مشهد (1) (المسرح : معتم الأضواء ..) (أصوات) ((لقد شربت الأميرة من البئر المحرمة )) ((لقد حقت عليها العقوبة المشددة)) ((هل سيقتلون الأميرة؟)) ((الأميرة شربت من البئر المحرمة)) ((اللعنة..!!)) ((هل ستعاقب مثلنا؟؟ هل سيعدمونها)) ((يا إلهي..)) ((هي عدالة السماء إذن ،.. سيقتلونها كما قتلوا إبني المراهق الذي شرب من البئر المحرمة)) ((لن يقتلوها .. سيجدون لها مخرجاً .. إنها ابنة الملك..)) يضيء المسرح ببطء ، عن قاعة ملكية مذهبة ، وملك يجلس موسداً خده إلى راحته ، وخلفه حارسان ، يدخل الوزير ، ويقف صامتاً أمام الملك. الملك- (بحزن) .. سيقتلونها ياوزيري المخلص .. الوزير- إنه لأمر مؤسف يا سيدي .. الملك- لقد علمتني دائماً ومنذ أن كنت طفلاً ضرورة المساواة أمام القانون .. وعلمتني أيضاً ألا أكون ملكاً دكتاتوراً .. لو كنت طاغية لما قتلوا ابنتي يا بلعيم .. لكنك خوفتني من الطغيان .. وهأناسأفقد ابنتي لأنني ملك عادل .. الوزير- لقد شربت الأميرة من البئر المحرمة يا سيدي .. وكما قُتل غيرها فيجب أن تنال العقاب .. الملك- إنك لا تشعر بما أشعر به يا بلعيم لأنها ليست ابنتك .. الوزير- بل أشعر بك يا مولاي .. لكنه القانون .. القانون واضح يا مولاي .. الموت لمن يعتدي على البئر .. الملك- ألا يمكنني أن استخدم سلطاتي كملك ؟ الوزير- لا يا سيدي .. إنك إن فعلت تكون قد طغيت .. ولو طغيت فستعتاد على الطغيان وإن اعتدت على الطغيان فسوف يأتي هلاكك مسرعا وتكون آخرتك وخيمة .. الملك- ولماذا يفعل الرب بي ذلك .. الأنني كنت عادلاً مع الرعية .. أهكذا هو جزائي .. إن الأميرة لا زالت طفلة .. لم تنمو لها أثداء بعد .. ما فعلته كانت ذلة طفل .. الوزير- النص واضح يا مولاي .. الموت لمن يعتدي على البئر .. الملك- سألتك عن سبب فعل الإله ذلك بي ... الوزير- إنه ابتلاء .. ابتلاء يا مليكي .. إنه إكمال لقوتك وقدرتك على تحمل صعاب الملك بعدالة .. هنا فقط يتأكد للرب أنك حكمت بعدل .. الملك- ألم يكن متأكداً بعد؟ الوزير- هو متأكد دائماً .. ولكنه يمنحنا الاختبار الأخير .. إنه آخر اختبار لك يا مولاي .. الملك- ولكنني لم أعد متأكداً يا بلعيم .. لم أعد متأكداً .. الوزير- (بجزع) .. لا يا مولاي .. أرجوك .. لا تفقد رباطة جأشك .. لا تفقد صبرك .. لن تخسر حربك ضد الظلم .. ضد نفسك .. ضد أهوائك في معركتك الأخيرة .. لا تخرب كل ما بنيته .. أرجوك .. الملك – لن أستطيع أن أرى ابنتي تعدم أمامي وأنا أقف متفرجاً .. إنها حبيبتي .. عمري .. حياتي .. إنني أشعر بآدميتي كلما تحسست شعرها الناعم يا بلعيم .. كلما لمست أنفها الرقيق ذا المنخرين الصغيرين .. كلما فركت حلمة أذنها الطرية .. الوزير- تجلَّد يا مولاي .. تجلد أرجوك .. لا تبكي .. فلا يصح أن يبكي الملوك .. الملك- (يزداد بكاؤه) كيف أتجلد .. لماذا لا تشعر بي .. (صمت) الملك- (ينهض مغادراً القصر) إذا لم تجد حلاً أيها الوزير ، فلن تكون عدالتي على حساب إبنتي .. هل فهمت؟ (تعتيم) مشهد (2) تعتيم وأصوات ((إنه القانون يا قوم .. لا شيء سوى القانون )) ((والمساواة أمام القانون هو سبيل بقاء هذه المملكة على عظمتها)) ((ابنة الملك يجب أن تعدم)) ((لن نتنازل أبداً .. إننا مجلس الشيوخ وعملنا هو الحفاظ على العدل في هذه المملكة)) ((بقاؤنا هنا مضيعة للوقت ..ابنة الملك ستعدم .. يعني ستعدم )) يسطع الضوء رويداً رويداً المسرح عبارة عن قاعة برلمانية كبيرة ، المقاعد موجهة تجاه الجمهور ، مقعد في المنتصف موجه هو الآخر تجاه الجمهور ، يجلس عليه الوزير ، ومن حوله رجال مجلس الشيوخ . الوزير يضع خده على يده بحزن وتأمل .. رجل على اليسار يصيح : مرخيس : منذ تهارقا .. بي عن خي .. منذ أقدم ملوك كوش .. لم يتم خرق القانون .. فهل نخرقه الآن . شيخو : (من على اليمين)نعم يا مرخيس .. لو خرقناه الآن فإن عدالة السماء ستنزل علينا اللعنات .. إن الرومان في مواجهتنا دائماً ..ينتظرون هذه اللعنة بفارغ الصبر .. ماي : لن تسقط كوش بسبب فتاة مدللة .. يتبادلون حواراً حاداً صامتاً ، تكشفه حركات أيديهم وشفاههم ، ويتضارب إثنانبصمت كذلك فيفضهم ثالث ، ويستمر المشهد بلا صوت لمدة ثلاثين ثانية ، حينها ينهض الوزير . الوزير- ربما أنتم لم تفهموا حقيقة الواقع بعد .. وربما عليَّ أن أعيد على مسامعكم خطورة الوضع لتفهموا الورطة التي نحن فيها .. نحن يا سادة أمام نقطة مفصلية في حياة هذه المملكة .. إنَّ استمرار الملك في حكمه دون أن يتحول إلى طاغية مرهون بما يجب علينا أن نفعله الآن .. مرهون بحكمتنا لا بتهورنا .. بحديثنا الهادئ لا بصراخنا وصراعاتنا التي في أغلبها صراعات شخصية .. جاول – (يحاول الاعتراض) ولكن صراعاتنا ليس.. (يوقفه الوزير بإشارة من يده) ويواصل الحديث . الوزير- أنا أعلم كل شيء يا سادة .. أعلم بصراع النفوذ الذي تمارسونه هذه الأيام .. مرخيس .. شيخو .. ماي كاح .. ضد (عكا بت خي، وجاول) وجماعتهما .. رائحتكم أصبحت تزكم الأنوف .. فسادكم بلغ عنان السماء .. الكهنة اشتريتم أصواتهم وسخرتموهم كأبواق لكم.. ولكن إلى متى سيصرخ الكهنة بأكاذيبكم .. لم يعد شعب كوش يصدقكم ولا يصدق الكهنة .. لقد استقطعتم كل أراضي المملكة لأولادكم وزوجاتكم وحتى أشقائكم وأنسبائكم .. ولولاي .. لولاي يا سادة .. (يصمت الجميع وينظرون برعب إلى الوزير ) .. لولايَ ..هة(متهكما).. لكنتم جميعكم في السجن .. أنتم تعرفون أنني نظيف اليد ولا يمنعني شيء من وضعكم جميعاً في السجن سوى محاولتي للملمة قضايا فسادكم منعاً لإثارة اللغط عند الشعب .. وهأنتم الآن تتحدثون عن العدالة التي لا تعرفونها .. وعن الآلهة التي تعملون ضد تعاليمها ..إن ما يحدث اليوم هو في الواقع اللعنة الحقيقية .. إن هذه الورطة التي نحن فيها سببها فسادكم .. فإما أن نقتل ابنة الملك فينقلب على العدالة ويتحول إلى طاغوت .. أو .. نفرط في تطبيق القانون أمام العامة فيفقد القانون هيبته .. وحينما تضيع هيبة القانون .. تضيع هيبة العدالة .. وحين تضيع هيبة العدالة .. تضيع مؤسسات الدولة .. وحين تضيع مؤسسات الدولة تضيع الدولة نفسها ..إننا أمام حلين أحلاهما مرٌّ يا شيوخ هذه المملكة .. وأنتم .. أنتم تريدون استغلال أية فرصة لتصفية حساباتكم الشخصية .. (يتحرك إلى الأمام ، معطياً الجمهور ظهره ، ثم يرفع ذراعيه عالياً) الوزير- وهذا لن يحدث وأنا حي .. هل فهمتم .. إن مملكة كوش العظيمة لن تنهار بسبب حماقاتكم .. حتى ولو كان مقابل ذلك قص رؤوسكم من فوق أعناقكم ..جميعاً. (يتحسسون رقابهم برعب) الوزير- والآن يا سادة .. علينا أن نفكر في حل لهذه المعضلة .. علينا أن نفكر في طريقة لا تقتل بها الأميرة ولا ينتهك بها القانون ... هل لديكم حلول .. وتذكروا أن ميعاد المحاكمة سوف يكون بعد اسبوعين من الآن .. هذا يعني أن علينا إيجاد حل بأسرع وقت ممكن .. جاول- اسمح لي يا سيدي الوزير الوزير- تفضل يا جاول جاول- يمكننا أن نصدر تشريعاً جديداً يجيز لأصحاب الدم الملكي الوصول إلى البئر المحرمة باعتبار دمائهم الملكية تمنحهم القداسة اللازمة لحجب الشرور عنهم .. وأعتقد أن هذا حل بسيط وسهل وميسور لنا .. ماي كاح- ربما لا زال عقلك طفولياً يا جاول .. ربما لم تفهم حتى الآن القضية التي نتحدث عنها .. نحن لا نتحدث عن قانون برلماني .. بل عن قانون سماوي .. تعاليم مقدسة .. واضحة .. الموت لمن يعتدي على البئر المحرمة .. هل فهمت عكا بت- من قال أنها مقدسة .. من قال أنها لم تخرج عن هذا البرلمان قبل عشرات السنين .. إنها مجرد أسطورة .. شيخو- إن هذه الأسطورة هي التي يعيش عليها الناس من حولك .. ولولاها لما كانت المملكة موجودة حتى اليوم .. ثم أنها ليست لعشرات السنين إننا نتحدث عن قرون .. مرخيس– هذا مما لا شك فيه إلا لمن لم تمنحه الآلهة مسكة من عقل سليم . عكا بت – (يصرخ) ماذا تقصد بهذه الإشارات غير المهذبة .. مرخيس– بل من أقصد وليس ما ؟ (يحتدم الصياح والصراخ) الوزير- (يصيح) كفى .. (يصمت الجميع) الوزير- هل تعلمون يا سادة ما اسم هذه البئر .. إن اسمها هو بئر المقاصد .. المقاصد .. هل تعرفون ماذا يعني هذا الاسم .. إنه يعني أن كل النوايا البشرية تخرج وتدخل من هذا البئر .. تماماً كنواياكم غير الحسنة هذه وأنتم تتحدثون إلى بعضكم البعض .. إنها تعني بئر الأوساخ البشرية التي حفرتها الآلهة حتى تخلص الناس من عفونتهم ..وقد جاء تحريم هذه البئر من التعاليم المقدسة القديمة وسن لها البرلمان قانوناً خاصاً بها ، إذن نحن أمام قانون برلماني ولكنه ذو سند مقدس ، إذا أردنا أن نلغيه فعلينا أن نلغي كافة القداسات ، والكهنة .. الكهنة اللذين تدفعون لهم الأموال سيقبعوافي منازلهم مع نسائهم ، والحروب التي نخوضها بإسم الآلهة ستنهار قداستها ولن نجد من يحارب معنا ضد أعدائنا الأشرار .. إن مجتمعاً بلا قداسة يعني مجتمعاً بلا هوية .. ومجتمع بلا هوية هو مجتمع ممزق وهش كهشاشة عظامكم التي نخرتها الرفاهية .إذن ، يا سادة ، فإلغاء القانون أو تعديله ليس ممكنا . فهل من اقتراح آخر ؟ مرخيس-نأتي بطفلة شبيهة لطفلة الملك ونقتلها .. لا حل آخر .. (ينفجر جاول و عكا بت في الضحك) جاول- يا إلهي .. لكم أنت مقرف أيها المدعو مرخيس .. أتتصور أن أسمح لك وأنا ممثل للشعب أن تخدع الشعب ؟!! أن تخدع الآلهة ؟!! بل ليس أنت فقط ، إنك تطلب منا جميعاً أن نكون مخادعين .. عن أي فضيلة يمكننا بعدها ان نتحدث عندما نقتل طفلة بريئة لمجرد أنها تشبه الأميرة ، إن نفسك غير السوية وروحك الملوثة ظهر شيطانها الآن .. مرخيس- (يصيح باهتياج) أنا أيها المرابي الحقير .. (يتصايحان فيصرخ الوزير بهم ليصمتوا ، فيعم الصمت) الوزير- يا سادة .. أظنكم لم تفهموني أبداً .. إن ما أحاول فعله هنا هو البحث عن حل حتى لا تسقط أخلاقنا وليس لتسقط أخلاقنا وتنهار .. أنا هنا لأحافظ على العدل وليس لأستخدم الظلم من أجل العدل وإلا كان العدل نفسه ظلماً ..إن البدايات الظالمة لا تنتج إلا ظلما .. هل فهمتم .. هل من اقتراح آخر .. عكا بت- لم يتبق أمامنا سوى أن نلجأ للحكيم العجوز (أخيم نِخي) .. إنه عجوز وربما عاصر سابقة كقضيتنا هذه ؟ وربما يعلم شيئاً ما .. المهم أن يدلنا على شيء .. الوزير- نعم الرأي .. ماي كاح- أنتم واهمون ف(أخيم نخي) يحتضر يا سادة .. الوزير- وهذا أدعى أن نسرع إليه بأقصى ما لدينا من قوة .. يخرج جميع البرلمانيين ويخرج الوزير في الآخر (تعتيم) مشهد (3) تسطع الاضاءة رويداً رويداً على البرلمان من جديد ، يدخل البرلمانيون ويدخل الوزير أخيراً . شيخو- باء ذهابنا بالفشل .. جاول- مات العجوز الخرف .. مرخيس- ردد على مسامعنا ما كنا نعرفه مسبقاً.. كلمتان فقط .. ابحثون عن المقاصد .. ثم لفظ أنفاسه الأخيرة .. عكا بت خي- حسناً نحن نعود إلى النقطة التي بدأنا منها يا سادة .. فماذا نفعل .. الوزير- قبل أن تفكروا يجب أن أبين لكم ما فهمته من كلام العجوز .. (يعطي ظهره للجمهور) الوزير- ما فهمته هو أن نبحث عن المقاصد .. أنتم تعلمون أن التشريع يضعه أشخاص مثلنا .. أنتم مثلاً أشخاص عاديون .. لكنكم تسمون بالبرلمان .. قال البرلمان .. استن البرلمان .. فعل البرلمان ولم يفعل .. المقصود هو الشخصية المعنوية التي يتمتع بها البرلمان .. إنها حيلة قانونية .. لكن البرلمان في الواقع أشخاص مثلنا .. يفكرون .. (يدور ليواجه الجمهور) يتحدثون .. يتناكفون .. يتخاصمون ويتشاجرون ويكونون تحالفات .. ثم يأتي القانون كنتاج لمناقشات مطولة حوله .. إنني يا سادة أعتقد بأن العجوز الحكيم قد أشار لنا على نقطة مهمة .. ألا وهي أن نبحث عن مقاصد المشرع حين وضع القانون .. لماذا وضع القانون وما الذي يقصده من قوله (الموت لمن يعتدي على البئر) ... إن العجوز قد لمح لنا بالبحث عن مقصد البرلمان حين وضع التشريع .. ماي كاح- حسناً .. أنت تعلم أيها الوزير أن هذا القانون قديم جداً إننا حتى لا نعرف تاريخ سَنِّه .. شيخو- ثم أنه واضح وضوح الشمس (الموت لمن يعتدي على البئر) .. فعن أي شيء نبحث ؟ جاول- من قال أنه واضح .. إنه ليس واضحاً بالمرة .. هل تعلم ما هي قصة وضعه .. ملابسات سن هذا القانون .. أسباب تشدده إلى هذا الحد ؟ متأكد بأنك لا تعلم شيئاً عن ذلك فما معنى أن تقول بأنه واضح؟ عن أي وضوح تتحدث ؟ ماي كاح- إنه ليس واضح لأنه ليس مهنتك .. أنت مجرد مرابي لا تفقه في القوانين شيئاً .. جاول- هل تقصد بأنك فقيه قانوني؟ أعلم أنك أثريت من تجارة الجلود .. فهل تعلمت القانون في المدبغة ؟؟ ماي كاح – أنا لم أهن مهنتك لتهين مهنتي .. وعليك أن تكف لسان العاهرات هذا عني وإلا (يتناكف الجميع بصوت صامت ويتضاربون لثلاثين ثانية فيصيح الوزير بهم) الوزير- كفى ... كفى .. متى تتوقفون عن حماقاتكم هذه ؟؟ إننا في معضلة وعقولكم لا تتفهم هذه المعضلة وجدية المسألة أبداً .. يا سادة .. إن القضية أخطر مما تتصورون .. فتجارتكم وأموالكم ووظائفكم رهينة ببقاء الملك عادلاً .. ألا تفهمون معنى ما أقول ؟ (تعتيم) مشهد (4) المسرح ، باحة خلفية لمنزل عكا بت خي ، مع قليل من الزهور على إجاصات متوسطة الحجم ، عكا بت خي يجلس على يمين المسرح وإلى يمينه جاول . جاول- ما رأيك في ما يحدث يا عكا ؟ عكا بت- خطير .. ما يحدث خطير .. إن كل مصالحنا مهددة .. جاول- إذا تحول الملك إلى طاغية؟ عكا- على العكس .. ألم تسمع ما قاله بلعيم ؟ لقد هددنا مباشرة بإنهاء فسادنا .. وذلك الأحمق المدعو مرخيس وشلته لم يفهموا هذه الإشارات الخطيرة في حديث الوزير.. جاول- هذا يعني بأن عمليات تطهير ستطالنا بعد انتهاء هذه الأزمة ؟ عكا- بالتأكيد .. هذا الوزير الأحمق لن يقبل أي مساومة ولن يتقبل أي رشوة ، إنني أفهم الرجال جيداً ، ثم أن الملك يجزل له العطاء فهو ليس في حاجة إلى مال .. والمصيبة أن باقي البرلمانيين لا يعيرون كل هذه المخاطر التفاتاً . جاول- إن وضعنا المالي ليس قوياً في هذه الفترة الصعبة .. والتجارة مع الرومان لم تعد كما كانت في السابق بعد انفتاحهم على مستعمراتهم الآسيوية حيث كل شيء يباع بأبخس الأثمان .. لا تنقصنا ضربات أخرى من الوزير. عكا- رغم أنني أكره مرخيس وشلته لكننا يجب أن نجتمع به للتفكر حول هذا الوضع المضطرب. جاول- ما أراه عكس ذلك تماماً. عكا- ماذا ترى؟ جاول- أرى أن نعمل على إعدام الفتاة .. فتحول الملك إلى طاغية هو حلنا الوحيد .. عكا- سيقضي علينا الملك إذن؟! جاول- على العكس ..ما يجب أن نفعله هو محاولة عرقلة الاعدام .. عكا- لم أعد أفهمك .. جاول- حسناً.. أنت تعلم أن مرخيس وشلته سيقفون ضدنا في كل ما نقوله .. أليس كذلك؟ عكا- هذا صحيح .. جاول- إذن سنحاول أن نخرج بحلول لمنع اعدام الفتاة .. وسيقف مرخيس ضدناً على نحو مؤكد .. حينئذٍ نبعث برسالة إلى الملك .. نطلعه على ما بذلناه .. وعلى محاولات مجموعة كارهة للملك لعرقلة مجهوداتنا رغبة منهم في إذلال الملك . ونطلب منه أن يقضي على هؤلاء الخونة العملاء الذين يعملون من أجل مصالهم ومصالح روما .. سنوضح للملك بأن عليه أن يستخدم قصة تآمرهم على المملكة مع أعدائها لكي ينشغل بها الشعب وهكذا تبدأ مرحلة جديدة .. سنكون نحن أسيادها بلا منازع . عكا- اللعنة ... إنها لخطة جهنمية ... طويلة المدى .. وتحتاج لنفس طويل وتكتيك معقد .. لكنها قوية وناجعة .. جاول- حسناً.. سيكون من مصلحة الملك حينها أن يتبع نصائحنا لتفلت ابنته من العقاب.. وسيكون اعدام الوزير هو أول نصيحة نقدمها .. بعدها ننفرد بالسلطة .. عكا- لدي صديق يعمل محامياً في دائرة العدل يمكنه أن يقدم لنا نصائح جيدة نستند عليها في دفاعنا عن ابنة الملك .. جاول- حسناً .. دعنا نشرع في اللقاء به على وجه السرعة .. عكا- هيا بنا .. جاول- هيا بنا .. يخرجان (تعتيم) مشهد (5) (المسرح ، البرلمان) (الوزير يتحرك جيئة وذهاباً على طول المسرح بقلق شديد) الوزير- لم تتبق إلا أيام معدودات يا سيادة البرلمانيين .. ونحن لم نصل إلى نتيجة بعد .. جاول- إننا نبحث يا سيدي الوزير في مقصد المشرع بكل جهد وأعتقد بأننا سنتوصل إلى نتيجة عما قريب .. (يبدو الإضطراب على مرخيس ورفيقيه وهما يتبادلان أحاديث هامسة والتفاتات متوترة) مرخيس- هراء .. ما يقوله جاول هراء .. الموت لمن يعتدي على البئر المقدسة .. يا سادة إننا نبحث عن تفسير لنص القانون إذا كان غامضاً ، أو متعارضاً مع نص آخر ، أو كان النص ناقصاً .. وكل هذا غير متوفر فيما نبحث عنه .. الموت لمن يعتدي على البئر المقدسة .. أي غموض في هذا النص ؟ أي نقص فيه ؟ أي تعارض فيه ؟ إنني لا أكاد أجد شيئاً من هذا .. فالنص يا سادة واضح وضوح الشمس في كبد السماء . عكا بت- من قال بأن تفسيرنا للنص يجب أن ينطلق من التعارض أو النقص .. إننا نستطيع أن نفسر نصاً لا لبس فيه فنمد من نطاق تطبيقه أو نضيق منه .. جاول- ثم من قال بأن النص واضح يا سيد مرخيس .. دعني أسألك سؤالاً .. ما المقصود بالعدوان هل مجرد الشرب من البئر يعتبر عدواناً .. هل يتساوى الشرب من البئر بإلقاء القاذورات فيها .. أيهما يصدق عليه وصف العدوان ؟ عكا بت- بل وما المقصود بالموت ..أهو الاعدام بالشنق أم بقطع الرأس أم مجرد الإثم الأخروي؟ الوزير- حسناً .. وماذا تقترحان .. (ينظر جاول إلى عكا بت ويبتسم الرجلان ابتسامة زهو ونصر) جاول- أرى أن نبحث عن نية المشرع في ذلك الوقت ، نبحث عن الملابسات التي فرضت وضع التشريع .. حينها نستطيع أن نفهم كيف كان العدوان وكيف كان الموت .. شيخو- هراء .. هراء .. هراء .. ياإلهي.. لو حدث ما تقولونه بالفعل لتم إعدام الأميرة بكل تأكيد .. سيدي الوزير إن البحث قد يفضي بالفعل إلى إنطباق واقعة شرب الأميرة من البئر على الواقعة التي استلزمت سنَّ التشريع من قبل .. وحينها فقط سيكون إعدام الأميرة حتمياً .. علينا أن نكون أكثر مرونة .. علينا ألا نتحدث عن وهم إسمه المشرع .. فمن هو المشرع يا سادة حتى نقيد أعناقنا بما قاله قبل مئات السنين ,, إن القانون لا يتطور بذاته بل بفهمنا له .. إن المصدر الرئيسي للقانون هو روح الشعب وليس ما يسمونه بالمشرع .. ماي كاح- لو كان المشرع رجلاً لقتلناه الآن وانتهى كل شيء .. هذا مجرد وهم .. ونحن لن نعلق المشنقة على عنق الأميرة بسبب الوهم .. لقد انفصل القانون عمن أصدروه .. وانطلق بحرية كنسر في أعالي السماء ليحقق آمالنا وطموحاتنا لا ليقيدنا في جدار التاريخ .. جاول- يا إلهي .. أنتم تتجاهلون حقيقة هامة .. هي أن القانون نتاج لصراع دائم كصراعنا هذا .. لجدل .. لهزيمة إرادة وانتصار أخرى .. الوزير- وماذا تقترح مجموعة مرخيس ؟ (يبتسم مرخيس وشيخو وماي كاح ابتسامة زهو ويتبادلون الهمسات المنتصرة) مرخيس- نقترح أن ننفصل عن التاريخ .. وأن ننظر لما بين أيدينا .. أن نبحث عن حقيقة البئر ومدى قدسيتها .. بل إنني يا سادة .. أرى أن ننظر في مدى إمكانية ردم هذه البئر وإغلاقها للأبد.. عكا بت خي- اللعنة .. هل تريد أن تثير غضب العامة .. إنك دائما ما تنطق بغير وعي ولا تبصُّر.. مرخيس- ماذا تقصد ؟ أتقصد بأنني أحمق ؟ إنك تهينني بدون مبرر إنك تعبر الآن عن عدوان يفوق العدوان على البئر المقدسة نفسها .. (يحتدم صراع صامت ويتضارب الجميع بالأيدي بلكمات صامتة سريعة) الوزير-(يصرخ) كفى .. أقول كفي .. (يتوقف العراك في الخلف). الوزير- إننا ندور في دائرة مفرغة يا سادة وأنتم لا تقدرون الموقف .. لقد استدعاني الملك لقضايا تخص العلاقات الخارجية .. هل تفهمون ماذا يعني هذا؟ هذا يعني أن الملك قد انصرف عن التفكير في أمر ابنته .. وهل تعلمون ماذا يعني هذا؟ هذا يعني أنه اتخذ قراراته بالتحول إلى طاغية وأن إعدام ابنته لم يعد محل جدل بالنسبة له .. هذه آخر فرصة لنا يا سادة .. (يجلس الجميع على جانبي الوزير وهم يسندون خدودهم بأياديهم بحزن وتأمل) (تعتيم) مشهد (6) (المسرح ، مجلس الملك) الملك- (بعدم اكتراث) هل قرأت الرسالتين هاتين .. خذ واقرأ يا بلعيم .. الوزير- (يأخذ الرسالتين ويبدأ في قراءتهما ، وبعد أن ينتهي يقول) اللعنة .. رسالة من جاول وصديقه ومرخيس واصدقائه .. إنهم يخونون بعضهم البعض .. الملك- ويطلبون قطع رأسك أيضاً يا بلعيم .. الوزير- (يطأطئ رأسه بأسى) يا مولاي .. إننا نمر بمحنة .. ربما كنت تعتقد بأنني لا أشعر بشعورك تجاه ابنتك ولكنني على العكس أنا أشعر بأسى شديد على الأميرة .. وأسى أيضاً على العدالة .. إنني بشكل أو بآخر شاركت في المؤامرة ضد العدالة من أجل العدالة .. وأنا لم أعد أعرف هل هذا صواب أم خطأ .. أن نضحي بقليل من العدالة من أجل الكثير منها .. أن تفلت ابنتك من العقاب مقابل ألا تتحول إلى طاغية .. لقد فشلت لأنني تنازلت عن مبادئي وقناعاتي تجاه العدالة .. إنني بالفعل استحق القتل .. ولكن ليس لأنني كما قالوا حاولت عرقلة اقتراحاتهم المثمرة التي كان بالإمكان أن تفضي إلى عدم اعدام الأميرة .. بل على العكس إنني استحق الاعدام لأنني شاركت في هذه الكارثة .. كارثة أن أقوض العدالة .. إن من يتخلى عن العدالة يستحق الإعدام يا مولايالملك .. إنني وبكل صدق استحق القتل لأنني لم اكتف باللجوء إلى البرلمان بل أنني لجأت حتى إلى تزوير انتخابات القضاة لكي أضمن قضاة يأتمرون بأوامرك فلا يقضى بقتل ابنتك .. إنني أعلنها صراحة يا سيدي .. أنا مجرم .. لست مجرد مجرم ارتكب جريمة بسيطة بل إنني قد تجاوزت حد عتاة الاجرام حين حاولت بث السوس في هيكل العدالة .. (ينهض الوزير) الوزير- اقتلني يا مولاي .. فمن يحاول إجهاض العدالة لا يمكنك أن تأتمنه على نفسك وملكك بعد هذا .. الملك- أقدر لك هذا الايمان المطلق بالعدالة .. وبعد كلامك وتباكيك على العدالة على حساب ابنتي فلا يمكنني أن أطلب معونتك .. أنت رجل مثالي يا بلعيم .. لم تفهم أبداً كيف تدار الممالك .. فلا عدالة في الممالك .. ومن يحكم بعدل في هذا العالم الظالم فإن نهايته ستكون حتمية لا محالة .. إن الحكم دنس ونجاسة وتلوث بالظلم .. هذه هي حقيقته وإلا لما طلبه الناس كافة وهم يلهثون من أجل المناصب .. الوزير- أحترم وجهة نظر مولاي .. ولكنني متمسك برأيي الذي لن أحيد عنه .. إعدام ابنتك هو العدل كما أُعدم أبناء الناس الآخرين .. والظلم لا يفضي إلى بقاء الممالك والحكومات بل يفضي إلى إنهيارها .. الملك- حسناً يا بلعيم .. لقد انتهى عهدك بالوزارة .. والآن سترى المجد الذي يحققه الظلم بأم عينيك .. لقد أعلنت الحرب على الممالك المصرية في الشمال تلك التي يحتلها الرومان .. سأدخل إليها متباهياً بنصري وتحت مبرر أخلاقي لا يمكن الطعن فيه وهو تحرير شعب مصر من ظلم الرومان... الوزير- وهكذا سينشغل الناس عن موضوع اعدام ابنتك .. الملك- بل على العكس يا بلعيم .. على العكس تماماً فأنا أريدهم أن يتذمروا ويمتعضوا لكي أعرف من هم العملاء والمأجورون الذين يحرضون الشعب على الملك .. سأقطع رأس كل من يعترض .. الوزير- إذا يا مليكي المبجل .. أقول لك بكل إخلاص .. بأنني سأكون أول من يعترض .. الملك- وأنا أقول لك بكل إخلاص .. بأنك أول من سأقطع رأسه .. (تعتيم) (المسرح: قاعة محكمة يجلس على منصة القضاء كل من جاول وعكا بت خي على شمال مرخيس وشيخو وماي كاح على يمينه ، ويقف الوزير بلعيم داخل قفص الاتهام) مرخيس- هذا وبعد مناقشة هيئة الإتهام وهيئة الدفاع عن المتهم بي لي عيم فقد توصلت المحكمة إلى النتائج التالية: في اليوم المحدد في محضر الإحالة ، قام المتهم سراً باقتياد الأميرة الصغيرة دون علم والدها الملك إلى البئر المقدسة ، وهناك قام بإنزال حبل به وعاء مغترفاً من البئر شربة ماء ، ثم قام بوضع الماء على فم الأميرة ، وهو يقصد إشغال الأمة بقضية إعدام أميرة كوش ليتفرغ هو للتجسس لمصلحة الإمبراطورية الرومانية ، وقد ثبت وبالأدلة القاطعة تخابر الوزير السابق مع العدو ومنحهم معلومات سرية جداً حول القدرات العسكرية والاقتصادية للمملكة ، وتدبيره مؤامرة لاغتيال الملك بعد أن يثور الشعب عليه لعدم إعدام الأميرة .. وقد تكشفت للمحكمة وبالأدلة القاطعة الخيانة العظمي للملك من قبل المتهم .. ومن أجل كل ذلك فقد حكمت المحكمة بالآتي: أولاً: إعدام المتهم بتهمة استدراج قاصر للشرب من البئر المحرمة , ولتجسسه وخيانته العظمى للملكة. ثانياً: براءة الأميرة المسكينة القاصرة من التهم المنسوبة إليها . هذا وقد صدر الحكم في اليوم والشهر والسنة .بإسم الشعب ويرفع صك الحكم الى الملك للتصديق عليه. رفعت الجلسة الحاجب- (يصيح) محكمة. (تعتيم) (أصوات: -يحيا الملك العظيم .. - يعيش الملك العظيم -تحيا أميرة كوش - الموت للخونة والعملاء - الموت لبلعيم الجاسوس ) (يضيء المسرح من جديد عن غرفة إعدام ، يتم لف حبل المشنقة على رأس بلعيم ومن حوله جنود) الجندي- هل لديك كلمة أخيرة أيها المتهم تريد أن تعتذر فيها للملك والشعب ؟ الوزير- نعم .. ولكني أريد أن أعتذر للعدالة .. وأقول للملك .. الآن فقط .. الآن فقط .. انتهت مملكة كوش العظيمة .. وداعاً كوش ... وداعاً كوش ... وداعاً كوش .. (إظلام) (ستار)