المخرج والناقد السينمائي المصري سيد سعيد سيد سعيد ناقد ومخرج مصري، عرف مرارة الاعتقال السياسي أيام حكم السادات، بسبب أفكاره اليسارية آنذاك، صاحب فيلم القبطان. له عدة أفلام قصيرة بعضها روائي والآخر وثائقي/تسجيلي، أخرج للتلفزيون مسلسلين: تمساح الجزيرة ورحلة إلى الشمس، لكنه يعتبر نفسه تجاوز هذه المرحلة ولا يفكر الآن سوى في السينما فقط. في بداية لقائي به سألته عن النقد السينمائي في العالم العربي عموما وفي مصر والمغرب على الخصوص، فأجاب: طبعا هناك التصنيفات المعروفة حول الفرق بين الناقد والمنظر السينمائي والناقد الفني، هذا الأخير متخصص في الفن ولا يفترض فيه بالضرورة أن يكون ملما... إذا نستبعد هذا المجال، وإن كنت لا أنكر دوره في التعريف بالأفلام والأخبار وكل ما يتعلق بالسينما، هذا بالنسبة للمتلقي العادي الذي يهمه الاطلاع على أخبار الأفلام ومواكبة الحركة السينمائية، دوره مهم ولا يجب التعالي عليه، لكنه غير دور الناقد الذي يعتبر مستوى آخر من مستويات التعامل مع السينما، لكن للأسف الشديد، وأقول لك هذا في شبه ثقة، معظم النقاد السينمائيين في العالم العربي عدى استثناءات قليلة، خرج من معطف الأدب أو المسرح، الشيء الذي أدى بهم إلى التعامل مع السينما باعتبارها موضوعا دراميا أو يحمل رسالة ما، فيحكون قصة الفيلم ويحللونها على أساس سوسيولوجي أو إيديولوجي أو أي موقف أو اتجاه نقدي يتبنونه، ولا يقتربون من السينما إلا في النهاية، بقولهم مثلا هذا الناقد أجاد في استخدامه لأدواته أو أن المصور كان بارعا.. إلى آخر هذه الأحكام العامة، إلا حفنة قليلة في العلام العربي، هناك خلط بين النقد الأدبي والنقد السينمائي، إنهم لا يتعاملون مع الصورة بأي شكل من الأشكال ولا يأخذون خصوصية الوسيط السينمائي بعين الاعتبار، وهذا ليس مسؤوليتهم وحدهم، بل يشاركهم فيها المبدعون، بمعنى أن السينما في العالم بدأت تعاملها مع الحكي باعتباره حكاية مصورة للسينما، في بداية السينما كانوا يحكون قمة مصورة للسينما، إذ كانت هذه الأخيرة حاملا لحكاية مسرحية أو روائية، لكن هذا يصبح دور السينما مجرد ناقل وموزع يساعد على الانتشار، أما الحكاية الفيلمية فهذا شيء آخر، هناك فرق بين أن تحكي قصة بالسينما وأن تحكي حكاية فيلمية، فهذه الأخيرة لا يمكن أن تحكيها إلا سينمائيا ولا تستطيع أن تلخصها، وإن فعلت ذلك كتابة تبتذلها كسينما، ومن جانب آخر، على أي شيء سيحكي الناقد إذا لم توجد القصة الواضحة ؟ يحتار تضعه في مشكلة. المشكل الثاني العام لا يخص النقاد العرب وحدهم، هو العلاقة بين الإبداع والنقد، هناك إشكالية وهي أن الإبداع حتى في تعريفه القاموسي، هو إبداع الشيء على غير مثال. هناك النموذج السهل، حيث يمكنك أن تفصل الأفلام حسبه، السينما الأمريكية خير مثال لهذا، الناقد هنا عنده قانون هذا النموذج، يمكنه أن يقول : هل هذا المخرج اتبعه أم لم يتبعه، لكن هذا ليس إبداعا في رأيي، أو هو نوع من الإبداع الفقير ليس فيه غير مثال معين، لكن هناك بالمقابل مرحلة الابتداع والتي معناها أنك تعدل شيئا ما من النموذج، تضيف إليه، تنقص منه، تجري عليه تعديلات، هذه الأخيرة إذا عرفتها وكنت ملما بأسس النموذج تستطيع أن تحلل أي فيلم، لكن هناك الإبداع الحقيقي الذي على غير مثال -كما سبق وقلت- لا قانون له ولا يستطيع أحد أن يحده بأي قانون، استغربت وفوجئت بأحد النقاد المغاربة يقول في ندوة حول السينما... بأننا يجب أن نعرف -أي يعرف السينمائيون المغاربة- ما هي السينما التي نريدها ؟ هل هناك صيغة سوف تسطرها له ؟ الفنان حر في إيجاد الصيغة التي ينطلق منها، حتى ولو كانت مجنونة، في مثل هذه الحالة الناقد ليست لديه قوانين هذا الإبداع، فعليه أن يفعل شيئين، إما أن يصمت أو يحاول ابتكار أدوات نقدية جديدة انطلاقا من الاستفزاز الذي يفرضه عليه الإبداع، وعموما عليه أن يبحث. ثالثا : كل معاييرنا وأدواتنا النقدية تستعيرها من الأدبيات الغربية، من البنيوية والسيميولوجية، إلى ما بعدهما وما كان قبلهما، لكن لم نبتكر نظرية نقدية عربية، لأنه لا توجد سينما عربية... (أقاطعه) لكن، لا يمكن نفي وجود سينما مصرية، على الأقل بحكم كم الإنتاج، والتاريخ الطويل؟ -ينما تصور في مصر نعم، لكنها على الطريقة الأمريكية، إلى حد الاقتباس، طبعا توجد أفلام مصرية جيدة لكن اللغة السينمائية ومفرداتها غربية، لأننا تعلمناها في معاهد، لكننا لم نبتكر طريقة عربية مستوحاة من الأنساق الجمالية للفكر العربي، طبعا هناك استثناءات ك : ناصر خمير من تونس الذي له تجربة متميزة في طوق الحمامة المفقود، رياض شيخ من سوريا أخرج فيلم النجاة وشادي عبد السلام المومياء، ثلاث تجارب للخروج من مأزق السينما العربية في حالتها الراهنة. كل المشكلات التي ذكرتها تواجه الناقد، النقاد السينمائيون في المغرب استطاع بعضهم تحقيق إنجاز كبير فيما يتعلق باستخدام المناهج، فبعد أن كان النقد انطباعيا بدون منهج، يعتمد على ذوق الناقد قد يحب أو يكره، جاءت إسهامات النقاد المغاربة الذين استطاعوا تطبيقا لدراسات في الأدب والعلوم الاجتماعية.. إلخ، أن يستخدموا المناهج فأفادوا فعلا حركة النقد العربي، لكن هذا النقد تنظيري أكثر منه تطبيقي، أي أنه يبحث في النظريات وطبيعة الصورة إلى غير ذلك من الأسئلة الكبرى التي تتلاءم مع بعض الأفلام، لكن أنا رأيي أنه في غياب إبداع مستفز للناقد سيظل النقد في حالة ركود. هذا من جانب، أما مشكلة السينما المصرية فتتجلى في كونها خلقت أنماطها ونماذجها وشخصياتها (المعلم، القهوجي..) هذه الأنماط التي أصبحت مستهلكة، وبالتالي عندما يفكر السينمائيون الجدد خارج هذه الأنماط يربكون شيئا ما النقاد. إذا انتقلنا للحديث عن تجربتك في الإخراج، أنجزت أفلاما قصيرة وفيلما طويلا متميزا عما نراه حاليا في السينما المصرية، لماذا جاء القبطان في فترة متأخرة من حياتك؟ عندما تخرج عن السينما السائدة التي تربح كثيرا، يتخوف المنتجون منك، هذه واحدة ثم إن صناعة السينما في مصر تمر بأزمة طاحنة جدا، وهناك وفرة من المبدعين، ومع ذلك فإنني سأشتغل مستقبلا في المسافة الواقعة بين الواقع والأسطورة أو الفانطازيا. في القبطان، الليل حاضر بقوة، ما هي الدلالات التي يحملها الليل في أفلامك؟ أنا لا ألعب على الرمز كثيرا، لكن لاحظ أننا نحلم بالليل ونتحرر كثيرا داخليا في الليل، أهنا كائن ليلي، أعمل، أتأمل وأكتب بالليل، النهار مليء بصخب الحياة اليومية، النهار يوازي الواقع أما الليل، فيسمح بدخول الصور، حتى الصور المضيئة تقتحم الليل، إنه لا يخفي كما يعتقد البعض، بقدر ما يظهر أي بؤر مضيئة، والتي تبدو أشد سطوعا، إذا أنرت مصباحا كهربائيا بالنهار أثناء سطوع الشمس لا يبدو لك ضوءه، لكن بالليل ضوء قليل قد يبدو لك ساطعا، وهنا تتجلى المبالغة، في الليل نحلم، فيه نرى الكوابيس، وأحيانا يحلو فيه التأمل الذاتي، إذ أن الإنسان يكون وحده وبالتالي يبتعد عن الحياة اليومية.