المغرب يشارك في أشغال الدورة الأولى لمجلس وزراء الأمن السيبراني العرب بالرياض    موظف بالمحكمة الابتدائية بطنجة خلف القضبان بتهمة النصب وانتحال صفة    الكشف عن تشكيلة الحكومة الفرنسية الجديدة    المغرب يستعد لإطلاق 5G لتنظيم كان 2025 ومونديال 2030    ينحدر من إقليم الدريوش.. إدانة رئيس مجلس عمالة طنجة بالحبس النافذ    الفتح الرباطي يسحق النادي المكناسي بخماسية    أمن البيضاء يتفاعل مع مقطع فيديو لشخص في حالة هستيرية صعد فوق سقف سيارة للشرطة    رابطة حقوق النساء تأمل أن تشمل مراجعة مدونة الأسرة حظر كل أشكال التمييز    بوريطة : العلاقات بين المغرب والعراق متميزة وقوية جدا        ميداوي يقر بأن "الوضع المأساوي" للأحياء الجامعية "لا يتناطح حوله عنزان" ويعد بالإصلاح    الملك محمد السادس يعزي أفراد أسرة المرحوم الفنان محمد الخلفي    "البيجيدي": حضور وفد اسرائيلي ل"الأممية الاشتراكية" بالمغرب استفزاز غير مقبول    موانئ الواجهة المتوسطية: انخفاض بنسبة 17 بالمائة في كمية مفرغات الصيد البحري عند متم نونبر الماضي    "نيويورك تايمز": كيف أصبحت كرة القدم المغربية أداة دبلوماسية وتنموية؟    اختطاف المخيم وشعارات المقاومة    متضررون من الزلزال يجددون الاحتجاج على الإقصاء ويستنكرون اعتقال رئيس تنسيقيتهم    حملة اعتقال نشطاء "مانيش راضي" تؤكد رعب الكابرانات من التغيير    دياز يثني على مبابي.. أوفى بالوعد الذي قطعه لي    "بوحمرون" يستنفر المدارس بتطوان    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء            الأزمي: لشكر "بغا يدخل للحكومة على ظهرنا" بدعوته لملتمس رقابة في مجلس النواب    تقديم «أنطولوجيا الزجل المغربي المعاصر» بالرباط    أجماع يعرض جديد حروفياته بمدينة خنيفرة    أخبار الساحة    أطباء القطاع العام يخوضون إضرابا وطنيا لثلاثة أيام مع أسبوع غضب    في الحاجة إلى تفكيك المفاهيم المؤسسة لأطروحة انفصال الصحراء -الجزء الثاني-    بمناسبة رأس السنة الأمازيغية.. جمهور العاصمة على موعد مع ليلة إيقاعات الأطلس المتوسط        فيديو "مريضة على نعش" يثير الاستياء في مواقع التواصل الاجتماعي    الكرملين يكشف حقيقة طلب أسماء الأسد الطلاق ومغادرة روسيا    محمد صلاح: لا يوجد أي جديد بشأن مُستقبلي    بنما تطالب دونالد ترامب بالاحترام    الجزائريون يبحثون عن متنفس في أنحاء الغرب التونسي    نيسان تراهن على توحيد الجهود مع هوندا وميتسوبيشي    سوس ماسة… اختيار 35 مشروعًا صغيرًا ومتوسطًا لدعم مشاريع ذكية    النفط يرتفع مدعوما بآمال تيسير السياسة النقدية الأمريكية    "سونيك ذي هيدجهوغ 3" يتصدر ترتيب شباك التذاكر    تواشجات المدرسة.. الكتابة.. الأسرة/ الأب    غضب في الجارة الجنوبية بعد توغل الجيش الجزائري داخل الأراضي الموريتانية    إعلامية فرنسية تتعرض لتنمر الجزائريين بسبب ارتدائها القفطان المغربي    إدريس الروخ يكتب: الممثل والوضع الاعتباري    تصنيف التنافسية المستدامة يضع المغرب على رأس دول المغرب العربي    السلطات تمنع تنقل جماهير الجيش الملكي إلى تطوان    حكيم زياش يثير الجدل قبل الميركاتو.. الوجهة بين الخليج وأوروبا        شركات الطيران ليست مستعدة للاستغناء عن "الكيروسين"    مواجهة نوبات الهلع .. استراتيجية الإلهاء ترافق الاستشفاء    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حياٌة أدبًا
"الثقافةُ لا تُشرى ولا تُباع" ألدَّيَّان
نشر في طنجة الأدبية يوم 01 - 07 - 2009


إنَّما الدَّيَّانُ في الإنسان،
في شُعورِه العابِقِ أنسَنَةً،
وضَميرِه المُتَطَوِّرِ وتَطَوُّرَ المَزايا الإنسانيَّة

إقتِياد
إقْتَدْتُ نَفْسي، لابِسًا العَراء، ومُكَبَّلاً بأغلال الحُرِّيَّة، خارجَ الزَّمان والمَكان، ووَسْطَ الزَّمَكان، إلى قاعَةٍ بَلَغَ حَجمُها الذَّرَّةَ، كما بَلَغَ الكَونَ، ووَصَلَ بَياضُها النَّاصِعُ حَدَّ سَواد العَتَمَة، فأَدْرَكْتُ أنِّي لا بُدَّ ماثِلٌ في حَضرَة الدَّيَّان.
وأمَّا القاعَةُ فمُغلَقَةٌ بالكامِل في ما عدا ثُغْرَةٍ تُمَثِّلُ مُتَنَفَّسًا ما، ومَفتوحَةٌ بالكامِل في ما عدا الثُّغْرَةِ نَفْسِها بحَيثُ تُمَثِّلُ بابَ سِجنٍ ما. وأمَّا الادِّعاءُ فصَوتٌ لا يُسْمَع، وأمَّا الدِّفاعُ فلِسانٌ لا يَنْطُق، وأمَّا الدَّيَّانُ ففي الثُّغْرَة.
وكانَتْ مُحاكَمَة...
مُختَصَرَتان:
إ : ألإدِّعاء - د : ألدِّفاع
تَعْريف
إ - ما اسمُكَ وشُهْرَتُك؟
د - أنا إنسانٌ ابنُ الإنسان.
إ - ما مِهنَتُك؟
د - أنا أَشْعُرُ، فأُعَبِّر.
إ - وإيمانُك؟
د - أنا إنسانٌ مُنْدَمِجٌ حَياةً ومَوْتًا.
إ - وسَعيُك؟
د - للانْعِتاق.
إ - وهَدَفُك؟
د - هَناءُ البَشَر.
ألجاحِد
إ - أَتُنْكِرُ أنَّك، لحظةَ قَرَّرْتَ الخُروجَ إلى الدُّنيا، تَسَبَّبْتَ لوالدتك بآلامٍ ما بعدَها آلام، ناهيكَ عمَّا تَسَبَّبْتَه لها من انزِعاجاتٍ قبلَ الولادة، وبِداياتِ أمراضٍ حَمَلَتْها بَقيَّةَ أيَّامها؟
د - لَسْتُ أنا مَن قَرَّرَ الخُرو...
إ - صَهْ، أَتُنْكِرُ أنَّك وُهِبْتَ الحَياةَ، فيما مُنِعَتْ عن غَيرِك، أُعْطيتَ قُوَّةَ الإدراك وسُلِّطْتَ على الكَون؟ أَتُنْكِرُ جميعَ هذا أيُّها الجاحِد؟
د - مَهْلَك... وعَفْوَك، هل أَسْتَطيعُ الإجابةَ الآن؟
إ - لا بأسَ، بَدارِ.
د - تَقولُ إنِّي أُنْكِر ما سَبَق، ولَسْتُ لأُنْكِرَه؛ ولكن، هَل أنا فِعلاً مَن قَرَّر الخُروجَ إلى هذه الدُّنيا؟ مشروعَ مَولودٍ كُنْتُ، فجاءَتِ الطَّبيعةُ الإنسانيَّةُ بما تَتَضَمَّنُه من غَريزةٍ تَجَمَعُ اللَّذَّةَ إلى الألم، وإرادةٍ فَرديَّةٍ غالِبًا ما تُسَيِّرُها العاداتُ الاجتماعيَّة، أَقولُ، جاءَتْ لِتُحَوِّلَني مَولودًا قائِمًا في زَمانٍ ومَكانٍ ومن ضِمن بيئةٍ عائليَّةٍ واجتماعيَّةٍ لا يدَ لي في اختِيارها.
أآلَمْتُ بمَجيئي والدتي؟ لا شكَّ في ذلك؛ ولكن، ألَيْسَتِ الحَياةُ تَعاقُبًا بينَ والِدةٍ ووَليد؟ ومَن قال إنِّي لَم أَتَأَلَّمْ يومَها، أو لَم أَتأَلَّمْ قَبلَها وبَعدَها؟
وتَقولُ إنِّي أَتَنَكَّرُ للحَياة الَّتي وُهِبْتُ دونَ غَيري، والكونِ الَّذي سُلِّطْتُ عليه بما أُعْطيتُ من قُوَّة الإدراك، فأنَّى لي أنْ أَتَفَوَّهَ بمِثل هذا وَليدًا؟ ومَتى سَمِعْتَني أَقولُ مثلَ هذا راشِدًا؟ ولكن، بِما أنَّك تُريدُ جَوابًا، فإلَيكَه: الحَياةُ تَهِبُ نَفسَها، وفي جَميع عناصرها، وُجودًا وعَدَمًا، فلا مِنَّةَ في ما تَقَدَّمْتَ به؛ ثمَّ إنَّ الكَونَ الَّذي سُلِّطْتُ عليه، طَوَّعْتُه بقُوَّة الإدراك الَّذي طَوَّرْت، وما زالَ، هو، يُطَوِّعُني أكثر.
وإنْ أَرَدْتَني أنْ أَشْكُرَ الحَياةَ، فلا بأسَ لإنَّها، بدورها، ستَشْكُرُني، فأنا، وهي، وُجودًا وعَدَمًا، واحِد.
ألجاني
إ - أَتُنْكِرُ أنَّك، بالِغًا، شارَكْتَ في سَرِقَة حُبيبات كَرَز، وغَشَشْتَ في امتِحان، وأَفْرَطْتَ، سِرًّا، في ممارَسَة قُدْرةٍ أُعْطيتَ لِتَسْتَمِرَّ الحَياة؟ أَتُنْكِرُ جَميعَ هذا، أيُّها الجاني؟
د - لأمرٌ صَحيحٌ أنْ أكونَ قد قُمْتُ بِما تَفَضَّلْتَ به. وأمَّا أنْ يُحَوِّلَني ذلك إلى جانٍ، فاسْمَحْ لي ببعض تَعليق.
إ - حَسَنًا، ولكن، لا تُطِلْ كما في دِفاعك السَّابِق.
د - أَشْكُرُ الادِّعاء، وأُوضِح:
عندَما شارَكْتُ في سَرِقَة الكَرَز - ولَم أُخَطِّطْ لها لِلمُناسبة، بَل دُعيت - تَمَّ القَبضُ عليَّ، فأَنْكَرْتُ فِعْلَتي، ولم أُفْشِ سِرَّ شُركائي، وأَنْقَذَني حُسنُ سيرتي من القِصاص؛ وعندما غَشَشْتُ في الامتِحان، نِلْتُ قِصاصي دونَ كَثيرين نَجَوْا منه؛ وأمَّا "إفراطي" في ما أُعْطيت، فأمرٌ شَخصيّ، ولا أَظُنُّك تَحْرِمُني، هنا، حُرِّيَّةً أُعْطيتُ هناك. ثمَّ، إنْ وَجَدْتَ في أفعالي البَسيطة جِنايَةً، فما تُراك تَقولُ في مَن جَنَوْا فِعلاً؟
ألعاشِق
إ - أَتُنْكِرُ أنَّك، في حَياتك، قد عَذَّبْتَ، بعِشْقِك أو بتَجاهُلك، كثيراتٍ ممَّن عَرَفْتَ وأَدْرَكْتَ أنَّك عَذَّبْت، وأُخرياتٍ ممَّن لم تُدْرِكْ أنَّك عَذَّبْت، أو لم تَعْرِفْ أصلاً؟
د - أَوَتُدْخِلُ العِشْقَ في لائحة اتِّهاماتك؟ أَتُحَمِّلُني وِزْرَ عَذاب العِشْق الَّذي تَسَبَّبْتُ به وتَنْسى ما عَذَّبَنيه؟ أَوَيَصِلُ بك الحِسابُ إلى مَن لم أَعْرِفْ أصلاً، وعَذَّبْتُ تَجاهُلاً؟ ثُمَّ، هَلِ العِشْقُ إلاَّ عَذاب؟ وماذا يَبْقى من العِشْق لَولا العَذاب؟
ألمُؤذي
إ - أَتُنْكِرُ أنَّك آذَيْتَ الطَّبيعةَ فاسْتَسْهَلْتَ يَومًا إلقاءَ بَقايا الأطعِمة في أحضانها عِوَضَ إلقائها في المُستَوعَبات المُخَصَّصة لها؟
أَتُنْكِرُ أنَّك رَفَضْتَ، ذات نهار، خِدمةً بسيطةً لوالدَين تَعِبا في تَنْشِئَتك؟
أَتُنْكِرُ أنَّك دَوَّخْتَ، في نهارٍ آخَر، ودونَما ذَنْبٍ من المِسكين، حَيوانًا أليفًا رُحْتَ تَجْعَلُه يَدورُ على ذاته إلى ما شِئْت؟
د - أنا أُدْرِكُ أنَّني، اللَّحظةَ، أَدْفَعُ ثمنَ ذُنوبي، وأنْ لا مَجالَ لأفعالي الطَّيِّبَة أنْ تُسَوِّيَ حِسابَها، وإلاَّ لاعْتُبِرْتُ، على الأرجَح، مَليئًا.
ولكن، أفلا تَظُنُّ أنَّه يَحُقُّ لإنسانٍ أنْ يُخطِئَ مرَّةً تجاهَ الطَّبيعة، ومرَّةً تجاهَ والدَيه؟
أفلا تَعْتَقِدُ أنَّ الخَطأَ ضَروريٌّ لإدراك الصَّواب؟
ثُمَّ، أفلا تَرى معي أنَّه يَجوزُ لفَتًى أنْ يُلاعِبَ قِطًّا؟
ألمُسْرِف
إ - أَتُنْكِرُ أنَّك أَسْرَفْتَ حِقْبَةً في مَأكَلٍ ومَشْرَب، وأَطَلْتَ سَهَرًا، فيما لم يَجِدْ جيرانٌ لك ما يَأْكُلون ويَشْرَبون، وقد أَقْلَقَتْهم سَهراتُك الصَّاخِبَة؟
د - كيفَ لي أنْ أُنْكِرَ حِقْبَةً أَسْتَرْجِعُ حتَّى في حَضرَتِك؟ كيفَ لي أنْ أُدافِعَ عن أضْراسٍ طاحِنَةٍ خَسِرْتُ، وقابِليَّةٍ للالتِهام أَضَعْت؟ كيفَ لي أنْ أُنْكِرَ سَهَرًا ما زِلْتُ أَتَمَنَّى اسْتِعادتَه؟ إنِّي أُقِرُّ وأَعْتِرِفُ بِما سَبَق. وأمَّا جيراني، فما كان تَقْتيري، أو إسرافي، لِيَنْفَعاهم بشَيء، أو سَهراتي لِتُضِرَّهم، وذلك لِمَحدوديَّة إمكاناتي ومَعدوديَّة سَهراتي.
ألخائِن
إ - أَتُنْكِرُ أنَّك خُنْتَ ناسَك عندَما، في خِضَمِّ مَعركة وُجودهم، لمْ تَحْمِلِ السِّلاح؟ أَتُنْكِرُ أنَّك شاهَدْتَ ظَليمًا، ولمْ تُقْدِمْ على نَجدَته؟ أَتُنْكِرُ أنَّك عَرَفْتَ حَقًّا وتَغاضَيْتَ عنه؟
د - وأمَّا ناسي فما خُنْتُ، بَل أَعْرَضْتُ عَمَّا كانوا، فيه، واهِمون. ويَومَ عَصَفَتِ الحَربُ، سارَعْتُ لخِدمتهم، وخِدمةِ غَيرِهم، إنسانيًّا؛ ثُمَّ جاءَتِ الأيَّامُ لتُثْبِتَ أنَّهم، وغَيرَهم، كانوا على خَطإٍ، وأنَّ الوَطنَ وَحدَه كانَ على صَواب. وأمَّا الظَّليمَ الَّذي لمْ أُنْجِدْ، والحَقَّ الَّذي تَغاضَيْتُ عنه فلِرجاحَة عَقلٍ بَلَغَتْ حَدَّ الجُبْن.
ألواضِع
إ - أَتُنْكِرُ أنَّك، في كتاباتِك الَّتي لم تَكْتَفِ بوَضْعها، بَل تَجَرَّأْتَ ونَشَرْت، تَدْعو إلى الانعِتاق ليسَ فقط في هذه الدُّنيا، بَل، أيضًا، في الآخِرة، وعن طريق الاندِماج، وكأنَّك لا تَهابُ المَوْت؟ ألَسْتَ تَجْعَلُ الإنسانَ مَثيلاً لله، لا بَل خالِقًا له على صورته ومِثاله؟ أَتُنْكِرُ أنَّه يُشْتَمُّ بينَ حُروف الانعِتاق دِينٌ جَديد؟ أَفَتُدْرِكُ خُطورةَ مِثل هذه الكِتابات، وقِصاصَها؟
د - أنْ أَكْتُبَ تَجربتي وأَنْشِرَها من أبسطِ حُقوقِ الفِكرِ المُعْتَرَفِ بها في أرض الإنسان، فهَل، يا تُرى، أَخْسَرُها بينَ يدَيِّ الدَّيَّان؟
وأمَّا الانعِتاقُ فدَعوَةٌ لمَن يَرْغَب، ويَأْتي بحَسَب حاجاتِ الرَّاغِبِ الشَّخصيَّةَ، وبالأسلوب الَّذي يَجِدُه مُناسِبًا. والانعِتاقُ حَياةً مُمكِنٌ، وإنْ بدَرَجات؛ وأمَّا مَوْتًا، عَبرَ الاندِماج، فأكيد. فكيفَ لي، إنْ هِبْتُ المَوْتَ جَهلاً، وضُعفًا جَسَديًّا، أنْ أَهابَه فِكرًا صافِيًا على الأقلّ؟
وأمَّا التَّمَثُّلُ بالله، فما اللهُ إلَّمْ يَتَمَثَّلِ الإنسانُ به؟ لا بَل ماذا يَغْدو اللهُ إلَّمْ يَتَمَثَّلِ الإنسانُ به؟
وأمَّا الدِّينُ الَّذي يُشْتَمُّ بين حُروف الانعِتاق فليسَ دِينًا بَل منحًى يَخْتَلِفُ من إنسانٍ إلى آخر.
ويَرْتَكِزُ هذا المَنحى على مَدى إدراك الإنسان الدُّنيا ونَوعيَّةِ مَفهومِه لها كما للآخِرة، من ضِمن جَوامِعَ إنسانيَّةٍ يَعْتَمِدُها البَشَر في سُلوكهم في هذه الدُّنيا، على أنْ تَتَغَيَّرَ هذه الجَوامِعُ، وتَتَطَوَّرَ، بحَسب تَغيُّر الإنسان وتَطوُّره. كما يَرْتَكِزُ هذا المَنحى على فِكرة أنَّ البَشَر، مَهما انْعَتَقوا، يَبْقَون مُسَيَّرين أحيائِيًّا، وبالتَّالي، ولَو بدَرَجَةٍ أقلّ، فِكريًّا، أكثرَ ممَّا همُ مُخَيَّرون، فيما يَبْقَى المَوْتُ، مَهما ارْتَقى البَشَرُ في دُنياهم، العدالةَ الوَحيدةَ المُتَمَثِّلَةَ في جَعْلِ آخِرتِهم، كُلِّهم، على أثَر المَوْت، واحِدة؛ إضافةً إلى أنَّ المَوْتَ هو البابُ الوَحيدُ لوُلوج المَعرفة المُطلَقَة، والحَقيقةِ الكُلِّيَّة.
ألإنعِتاقُ مَسارٌ فَرديّ، لا شعائرَ فيه، لا، ولا طُقوس، وَجَدْتُ فيه طَريقي، فتَبِعْتُه ما اسْتَطَعْت؛ وهو لا يُلْزِمُ أحدًا لأنَّه قائِمٌ على اللاَّإلزام، ولا مَجالَ للانقِسامات فيه، أو حتَّى للتَّفسيرات، فلكُلٍّ انعتاقاتُه، وبالتَّالي، تفسيراتُه للدُّنيا والآخِرة.
ألنَّبِيّ
إ - أَتُنْكِرُ قَوْلَك، في إحدى كتاباتِك: "كلُّ إنسانٍ نَبيّ، تَبْدَأُ الحَياةُ به، وتَنْتَهي"؟ ألا يُسْتَشَفُّ من قَوْلك هذا أنَّ ثمَّةَ خِلافًا بينَك وبينَ الآلهة؟
د - لا، لا مُشكلةَ لي مع الآلهة، بَل مع أنصافِها من الَّذين اختَلَقوها ووَضَعوا للبَشَر القَواعِدَ، وأولئك الَّذين يُفَسِّرون تلك القَواعد جيلاً بعدَ جيل. ولَسْتُ أَدْري لِمَ - مَتى زادَتْ سَيِّئاتُ الدِّين، تَطبيقًا، حَسناتِه، وغَدا في مَقدور قَواعد الأنسَنَة الحُلولُ مَحلَّها - أقولُ، لِمَ لا يُمْكِنُ كلَّ إنسانٍ أنْ يَكونَ نَبيًّا؟ ثمَّ، ألا تَنْتَهي الحَياةُ بالنِّسبة إلى كلِّ بَشَريٍّ بانتِهاء حَياتِه؟ فأينَ العَجَب؟ وبَعدُ، أما كانَ عليك أنْ تَفْطَنَ أيضًا لما سَبَقَ لي وكَتَبْتُه: "لا أحدَ يُدرِكُ نَفْسي كما أُدْرِكُها، وكَم أَجْهَلُ نَفْسي"؟
إنْدِماج
إِنْتَهى الادِّعاءُ من ادِّعائه، والدِّفاعُ من دفاعه، ولَمَّا يُسْمَعْ صوتُ الدَّيَّان الَّذي كانَ عليه أنْ يَلْفِظَ بحُكْمَه.
وانْبَثَقَ نورٌ مُظْلِمٌ من الثُّغرَة، المُتَنَفَّسِ والسِّجن، ودَعاني الصَّمتُ إلى التَّعَرُّف، عَبرَ الثُّغرَة، بالدَّيَّان، وسَماعِ حُكمه؛ فاقْتَرَبْتُ من غَير أنْ أَتَحَرَّك، ونَظَرْتُ، وعَينايَ مُغْمَضَتان، فإذْ مِرآةٌ ما صُنِّعَتْ يَومًا تُعَرِّفُني إلى الدَّيَّان، وتَلْفِظُ بحُكمِ ضَميرٍ إنسانيٍّ لا يَعْرِفُ سِوى كلمة: بَراءَة؛ فأَيْقَنْتُ أنَّي في حَضرَة نَفْسي، وأنَّ المُتَناقِضاتِ زالَتْ، والاندِماجَ تَمّ.
وها إنَّي أَلْتَقي الأنبياءَ والأشقياء، وأَنْدَمِجُ معهم وفيهم مع الله-المَحَبَّة وفيه، فللجَميع المَصيرُ عَينُه، وإنَّما الضَّميرُ هو الكَفيلُ بالتَّوازن الإنسانيّ، لا الرَّادِعُ المُتَنَوِّعُ الأساليب.
وها إنِّي أَعودُ إلى القُدْرة الَّتي ما بَرِحْتُ جُزءًا منها، والعَدَجودِ الَّذي ما تَرَكْتُ، لا بَل غَدَوْتُ القُدْرةَ-العَدَجودَ ذاتَه، إذْ لا جُزَيْئاتٍ بعدَ المَوْت.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.