صحوت من غفوتي، على ترنيمة لامست سمعي برفق، ترنيمة كان يصاحبها حفيف أقدام تواصل الخطى.. عاشقان يؤثثان فضاء الحديقة.. يتمايلان ويتغازلان، في جنون بهي وحنان زائد. تتبعتهما بنشوة أعادت لي ذكرياتي، ذكريات العشق والوله، في فتون ذاك الزمان.. كانت الفتاة تلاعب أوراق الشجر.. والفتى الذي يخاصرها، يتحسس أناملها الفضية الناعمة، يداهما كانتا متشابكتين، وكتفاهما متلاصقين.. ائتزرت رجلا كان يراقبهما.. يلتفت يمينا ويسارا. يدور هنا وهناك، يلاعب عكازه في انتشاء وفروسية.. يحدق فيهما، يتتبع خطواتهما.. كان جمالها يؤنس المكان الموحش، فيما كان شعرها الحريري يغازل نسيم المساء.. لازال الرجل يراقبهما.. ما أثارني وأثار فضولي.. تبسمه مرة وتجهمه مرات أخرى. شفتاه لا تكفان عن الحركة.. تباعد العاشقان قليلا، ثم رجعا.. افترشا مكانا قبالتي.. استغلت اللحظة، نجشت ورقة من جيب قميصي، وضعت قلما بين أناملي.. وبدأت أرمرم ملامحهما.. يخاطبها: - سعيد أن تكوني بجانبي.. تتأمله بشوق ثم تقول: - وأنا كذلك.. سارقت النظر إليهما ثم إلى الرجل الذي وجدته قد انزوى وراء شجرة غلظ جدعها، وكثرت أغصانها.. هاهما يتلامسان، يتهامسان في جنون وحنان.. يسترق الرجل النظر إليهما.. يحاول ألا تفلت منه أي حركة من حركاتهما.. أنا الآخر أحاول ألا تفلت مني أي حركة من حركاته.. يهوي تجاه الأرض ثم يصعد.. خلته يجمع أحجارا لرجمهما.. اتجها نحو باب الحديقة، الساعة الثامنة مساءا.. يبدأ سيره وراءهما.. أسرع أنا الآخر في اتجاه مخالف نحو الباب.. أشبع فضولي أراقبه ثم أراقبهما.. يقتربان من باب الحديقة.. يخرجان.. بحثت عن الرجل الذي كان يراقبهما لم أجده.. استندت على باب الحديقة.. تاه تفكيري فيما شاهدت.. أفكر في أمر الرجل وأمر العاشقين.. يشعرني باب الحديقة حين لامس سمعي.. صوت الحارس، يطلب مني أن ابتعد.. حان وقت إقفال الحديقة.. استدرت.. تبسمت وسخرت من نفسي حين رأيت أن الذي يقفل باب الحديقة هو الرجل الذي كان يراقبهما.