أيها السادة أيتها السيدات هنا توجد المزيكة، فحارتنا حارة الألاتيه من جميع فنون العزف والغناء ، وحتى الرقص البلدي إنّه صنعتنا التي لا يشق لنا غبار فيها ، إنها بلغتنا تسمى " هَزّ الوسْط " . أغبط الأوسطا محمود الذي يجلس وهو يقسم نغمات من إيقاع شرقي ممزوج بالبلدي على آلة " الكورديون " التي تستهوي عشاق الطرب الأصيل . غبطتي له تنم عن عشق لما أسمعه وأتذوقه ، فقد كنت أجهل حينها أن لآلته أصولاً إيطالية في الصنع والنشأة ، حتى ظننت أنها آلة شرقية محضة كغيري من المتذوقين لها . لا أخفيكم سرا فهذا ما أخبرني به غواص بحر النغم الموسقار الراحل " عمار الشريعي" ذات مرة في برنامجه الإذاعي وهو يوجه خطابه لي ، مستخدما أسلوبه الموسيقي الذي عهدته فيه مند نعومة أظافري . نعم تذكرت أني كنت حينها لم أدرس بعد " الهارمونيا " . يستطرد الأوسطا محمود تقاسيمه وكأنه يقوم بعملية تسخين مثل عداء رياضي أو لاعب كرة قدم ، يمرن جسمه حتى يبدأ بالتفنن واللعب. يغير نغماته التسخينية بنغمات جديدة على آلته الآخذة والمنسجمة في نغماتها مع الهواء الذي يجري داخلها ، بكل ما يمكن للعقل البشري أن يبدعه في علم صواتة الموسيقية . يعزف قطعة " أنا قلبي دليلي " ويغنيها بصوت شجي منغوم النبرات ، بعبير نفحات أوبرالية وكأنه ليلى مراد . يقول : " أنا قلبي دليلي قلي هتحبي .. ديما يحكلي وبصدق قلبي .. أنا قلي دليلي... " يواصل عزفه وغناءه لينتقل بعد ذلك لقطعة أخرى بلسان ليلى مراد وعلى مقام " لا الصغير " يقول : " عني بترف وراسي بتلف وعقلي فضل له دقيقة ويخف ..." غريب أمر هذا الرجل وكأنه نجيب الريحاني في فلم " غزل البنات " لكن من سيجيبه ؟ جاءت سيدة جميلة الملامح ، مليحة القد ، منتصبة النهدين ، سوداء الشعر شرقية السمات، مرحة الأعطاف وحلوة اللفتات، متوسطة العمر. تضع على رأسها تاجا نحاسياً مزين بالشموع ، وترافقها صبية تقول: " أيوا يا قبليتي ..!! إسم النبي حرصك وصينك ، يا مه المطهر طهر رشي الملح سبع مرات ..." فعلمت أنها " عالمة " من " عوالم " شارع محمد علي يقال لها " ست نحمده " . تجيب الأوسطا محمود قائلة : " عينه بترف و رأسه بتلف وعقله فاضل له دقيقة ويخف... " - الأوسطا محمود : " تسمحيلي كلمة وحدة ، بدي أعرف إحنا رايحين فين ..!! " - نحمده : " رايحين على البلد إللي تجمع شمل العشاق ، نفرح ونغني ونودع عهد الأشواق ..؟؟ " تقول الصبية : أيوا يا قبليتي ، والله لما شبه سيت " ألمز " هي و" عبده الحمولي " في ليلة الزفة . يردف الأوسطا محمود : " حاسيس يا نحمده بمصيبة جايالي ..!!! " - نحمده : " يا لطيف يا لطيف ..!! - الأوسطا محمود : مصيبة مكنتش على بالي.!!! - نحمده : يا لطيف يا لطييييييف ..!! امتلئ الشارع بجمهور غفير من ساكنة الحي المتحلقين وسط الأوسطا محمود ونحمده . الكل ينتظر تتمة العرض بشغف واشتياق ... يتدخل في هذا المشهد الفني " البريمو كامنجي " " سي عبد العال " ممسكا آلته الوترية على كتفه بطريقة أفرنجية ليكمل القطعة الموسيقية بصولو ، عمل على توظيفه بطريقة مرتجلة كعادة الأوسطوات في شارع محمد علي . تقول له نحمده : جبتك معايا يا سي عبد العالي علشان تقاسمني ليلة هنايا وفجر غرامي وأنا لي من غيرك يشاركني فرحة أمالي ، وهنا أيامي ...؟؟ يتدخل أحد الأسطاوات وهو " عمي منصور " ضابط الإيقاع : - سمع هوس ..!! ، سلام مربع للجدعان ولاد حتتي ، ناس الفن الأصيل الأسطاوات و العوالم ونا نت ... رقصني يا جدع على واحدة ونص . يرقص وبيده آلة الإيقاع " الدربوكة " وينظر إلى ست نحمده محلقا بعينيه ويهمس لها بغمزة المحب لمحبوبته ، يقول لها : " ونا لي مين غيرك يشاركني فرحة أمالي وهنا أيامي ... " تبتسم له وتجيبه بغمزة عينيها الخضراوتين وبحركة طلوع وهبوط للحواجب وهي تهز وسها وتجيبه : " علشانك إنت يا أوسطا منصور أن كوي بالنار ، ولقح جتتي وأدخل جهنم وأنشوي وأصرح وقول يا دهوتي ..." . رد عليها نفس الكلمات مقلدا صوت نجيب الريحاني . انتهت القصة وعرف الناس حب نحمده العالمه للأوسطا منصور الذي كان خاتمة هذا العرض الموسيقي بشارع محمد علي .