على وتيرة الغيم، للشاعر صلاح بوسريف، تصدر ضمن سلسة «مختارات شعرية» لدار «العائدون» للنشر بعمان الأردن. ضمن مختارات عربية، لشعراء عرب، رأت الدار أن تحتفي بتجاربهم، لما تمثله عربياً من قيمة في سياق المشهد الشعري العربي الراهن، وباعتبارها تجارب شعرية مغايرة في سياقاتها الشعرية الجمالية. في هذه المختارات، تَعبُر تجربة صلاح بوسريف، مساراً شعريا طويلاً، يمتد من ثمانينيات القرن الماضي ممثلة بديوان «فاكهة الليل»، إلى حين صدور الجزء الثالث من ديوان شرفة يتيمة «لا يقين في الغابة» سنة 2015. لا تمثل المختارات الأعمال اللاحقة للشاعر التي صدرت بعد هذا التاريخ، لأن أغلبها هي أعمال شعرية تدخل في سياق ما يسميه ب «حداثة الكتابة»، أي النص الواحد الذي يستغرق الكتاب كاملاً. مثل «رفات جلجامش» و ياااا هذا تكلم لأراك» و «لا أحد سواي» و «مثالب هوميروس» في جزئين، و «كتاب الليل والنهار». يمكن في هذه المختارت أن تسمح للقاريء بالاقتراب من بعض الملامح الأساسية التي تشكلت منها تجربة الشاعر، أو ما سيكون أفق مشروعه الشِّعريّ الكِتابِيّ. فصلاح بوسريف، يشتغل ويكتب، شعرياً ونظرياً في أفق ما سماه في سيرته الشعرية الثقافية «زرقة الشعر[ما أنا وما أكون]» بزرقة الشِّعْر، أي الأفق اللانهائي للشِّعْر، باعتباره تجرية مفتوحة على المجهول، لا تعرف الاكتمال والانغلاق، بل إنها تبقى مفتوحة على الكتابة بشكل دائم، لأنها لا تُسْتنفد. مثل هذه المختارات، تزيل ذلك الغموض والالتباس الذي حدث في كثير من كتب النقد التي عملت على تكريس نماذج معينة، كان فيها المغرب غير موجود، وكأن الشِّعر العربي هو كل ما يأتي من المشرق. اليوم، صحيح تغيرت هذه المعادلة، لكن، نشر وتداول الأعمال الشعرية في دور النشر العربية، وهذا ما أصبح متاحاً في معارض الكتاب، جعل الرؤية إلى الشِّعر والثقافة عموماً تسير في مسار آخر، نحتاج فيه أن نعيد النظر في رؤيتنا لمعنى الشعر، ولمعنى العربي، جغرافيا وشعريا جمالياً. تمثل هذه المختارت تجربة متميزة في أفقها الشعري الجمالي، وفي رؤيتها المختلفة، بما تؤسس له من مغايرة واختلاف، وما فيها من جرأة على التغيير، والخروج على التجارب العربية السابقة، لأنها اشتغال شعري جمالي، بوعي نظري، لم يعد يقتنع ب «القصيدة» وانتصر للشِّعْر في رحابته، وقدرته على أن يغير سياق المعنى الشِّعري، وكذلك مفاهيمه التي أخفتها «القصيدة». وبالمناسة، فصلاح بوسريف صدرت أعمال الشعرية الكاملة في [3] أجزاء، وجزأها الرابع قيد الطبع، ما يشي بالعمل الدؤوب والمتواصل في تجربة هذا الشاعر العربي الذي لا يمكن قراءة الشعر العربي اليوم، دون استحضار تجربته، والإنصات إليها في مقترحاتها الشعرية الجمالية المغايرة.