عن منشورات دار الأمان، صدر للأكاديمية وأستاذة الأدب المقارن بجامعة محمد الخامس، فاتحة الطايب، إصدارٌ علمي جديد حول: " الوطن- الأمة وأوروبا المسيحية في رحلة ابن بطّوطة ". يقع هذا الإصدارُ في 128صفحة مكثّفة، مُشْتَمِلاً ثلاثةَ فصول وستةَ محاور بحثية. وبحسب ما ورد في مقدمته، فبعد بعد قرون من سكون الثقافة العربية الوسيطية، " برز إلينا ابن بطّوطة (1304-1377م) وهو في كامل نشاطه وحيويته بفضل ذيوع صيت " تُحفته "عالميا، ليس فقط بفعل انتشارها العالمي عبر قناة الترجمة ابتداءً من مُنتصف القرن التاسع عشر تحديدا، وإنما أيضا بفعل دخولها مجالَ الحوار النقدي – ويشمل التفاعل الإبداعي والفني معها- بشتى اللغات في مجالاتٍ وحقول مختلفة. فبالمُوازاة مع الثروة العالمية التي حظيَتْ بها رحلةُ ابن بطّوطة، باتَ اسمُ الرحالة يَسيح برسم " الإنسان الكوني " عبر حدودِ جغرافياتِ نهاية القرن العشرين فجغرافيات القرن الواحد والعشرين اللغوية والثقافية، وذلك في سياق سيادة مُعطيَين ضاغطَين. يَتجلّى المُعطى الأول في نظام العولمة الاقتصادية، حيث يتم إخضاع العالم لمعايير ومقاييس القوة المُهيمنة على السوق ومن ثم تنميطه ثقافيا بدعوى توحيد البشرية. ويتمثل المُعطى الثاني في ردود الأفعال الراديكالية التي يُترجمها التعصُّب الهوياتي والأصوليات الدينية تخصيصا ". استنادا إلى أن مفهوم " المواطنة الكونية " يَرتكزُ على الانتماء الإنساني والاحتفاء بالاختلاف، تتساءل الباحثةُ عن دلالة المفهوم في حالة ابن بطّوطة الفقيه المغربي المسلم القروسطي، وعن الأسلوب الذي اتبَعه ابنُ بطّوطة في انتمائه إلى عالم القرون الوسطى، وهل جعل منه ذلك " إنسانا كونيا " اليوم ؟ في سبيل تشييد صورةِ ابن بطّوطة " الإنسان الكوني " في الرحلة، من زاوية تَربط الماضي بالحاضر، وقع اختيارُ الكاتبة على المُقارنة بين ما شَيَّدَته تجربةُ الرحالة الخاصة من صورٍ عن بلده المغرب، ويَشمل الأندلس، في علاقته بالأمة الإسلامية وغير الإسلامية، وما شيَّدهُ في المقابل عن العالم الأوروبي المسيحي، وتُمَثُّله في الرحلة مدينةُ القسطنطينية البيزنطية وميناءُ كالياري بجزيرة سردينيا الإيطالية. كما هو مثبت في صفحات الكتاب، فهذا العملُ يدين بالفضل الكبير، بدايةَ، للدراسات المُتميزة التي أنجَزها الناقد عبد الفتاح كيليطو في النصوص التراثية العربية، بما فيها تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار"، تُضيف المؤلفة بالقول: " وما كان بإمكاننا في المقابل، أن نقطع المسافة المتشعبة مع الرحالة المغربي من دون التزود بالترجمة الرصينة التي أنجزها الناقد أحمد بوحسن لكتاب روس. إ. دان " مغامرات ابن بطوطة الرحالة المسلم في القرن الرابع عشر الميلادي". في جانب آخر شدَّدت الأكاديمية فاتحة الطايب على أهمية المشروع الرصين للأستاذ سعيد يقطين في مجال السرديات، بحيث قد شكل خلفيةً أساسية في محاولة تفكيك نصِّ الرحلة باعتباره خطابا سرديا له خصوصيته، وذلك في سبيل إعادة تركيبه من جديد وفق زاوية التناوُل الخاصة التي ينطلق منها هذا الإصدار الأكاديمي الجديد.