في إطار فعاليات الدورة الأولى لمهرجان شرم الشيخ للسينما العربية والأوروبية، نظمت صباح أمس الجمعة 10-3-2017 ندوة “الإنتاج المشترك بين العرب وأوروبا”، سيرها الناقد السينمائي نادر عدلي وشارك فيها الدكتورة ماجدة واصف من مصر، الناقد عماد النويري من الكويت، الفنانة مادلين طبر من لبنان، الناقد عبد الكريم قادري من الجزائر، الناقد عبد الكريم واكريم من المغرب، المخرجة دارين سلام من الأردن، المخرج لطفي عاشور و الممثلة أنيسة داوود من تونس. ابتدأ الحديث الناقد نادر عدلي وأشار أن السينما المغربية كانت بائسة حتى عشر سنوات ماضية، ولكن منذ ذلك الوقت حدثت فيها طفرة وزاد الإنتاج من فيلم إلى 15 فيلم في السنة، مضيفاً أن الدولة لعبت دورا مهما في هذا التطور، حيث أصبح تمويل السينما المغربية يعتمد على عائدات تصوير الأفلام الأجنبية إضافة للمركز السينمائي الذي يقدم دعما للأعمال التي يتم إنتاجها، وبعضها يكون مغربي خالص والبعض الأخر إنتاج مغربي أجنبي مشترك مع فرنسا أو دول أخرى. وانتقل الناقد نادر عدلي بعد ذلك للحديث عن السينما التونسية التي قال أنها تنتج فيلما أو أثنين كل عام، ولكن هناك دعم كبير لتلك الأفلام من الدولة، وبالنسبة للجزائر فقال أن التجربة غير مستقرة إذ يتم إنتاج من فيلم إلى خمسة أفلام في العام هناك، أما الخليج فيعتمد بنسبة كبيرة على الدراما، فيما اتجهت لبنان للسينما المستقلة. بعد ذلك تناولت الكلمة الدكتورة ماجدة واصف والتي أكدت أن الطفرة في السينما المغربية حدثت عندما أعادوا هيكلة المركز المغربي، ووضعوا نظاما استفادوا فيه من النموذج الفرنسي، وقاموا بوضع تشريعات جديدة تتيج للسينما الإستفادة من كل الإمكانيات، مضيفة أن الإنتاج المشترك سهل بالنسبة للمغرب بسبب وجود عامل اللغة المشتركة بينها وبين فرنسا وإسبانيا. واسترسلت أن السينما المصرية بدأت في الأعوام الأخيرة في الدخول في تجارب إنتاج مشترك كثيرة من خلال منتجين منفتحين على العالم مثل المنتج محمد حفظي، مؤكدة أن الإنتاج المشترك في مصر ليس جديد، فهناك تجربة يوسف شاهين في فيلم "وداعا بونابرت"، ومن بعده يسري نصرالله، إضافة للمنتجين الجدد. أما الناقد عبد الكريم واكريم فأعطى لمحة عن الإنتاج المشترك في المغرب، والذي لم يكن كما قال بهذه الكثافة التي أصبح عليها اليوم في الماضي، إذ في السبعينيات لم يكن يتعامل بنظام الإنتاج المشترك سوى مخرجان مغربيان من الرواد هما سهيل بن بركة الذي أخرج أغلب أفلامه بداية من السبعينيات اعتمادا على الإنتاج المشترك خصوصا مع إيطاليا وبتقنيين وممثلين عالميين، وعبد الله المصباحي الذي كانت أغلب أفلامه مزيجا من الممثلين والتقنيين المغاربة والمصريين وتُصَوَّرُ في كلا البلدين. لكن يضيف عبد الكريم واكريم ابتداء من سنة 1995 تاريخ انعقاد الدورة الخامسة للمهرجان القومي للسينما المغربية بمدينة طنجة، ظهر جيل من المخرجين الذين إما كانوا يحملون جنسيات أخرى إضافة للمغربية أو كانوا يقيمون بالتناوب بين المغرب وإحدى دول أوروبا، وهكذا أصبحت أفلام هؤلاء تحمل جنسية المغرب إضافة لجنسية البلد الذي أتَوا منه، والذي كان طرفا في إنتاج أفلامهم، وكان أغلبهم آتين من فرنسا. ومن بين هؤلاء نبيل عيوش، نور الدين لخماري، إسماعيل فروخي، محمد أولاد امحند، ومريم بكير.
وهكذا يسترسل واكريم عرفت مسألة الإنتاج المشترك في المغرب نقاشا مستفيضا مازال يرخي بِسُدُوله على المشهد السينمائي في المغرب، إذ أن هنالك رأيا يذهب إلى أن المخرجين الذين يستفيدون من دعم أجنبي ثم يأخذون دعما من صندوق الدعم المغربي يشكلون عبئا على السينما المغربية، وأن الأموال التي تمنح لهم لا تستفيد منها السينما المغربية بل هم بذلك يَسطُون على حق مخرجين مغاربة محليين ليس لهم من مُورد لصنع أفلامهم سوى صندوق الدعم المحلي.
وبخصوص النقاش السائد حول كون الأفلام التي يتم دعمها من طرف جهات خارجية تأتي مسيئة للبلد ومُرضية للجهات المانحة فيرة عبد الكريم واكريم أنه ظهر مع الوقت كونه نقاشا في غير محله، إذ أن الأمرَ يتعلق بالمخرج الذي إما يُقدم تنازلات في هذا السياق أو يظل مُصرّا على رؤيته رغم كونه يستفيد من أموال أجنبية. ونجد يقول واكريم أن العديد من الأفلام المغربية التي تم إنتاجها بشراكة مع دول غربية وخصوصا مع فرنسا كانت جيدة فنيا ولم تكن تحمل سوى رؤية وتصور صاحبها، مع بعض الاستثناءات.
في السنوات الأخيرة أصبح مخرجون مغاربة متميزون يحصولون على دعم من دول خليجية، كدعم مهرجان دبي السينمائي والدعم القطري للأفلام. ومن بين أهم هؤلاء يقول واكريم هشام العسري وحكيم بلعباس اللذان استفادا من هذه الطريقة في الإنتاج المشترك أكثر من مرة واستطاع من خلالها إنجاز أفلام متميزة.
أما فيما يتعلق باشتراك المغرب كجهة داعمة لأفلام مخرجين من بلدان أخرى فقد ساهم المغرب في إنتاج أفلام من إفريقيا ومن بعض الدول العربية كمصر وتونس، بوضعه تحت تصرف مخرجين من هذه البلدان تجهيزات وخبرات المركز السينمائي المغربي. ومن بين المخرجين المصريين الذين استفادوا من ذلك يسري نصر الله وإبراهيم البطوط ويوسف شاهين الذي كانت القناة التلفزية المغربية الثانية "دوزيم" طرفا في إنتاج فيلمه "المصير" حينما كان الناقد نور الدين الصايل مديرا لها.
وبخصوص الاتفاقيات التي قام المركز السينمائي المغربي ألقى وكريم نظرة عليها وذكرها وهي كما قال مع : فرنسا، الأرجنتين، بلجيكا، البنين، كندا، ساحل العاج، إسبانيا، مصر، إيطاليا، مالي، النيجر، السينغال، سوريا، إضافة لدول المغرب العربي. ويضيف أن فرنسا هي الحاصلة على حصة الأسد في الإنتاج المشترك مع المغرب. فعلى سبيل المثال بين سنة 2003 و 2007 حسب الإحصائيات الرسمية للمركز السينمائي المغربي، جاءت فرنسا على رأس اللائحة بسبعة أفلام وتلتها تونس بخمسة أفلام فمالي بفيلمين ثم الجزائر ومصر و تشادوبلجيكا وإسبانيا وألمانياوكندا بفيلم لكل واحدة منها.
والآن وبمناسبة انعقاد الدورة 18 للمهرجان القومي للسينما المغربية، يضيف واكريم تم إحياء النقاش حول مسألة الإنتاج المشترك وكانت المناسبة هي عدم اختيار فيلم "ميموزا" للمخرج الإسباني المقيم بالمغرب أوليفر لاكس من طرف لجنة اختيار الأفلام المشاركة في المسابقة الرسمية لهذا المهرجان، بدعوى أن مخرجه ليس مغربيا وأن بندا من بنود المهرجان يشترط في الفيلم المشارك أن يكون مخرجه كذلك، هذا رغم أن المغرب يُعتبر طرفا مهما في إنتاج هذا الفيلم وكونه صُوِّر في المغرب وبممثلين وتقنيين مغاربة ويتناول قضايا وهموم مغربية. وهنا انفصل المهنيون السينمائيون والنقاد والمهتمون إلى فريقين، الفريق الأول يقول بأن هوية الفيلم يُحدِّدها الإنتاج وهذا جاري به العمل في عدة دول متقدمة سينمائيا ولديها تقاليد عريقة في هذا السياق، وأنه علينا اعتبار الفيلم مغربيا وفسح الجال له للمشاركة، لأن الفيلم لاتُحَدَّدُ هويته بهوية مخرجه، وأن هوية أي فيلم هي إبداعه، ويستشهدون بالسينما الأمريكية وسينمات أخرى لاتهتم بجنسية المخرج بل بالطرف المنتج. ويتأسف هؤلاء "على وقوف سينمائيين في صفّ جمود وبيروقراطية القانون ضدّ السينما، في عالم منفتح أضحى الإنتاج المشترك فيه هو القاعدة، وغدى من شِبه المستحيل تحديد جنسية فيلم ما بناء على معايير محددة". أما الفريق الثاني فيعتبر أن فتح المجال لمثل هذه الإنتاجات هدفه هدم السينما المغربية الفتية من الداخل ومحاربة المخرجين المحليين الذين لايستطيعون منافسة مثل هاته الأفلام إنتاجيا، وأن شركات إنتاج خُلقت مثل الفِطر لتستفيد من مثل هاته المشاريع بدون أن تقدم شيئا سوى كونها وسيطا مغربيا يُمكِّن الأجانب من الاستفادة من أموال الدولة المغربية فيما أنهم يقدمون أفلامهم في المهرجانات الكبرى بالجنسية التي ينتمون لها. ومازال النقاش حول هذا الموضوع في بدايته وسيعرف تطورات في القادم من الأيام. الأمر الذي يجعل مسألة الإنتاج المشترك في قلب النقاش حول السينما في المغرب حاليا.
وأخذ الناقد الجزائري عبد الكريم قادري الكلمة وقال أن الجزائر لم تقتصر أفلامها المشتركة مع فرنسا فقط، ولكن كان هناك تنوع في الإنتاج المشترك مع دول أخرى مثل إيطاليا ومصر، وخاصة مصر في أفلام مثل “عودة الإبن الضال”، “العصفور” و”اسكندرية ليه”، وكذلك قدمت السينما الجزائرية أعمال جيدة مثل فيلم “زاد” الذي حصل على الأوسكار، وكان سبباً في إلقاء الضوء على الجزائر وجعل العديد من الدول تقدم على إنتاج مشترك معها، وكذلك هناك تجارب إنتاج مشترك مع تونس. وقالت الممثلة التونسية أنيسة داوود أن السينما التونسية تسير بشكل جيد وقدمت خلال عام 2016 أكثر من 10 أفلام طويلة و20 فيلم قصير، بخلاف الأفلام الوثائقية، وأصبح مهرجان قرطاج يقام كل عام بدلاً من كل عامين، والإنتاج في إزدياد مستمر بخلاف المهرجانات الداخلية، وزاد الإنتاج المشترك مع دول أخرى، وأصبح غير مقتصر على فرنسا فقط، والفضل في ذلك يعود للمنتجين والمخرجين الشباب. وتحدث الفنانة مادلين طبر مؤكدة أن الإنتاج المشترك هام جدا بهدف التنويع والإثراء، حيث أوضحت أنها تتحدث من منطلق إقامتها في مصر لمدة 30 عاماً، وأضافت أنه من الضروري إهتمام صناع السينما والمعاهد والأكاديميات السينمائية بتسفير الطلاب إلى دول مختلفة مرشحة ليكون بيننا وبينها إنتاج مشترك، وتحدثت مادلين طبر عن لبنان وقالت أنها يوجد بها 56 صالة عرض تهتم بالإنتاجات المحلية فقط، موضحة أن الأفلام المحلية لا تصلح للمشاركة في المحافل الدولية، ولكن الأفلام التي تصلح للمشاركة هي أفلام الإنتاج المشترك. وقالت المخرجة الأردنية دارين سلام إن السينما الأردنية قبل 10 سنوات كانت تعاني ولم يكن هناك إنتاج أردني في مجال السينما، مؤكدة أنه في فترة السبعينيات كان يتم إنتاج فيلم أو أثنين في العام وأحياناً يمر العام بدون إنتاج أي فيلم، وهي أفلام صناعة محلية، مؤكدة أنها أخرجت 5 أفلام ولكن فيلمها الأخير كان فيلم إنتاج مشترك مع ألمانيا، وكان هو أفضلهم، موضحة أنها عندما سافرت إلى ألمانيا لعمل مونتاج الفيلم شعرت بالفرق الكبير بين فيلمها الأخير والأربعة الذين أخرجتهم من قبله.