اختتمت مساء يوم السبت الماضي 27 شتنبر 2014 فعاليات الدورة الثامنة للمهرجان الدولي لفيلم المرأة بسلا، والتي جاءت نتائج مسابقتها الرسمية كالتالي : -الجائزة الكبرى لفيلم "اللاجئ" للمخرج الأرجنتيني دييكو ليرمان -جائزة لجنة التحكيم لفيلم "أربعون يوما من الصمت" للمخرجة الأزباكيستانية ساعودات إسماعيلوفا -جائزة أفضل سيناريولوسام سليمان عن فيلم "فتاة المصنع" للمخرج محمد خان -جائزة أفضل دور نسائي لأمريتا أشاريا عن دورها في فيلم "أنا لك" للمخرجة النرويجية ذات الأصول الباكيستانية إيرام هاك -جائزة أفضل دور رجالي للطفل راماسان مينكايلوف عن دوره في فيلم "الرجل الصغير" للمخرجة النمساوية سودابه مورتيزاي -تنويه لفيلمي "فتاة أمام بابي" للمخرجة الكورية الجنوبية جولي جونك، و"شلاط تونس" للمخرجة التونسية كوثر بنهنية. ويمكن القول أن أغلب الأفلام المشاركة في مسابقة هذه الدورة كانت ذات مستوى فني وتقني جيد، وهذا ماعودنا عليه مهرجان سلا خلال دوراته الماضية، لكن رغم ذلك فقد تميزت من بينها بضع أفلام عن الأخرى. ففي الفيلم الفائز بجائزة لجنة التحكيم "أربعون يوما من الصمت" للأوزباكيستانية ساعودات إسماعيلوفا، اعتنت المخرجة بجماليات الصورة بشكل بارز مقدمة إياها في شكل شاعري مستثمرة مناظر جبال عالية دائمة الثلوج بمنطقة نائية بأوزباكستاني وبقرية هجرها الرجال وظلت بها النساء وحيدات، ويبدو بالفيلم تأثر المخرجة بمخرجين كبيرين هما تاركوفسكي ونوري بيلج سيلان، من خلال استعمالها للقطات طويلة وبعيدة شيئا ما عن الموضوع المصور وتركيزها بالخصوص على شاعرية الصورة وتوظيفها للألوان بشكل جيد حتى أننا نجد أنفسنا في بعض مشاهد الفيلم وكأننا أمام لوحات تشكيلية. وبخصوص الفيلم المتوج بالجائزة الكبرى "اللاجئ" للمخرج الأرجنتيني دييغو ليرمان فالجميل فيه أن مخرجه لم يركز على مشاهد عنف الرجل ضد المرأة بل على نتائج ذلك العنف عليها، مفضلا شأن المخرجة الأوزباكيستانية تغيب صورة الرجل تعاطفا مع المرأة وإدانة له كونه السبب الرئيسي لما يحدث لها. أما فيلم "فتاة المصنع" لمحمد خان فيتناول الحياة البسيطة لفتاة تشتغل في معمل للنسيج وتجرها رومانسيتها كي تتعلق بمهندس في المصنع من طبقة أرقى بقليل من طبقتها، لكنها ستصاب بخيبة جراء عدم اهتمام المهندس بها رغم استلطافه لها في البداية. لكننا لا يمكن أن نسجن الفيلم داخل هذه الحبكة البسيطة والسهلة ، إذ أن تمكن خان من أدواته السينمائية يجعلنا أمام عمل من طينة تلك الأعمال التي يطلق عليها "السهل الممتنع"، والتي تستطيع أن تلمس انتظارات السينفيليين كما يمكن لها أن تروق الجمهور العادي ، وهذا ما أمكن لنا ملاحظته خلال عرض الفيلم ضمن مسابقة المهرجان الدولي لفيلم المرأة بسلا بحيث كان وإلى حدود يوم عرضه الفيلم الذي تجاوبت معه القاعة الغاصة بالجمهور بصورة أكثر من الأفلام التي سبقته، بما فيها الفيلم المغربي. وقد تخللت فيلم "فتاة المصنع" مشاهد ولقطات شاعرية وجميلة جعلته يرتقي من فيلم بسيط يحكي معانات مجموعة من الفتيات والنساء إلى فيلم سينمائي عبر فيه مخرجه بلغة الصورة، رغم ما يمكن أن يقال عن الثرثرة التي تُعاب على أغلب الأفلام المصرية، بحيث نجدها في أحيان كثيرة تُعيد ما نراه بالصورة كلاما، وكأن صانعيها من خوفهم من عدم وصول خطابهم يجعلونه مزدوجا وخطابا على خطاب. السيناريو الذي اعتمد على لغة بصرية واشتغلت فيه كاتبته وسام سليمان على الشخصيات وتطورها النفسي، استطاع الأداء المتميز للممثلات اللواتي أدين الأدوار الرئيسية أن يضفن إليه نكهة خاصة، إذ تألقت الممثلة المتميزة سلوى خطاب في دور الأم بشكل جعل الدور يبدو مختلفا وخارجا على ذلك الشكل النمطي الذي عهدناه في مثل هذه الأدوار بالسينما المصرية، كمثل تلك التي أدت فيها كريمة مختار أو أمينة رزق دور الأم بشكل جعلهما تبدوان وكأنهما تعيدان كل مرة نفس الشخصية طيلة سنوات. أما الممثلة ياسمين رئيس التي أدت دور الشخصية الرئيسية والتي تلعب دور البطولة لأول مرة في فيلم سينمائي طويل فقد كانت مفاجأة الفيلم السارة وهدية محمد خان للسينما المصرية في لحظة تعيش فيها أزمتها الخانقة. ومن بين اللمسات التي عودنا عليها خان، كتلك التي رافقتنا فيها أغاني عبد الحليم في فيلم "زوجة رجل مهم"، نجد بفيلم "فتاة المصنع" تحية للفنانة المتوفاة سعاد حسني من خلال أغانيها التي نسمعها طيلة لحظات الفيلم كتعليق على الحالات التي تمر منها الشخصة الرئيسية، إضافة إلى مشاهد من أحد أفلامها الأولى صحبة شكري سرحان، مع إهداء لها نقرأه في جنريك البداية. فيلم "الرجل الصغير" للمخرجة النمساوية سوداربه مورتيزاي، والذي فاز الطفل الذي يلعب دور البطولة به راماسان مينكايلوف بجائزة أفضل ممثل ، يتتبع مسار طفل في الحادية عشرة من عمره هاجرت أسرته من الشيشان لتستقر في النامسا بعد أن توفي والده في الحرب هناك، ويصارع لكي يعوض غياب أبيه محاولا تعويضه، لكن كلما تقدم الفيلم إلا وعلمنا مع الطفل بأن الأب لم يكن بتلك الملائكية التي يظنها ابنه، وكلما ازدادت صورة الأب تشققا في ذهن الإبن إلا وتجلى ذلك بوضوح في تصرفاته التي تنحو نحو العنف ومرافقته لجانحين أكبر منه سنا، لكن في مشهد جميل في نهاية الفيلم تجعل المخرجة الطفل يتخلص من سطوة صورة أبيه التي كانت تجثم على ذهنه، وهو يدفن في التراب بالغابة المجاورة لمنزله تلك الساعة اليدوية التي جاءته كبعض من مخلفات والده والتي ترمز لتلك السطوة، وبدفنها يكون قد تصالح مع ذاته. وفي فيلم "فتاة أمام بابي" للمخرجة الكورية الجنوبية جولي جونك، الذي حصل على تنويه، المتميز بحسه الإنساني وقدرة مخرجته على بناء الشخصيات وتتبعها، تنسج المخرجة خيوطها بأناة وعمق لنصل معها في نهاية الفيلم لخلاصة علاقات وتطور شخصيات لا يمكن أن يتمكن من حياكتها سوى المتمكن الجيد من أدواته في السرد السينمائي. وعلى العموم فجل الأفلام المشاركة في هذه الدورة كما الدورات السابقة كانت ذات مستوى جيد، نظرا لعملية الاختيار المسبق التي تمت بعناية فائقة، وهي الخاصية التي يتميز بها هذا المهرجان.