتمية في العالم) (19ص451). وقانا أن الطبيعة هي منبع الإلهام الفني وبهذا تكون أسلوبا خياليا مثاليا استخدمه الفنان وبنى عليه الواقع بعد أن أستخدم الأصل وحققت به عملا فنيا يعبر عن غاية مثالية خيالية تعتمد أساسا على الرؤية الخاصة بالإبداع بوصفه استجابة ذاتية لحافز موضوعي ثم بوصفه تراثا موحدا لكل حالة تاريخية أو انعكاس له في صورته الفردية في الواقع الفني وفي كافة مجالاته الإبداعية. فقد يكون الإنسان كما يذكر ارنست فيشر في حاجة إلى أن يكون (أكثر ما هو فهو بحاجة إلى أن يكون إنسانا كليا، وهو لا يكتفي بأن يكون فردا منعزلا وإنما يطمح ويسعى للخروج إلى كلية يحقق بها هدفا أعلى من مجرد ((الأنا)) التي تحدد وجوده). (20ص9) وبهذا يستطيع الفنان في أي عصر أن يقوم لعملية الابتكار الفتي التي يستخرجها من معالم تراثه ورموزها حيث يمتلك الفنان الرؤية العصرية المتطورة التي تحمل سمات أصلية تكمن في أساسها المضمون والمحتوى والشكل والأسلوب والتقنية حيث يصبح التعبير أكثر شمولا، صحيح أن العمل الفني ينتهي عند قناعة مبدعه به ولكنه كذلك على تقبل الآخرين له حتى يبرز ويصبح أثرا فنيا حقيقيا يفسر على أنه وحدة كلية تشكلت من العناصر التي ارتبطت بعلاقات ضرورية في العمل الفني سواء أكانت ذاتية أم موضوعية (ضرورة ذاتية ممثلة تمثيلا موضوعيا على أساس افتراض معنى مشترك). (15ص100) . لذا فإن التأثير والربط بين التراث والمعاصرة هي التي أثرت بشكل مباشر في أعمال الفنان التي كونت أسلوبا وضع بصمة على قدرات الفنان الإبداعية وفق صياغة مفروضة عليه زاوج بها الإمكانيات المتمثلة بالتقنية والإحساس الجمالي الذي وفر له الإلهام الحقيقي التي حددها وحدد معها مستوى الثقافة الذي بلغه ليكون بذلك أنه حافظ على تراثه وأنه لم يشكل بالنسبة إليه التيارات الغربية الوافدة من الخارج وأن يتمسك بمورثه الذي استلهمه من حضارته ليحصن نفسه وسعى وراء الثقافة التي تبصر منها وكان هذا ضروريا من أجل إدراك ما هو أصيل في التراث وعزل ما هو دخيل عنه، وهذا هو (الأساس الثابت في الفن دائما هو هذا التطابق بين ما يبدعه الفنان والفكرة التي يبلورها، حيث أن الفنان يحرص دائما على مثل هذا التطابق ليحقق وحدة العمل الفني الذي يحقق هدفا مشتركا في المجتمع). (21ص170).