دخل غرفتي والشرر يتطاير من عينيه !. .. وقد كانت هذه الأخيرة قمينة بإخافة أسد ضاري في البراري.اقترب مني وامسكني من عنقي، استيقظت مذعورا، شاهدته يتصبب عرقا كمن قضى الليلة يستقبل رسالة سماوية، فيما وقفت والدتي خلفه تمطرني بنظرات الشفقة ، وملامحها الخابية تنذرني بأمر جلل جعل الوالد يكسر نومي الهنيء هذا،و كأنني سأساق إلى مقصلة الإعدام . وقفت وآنا عاري الصدر و لا يستر رجولتي غير سروال قصير تسربلت به قبل أن اخلد للنوم ، فقد جفاني النوم وآنا ممسك برواية كارسيا ماركيز "مائة عام من العزلة". تحلب ريقه وتقرمزت وجنتيه قبل أن يبادرني بلغة متهكمة: • قم معي إلى الحظيرة. - ما الأمر ألا تلاحظ يا والدي العزيز أن العيد ما زالت تفصلنا عنه مسافة زمنية لا تقل عن أسبوع. • اسمع أترك فلسفتك لنفسك. تعلم أننا عاجزون كل العجز عن إشتراء كبش ليكون أضحيتنا لهذا العيد ، لقد زارني رجل من أصدقاء جدك المرحوم في المنام وهو من رجال قريتنا الصالحين. وقد أفتى علي بان تكون أنت أضحيتنا لهذا العيد، فأنت كما ترى: الحال ضعيفة، والعام عام جفاف وقحط، لقد نذرت نفسي بان أقوم بالتضحية بك اسوة بنبي الله إبراهيم حين ضحى بإبنه. • تضحي بي... بي أنا ! هل جن جنونك يا والدي؟ ثم أن نبي الله إبراهيم لم يضحي بابنه فقد أرسل له الله تعالى كبشا مع جبريل . • اسمع يا فلذة كبدي، لقد ولى زمن المعجزات بغير رجعة. هل ترضى يا بني أن تحيد عنا الألسن؟ ويمطرننا الناس بما تجود علينا به ألسنتهم الثرثارة، اتقي الله في اهلك وأذعن للرؤية لا أخزاك الله. ثم أردف بعينين غبشهما التأثر . • إعلم يا بني أنها ليست المرة الأولى التي أشاهد فيها هذه الرؤيا المباركة ، لكنني قد تقاعست في السنتين الماضيتين عن التضحية بك ، لأنني تفاءلت بك خيرا ، وتيمنت أن يتم توظيفك مع الدولة ، وتكون عوني وسندي ، واليد التي ترد علي طعنات الدهر الغادرة، لكن كما ترى لا رجاء فيك ، ولا في الدولة ، والأفضل أن لا تزيد في عذابي فأسرع يا ابني إلى الحظيرة وأكثر من العلف رأفة بنا . التفتت إلى والدتي أتوسل فيها المساندة، ورَدِّ الوالد عن غيه، وإفهامه أن ما رآه في أحلامه إن هو إلا أضغاث أحلام،لكن ردها كان مخيبا للآمال، فنطقت في وجوم: • استأذنكما أنا ذاهبة للسوق سأشتري بعض السكاكين "وقطبان الزنان" . • اسمعي يا الواضحة، اختاري سكينة كبيرة، تعفي ابننا البكر عناء الاحتضار المرير.
قمت إلى الحظيرة أجر أذيال الخيبة والأسى، هل يعقل هذا ؟ هل ستمر تلك السكين اللعينة فوق عنقي الأتلع ؟ هل سيربطونني بذلك الحبل الذي فتله لي الدهر بمهارة ؟ هل ستطاوعهم أيديهم في نفخ جسدي الهزيل ؟ ثم ماذا يهمني من ذلك ؟ وهل يضر الشاة سلخها بعد ذبحها ؟ خطر في بالي السؤال المؤرق ذلك ،هل "ابعبع" مثل الخراف ؟ حتى لا يفطن الجيران إلى امري ويؤخذ الوالد بجريمة قتلي النكراء مع التمثيل بالجثة . فيذهب بجرائره إلى مقصلة الإعدام هو ووالدتي …أعوذ بالله ! سأبعبع ملء حنجرتي، سأنصت إلى صوت خراف الجيران وأتفنن في تقليدها، ولن انظر في وجه والدي، حتى لا يشعر بالأسى ويعدل عن تنفيذ رؤياه الميمونة. آه لو يزورنا احد المحسنين ! لو يتصدق علينا بعتروس حتى ، وضعية عطالتي لن تطول ، لو أن الدولة رفعت من السميك؟ لو انها حاربت الموظفين الأشباح في ادراتها وفتحت مراكز للشغل ؟ لو تم تجريد بعض المسؤولين من المناصب التي تناوبوا عليها ؟كما يتناوب المتشردون على فتاة حمقاء في الفلاة ، لو منحوني حتى مهمة حارس للدراجات ؟ لكنت اشتريت كبشا أو حتى خروفه شارفة أسكت بها ضمأ الوالد لرؤية الدماء . لكن لا أمل يرجى. مرت ثلاثة أيام وأنا على الحالة تلك . كان الوالد قد اشترى بعض الشمندر والسيكاليم . قام بخلطهما مع بعض التبن ، اقترب وناولني المعلفة ، هيا يا بني كل إن والدتك الهزيلة تطوق إلى آكل بولفاف . أكلت بنهم وعاجلتني معدتي ، ورغبت في الافراغ ، عندما التفت الى برازي وجدته مثل براز الخرفان، خطر ببالي أن أبعبع ، وبعبعت كما لم يبعبع خروف من قبل ، وسر والدتي صوتي بل بلغ بها الأمر أن تفاخرت به أمام الجيران ، وأخبرتهم أن لي قرونا حلزونية بها سبع حلقات وانني حولي "سردي" لم تضح الحارة بمثله من قبل . مر الأسبوع بسرعة ، في صباح العيد سمعت الوالدة تعد المياه ولوازم بولفاف ، وجاء الوالد إلي ، بارك لي العيد وصافحني حتى خلت انه عاد عن غيه ، لكنه عالجني بضربة من رجله أفقدتني التوازن ، سقطت على الأرض ، ضربني على فمي فأخرجت لساني ، عضضت عليه ، ثم بسمل ، أغمض عينيه .... فتحت عيني