نشرت المجلة الأسبوعية الإماراتية " الشروق " في عددها 1207 بتاريخ 25 – 31 ماي 2015 (ص 40 و41) حوارا مع الناقد السينمائي أحمد سيجلماسي حول النقد السينمائي بالمغرب ، أجراه معه أحمد علوة . فيما يلي نص الحوار :
- هل يمكن الحديث عن نقد سينمائي قائم الذات في المغرب ؟ ج : ارتبط ظهور النقد السينمائي بحركة الأندية السينمائية أساسا ، خصوصا بعد تأسيس الجامعة الوطنية للأندية السينمائية بالمغرب (جواسم) في مطلع السبعينات من القرن الماضي ، إلا أنه ظل شفويا في معظمه مع بعض الإستثناءات . وعندما انتقل بعض أطر " جواسم " أو الذين تربوا في أحضان حركة الأندية السينمائية عموما (سواء قبل السبعينات أو بعدها) من الشفاهي إلى المكتوب بدأنا نقرأ نصوصا نقدية هنا وهناك (في الصفحات السينمائية والفنية لبعض الجرائد أو في المجلات المتخصصة القليلة) . لكن ما يلاحظ على الممارسين للنقد السينمائي في المغرب هو عدم انتظاميتهم وعدم استمراريتهم في الكتابة ومواكبة جديد السينما محليا وكونيا ، وذلك لأن جل النقاد السينمائيين المغاربة يمارسون الكتابة النقدية كهواية وعشق أو كبحث جامعي أكاديمي قبل كل شيء وليس كمهنة وتخصص إلا فيما ندر . زد على ذلك أن هذا النقد الممارس في المغرب يتأرجح حاليا بين النقد النظري الجمالي الأكاديمي النخبوي ، الذي يستحضر في مقارباته للأفلام والظواهر السينمائية نظريات ومناهج ومفاهيم مستقاة من حقول معرفية مختلفة كالأدب والفلسفة والسيميولوجيا والسوسيولوجيا وعلوم إنسانية أخرى ، وبين النقد الصحفي الإنطباعي المتسرع أحيانا في إصدار الأحكام والبعيد عن التحليل الفيلمي المقبول .
- بهذا المعنى ، هل واكب النقد السينمائي التجربة السينمائية المغربية ، وكيف نفهم العلاقة القائمة بينهما .. هل هي علاقة مصالحة أم تصادم ؟ ج : نعم ، كانت هناك مواكبة منذ الإنطلاقة الإبداعية للتجربة السينمائية المغربية مع فيلم " وشمة " (1970) لحميد بناني وما تلاه من أفلام مؤسسة لتجربتنا الفيلموغرافية الفتية . فقد كتب الشيء الكثير بالعربية والفرنسية عن أفلام مغربية كثيرة حظيت بالعرض والمناقشة داخل شبكة الأندية السينمائية التي كانت منتشرة في جل المدن المغربية وبعض المراكز القروية ، خصوصا في السبعينات والنصف الأول من الثمانينات من القرن الماضي . ومما يلاحظ حاليا أن هناك تراجع نسبي في المواكبة النقدية للأفلام التي تكاثر إنتاجها منذ أواخر التسعينات بالمقارنة مع الماضي (السبعينات والثمانينات بالخصوص) الذي شهد نوعا من التضخم في الخطاب النقدي . ففي الوقت الذي كان فيه المغرب ينتج أقل من خمسة أفلام طويلة في السنة كانت المواكبة النقدية قوية ، في حين تراجعت هذه المواكبة بشكل ملحوظ بعد أن أصبح المغرب ينتج ما بين 10 و 20 فيلما طويلا في السنة . أما عن العلاقة بين النقاد ومبدعي الأفلام بالمغرب فلا تخلو من صدامات أحيانا ، كما هو الأمر في بلدان أخرى ، فهناك مبدعون مغاربة يحترمون النقاد ويستفيدون من تحليلاتهم وتقييماتهم لأعمالهم ، خصوصا إذا كانت هذه التحليلات والتقييمات تتسم بالجدية والرصانة والمصداقية ، وهناك مبدعون لا يتقبلون النقد إلا إذا كان لصالحهم ولصالح أفلامهم . وبما أن الأفلام فيها الغث والسمين ، فإن النصوص النقدية أيضا فيها الغث والسمين . ولايمكن أن نضع كل الأفلام أو كل النقاد في سلة واحدة . الأفلام أنواع ومستويات والنصوص النقدية درجات ومستويات ..
- يبدو أن السينما في المغرب لا تلتفت كثيرا للنقد ولا تعيره اهتماما كبيرا .. فبعض الأعمال السينمائية أجمعت القراءات النقدية على تواضعها الإبداعي إلا أنها رغم ذلك تحقق نجاحا جماهيريا ملحوظا .. هل معنى هذا أن القراءات النقدية للأفلام لا يعتد بها ؟ ج :ينبغي التمييز بين نوعين من الأفلام ، نوع له قيمة فنية وفكرية لأن به درجة معينة من الإبداعية وفيه عمق إنساني ، ونوع لاقيمة له فنيا وفكريا وإنما الغاية من إنتاجه تجارية بالأساس عبر دغدغة عواطف المتلقين وتسليتهم بحكايات سطحية مهلهلة لا جديد فيها شكلا ومضمونا . وغالبا ما ينتقد نقاد السينما بشكل لاذع هذا النوع الثاني من الأفلام التي تحقق رغم رداءتها (إبداعيا) مداخيل محترمة عبر شباك التذاكر . وهذا يعني أن كتابات النقاد لا أثر لها بالملموس على شرائح واسعة من جمهور السينما ، وذلك لأن نسبة الأمية مرتفعة وعدد القراء بمجتمعنا مخجل للغاية . زد على ذلك أن تعليمنا بمختلف أسلاكه تغيب في برامجه التربية الفنية والثقافة السينمائية ، وأن الإكثار من برمجة الأعمال الرديئة فنيا في قاعاتنا السينمائية وقنواتنا التلفزيونية لسنوات عدة قد ساهم بدرجة كبيرة في تدني مستوى الذائقة الفنية لدى فئات عريضة من المواطنين والمواطنات الذين أصبحوا بحكم التعود مدمنين على الرداءة المفروضة عليهم داخل وخارج بيوتهم .
- في غياب مجلات متخصصة ومنابر إعلامية تفتح صفحاتها للنقد السينمائي يبقى هذا الأخير كصيحة في واد ؟ ج : المجلات السينمائية المتخصصة نادرة إن لم نقل منعدمة ، وغالبا ما تتوقف بعد إصدار بضعة أعداد بسبب غياب العدد الكافي من القراء وبسبب غياب الدعم المادي واللوجيستيكي من المؤسسات العمومية والخاصة المرتبطة بالثقافة والفنون . أما المنابر الإعلامية الورقية فلم تعد تفسح المجال للمقالات النقدية الرصينة إلا فيما ندر ، مفضلة عليها المقالات الخفيفة المركزة في الغالب على أخبار النجوم وفضائحهم وغير ذلك . لكن هذا لا يعني أن الأبواب قد أغلقت في وجه النقاد وكتاباتهم وذلك لأن الصحافة الإلكترونية قد فتحت آفاقا واسعة أمام النقاد لنشر كتاباتهم والتعريف بها على نطاق واسع وبسرعة كبيرة ، كما مكنتهم من التفاعل مع قرائهم بالكلمة والصوت والصورة أيضا. وبما أن الوصول إلى الأفلام المختلفة ومشاهدتها والكتابة عنها أصبح اليوم أمرا يسيرا بفضل تكنولوجيات الإعلام والتواصل الجديدة ، فإن الوصول إلى نصوص النقاد وإلى مختلف المعطيات المرتبطة بالثقافة السينمائية أصبح في متناول الجميع ، شريطة الإنفتاح العقلاني على عوالم الأنترنيت وإحداث مدونات أو مواقع نقدية لتدوين النصوص والكتابات ومختلف المعطيات المرتبطة بالأفلام ومبدعيها . لقد تراجعت الصحافة الورقية بسبب التوسع الهائل للصحافة الإلكترونية ، والمجال الآن مفتوح على مصراعيه في وجه النقاد وعشاق السينما عموما .
- الناقد في الشعر كما يقال شاعر فاشل ....هل يستقيم القول أن الناقد السينمائي سينمائي فاشل ؟ ج : الناقد السينمائي ليس مخرجا فاشلا ، وإنما هو مبدع يشتغل على إبداعات الغير (أفلام المخرجين) ، يحللها ويبين نقط قوتها ونقط ضعفها ويصنفها ويدلي برأيه فيها وفي درجة إبداعيتها . وهناك نقاد سينمائيون تحولوا إلى مخرجين وأبدعوا مدارس سينمائية قائمة بذاتها (حالة مخرجي " الموجة الجديدة " الفرنسية) ، كما أن هناك مخرجين تحولوا إلى نقاد سينمائيين ، وهناك سينمائيون يجمعون بين النقد والإخراج السينمائيين (حالة عز العرب العلوي ومومن السميحي وعبد الإله الجوهري بالمغرب) . إذن مقولة الناقد مخرج فاشل ليست صحيحة بشكل كلي .
- أي نوع من السينما يستهويك ويدفعك للكتابة ..؟ ج : ليس هناك نوع سينمائي معين يستهويني دون غيره ويدفعني إلى الكتابة ، أنا أميل أكثر إلى الأفلام الصادقة فنيا والمقنعة إبداعيا والعميقة إنسانيا سواء كانت وثائقية أو روائية ، قصيرة أو طويلة ، هاوية أو محترفة ، من مختلف الأجناس : بوليسية أو غنائية استعراضية أو ميلودرامية أو أسطورية أو تاريخية أو اجتماعية أو سيكولوجية أوفلسفية أو تنتمي إلى الخيال العلمي ... ما يهمني في الفيلم أن يكون مبنيا بشكل فني جميل ، وأن يحرك مشاعري ويثير تفكيري من خلال تناوله لقضايا تهمني كإنسان وتهم باقي الناس في كل مكان وزمان .
- هل تؤمن بالكتابة العاشقة ؟ ج : لا قيمة لكتابة لا يحضر فيها العشق بكثافة ، فهذا العشق هو المحرك الأساسي لكل إبداع . فعشقي مثلا لمبدعين معينين (مخرجين وممثلين وغيرهم) ولأعمالهم وعوالمهم هو الدافع الأساسي للكتابة عنهم .