لحظة ثقافية مشرقة بطعم الثقافة والتفاعل المنتج، احتضن فعاليتها الفضاء الثقافي للكونفدرالية الديمقراطية للشغل بمدينة الدارالبيضاء، بعد زوال الجمعة 26 شتنبر 2019، وسط حضور لافت ومتميز لأكاديميين وباحثين جامعيين، وكتاب وأدباء، ومسؤولين نقابيين وسياسيين، ورجال إعلام وطلبة، ومتتبعين للشأن السياسي والاجتماعي والثقافي بالمغرب، وذلك في لقاء مفتوح مع المناضل السياسي محمد بنسعيد آيت يدر، والمؤرخ الأستاذ المصطفى بوعزيز، ومع كتابين يزاوجان كما يقول الأستاذ الطيب بياض، في تقديمه لفاعليات اللقاء، بين الذاكرة والتاريخ ، يؤطرهما هاجس سؤال الديمقراطية في المغرب، انطلاقا من استحضار الذاكرة، واستحضار الحفر الأكاديمي والعلمي في التعاطي مع تجربة الحركة الوطنية، مبرزا في سياق تقديمه، دور المركزية النقابية الكونفدرالية الديمقراطية، في فتح نافذة التفاعل الثقافي بهذا الحجم والقيمة والاعتبار، المتمثل في عدم اكتفائها بالنضال لتحقيق مطالب الطبقة العاملة، سواء في شقها المادي أو الديمقراطي، ولكن، ارتأت كما دأبت على ذلك من قبل، يقول الأستاذ بياض، “أن تفتح نافذة التفاعل الثقافي المنتج في لقاء يروم تقديم كتابين”، كتاب: “هكذا تكلم محمد بنسعيد”، وكتاب،”الوطنيون المغاربة في القرن العشرين، الارتباط العضوي بين السياسي والاجتماعي”، للمؤرخ الأستاذ المصطفى بوعزيز. في تقديمه وقراءته لكتاب “هكذا تكلم محمد بنسعيد”، رسم الباحث الأكاديمي، الأستاذ محمد حاتمي، خارطة القراءة انطلاقا من تحديد مفهوم (ه) القراءة، واعتبارها في كافة تعاريجها ومنحنياتها ب:”غير البريئة”، لأنها تقوم من وجهة نظره، على “الانتقائية”، ولعل هذا المنهج في القراءة ما حدى به على وضع استفهام كبير يشكل في تفاصيله الجزئية، مدخلا مبحثيا في قراءته كمؤرخ ومنشغل بتاريخ المغرب المعاصر، بكتاب “هكذا تكلم بمحمد بنسعيد”، انطلاقا من الوقوف عند القضايا التي تثير المؤرخ في هذا الكتاب، وتلزمه تبعا لذلك، أن يعود للتأكد منها انطلاقا من هذه الكتابة. ويرى أستاذ العليم العالي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بفاس، انطلاقا من هذا المنظور، أن أول شيء يثير في هذا الكتاب هو “أننا أمام شخص من المغرب غير النافع”. ويستدل الباحث في خلاصته هذه، إلى نشأة الحركة الوطنية، على اعتبار أنها حركة حضرية (الرباط، سلا، طنجة، تطوان..) وبورجوازية، بينما يقول الباحث الأكاديمي، أن المناضل السياسي بنسعيد، لا ينتفي إلى الحقل الجغرافي لنشأة الحركة الوطنية، ولا ينتمي اجتماعيا إلى الأعيان ومسالكها المشكل لأعضاء هذه الحركة. وتوقف الفائز بجائزة المغرب للكتاب السنة الماضية، عن ترجمته لكتاب “الأصول الاجتماعية والثقافية الوطنية” لعبد الله العروي، في تقديمه للكتاب، عند شبكة التحالفات العائلية، وأهميتها كمدخل استراتيجي في فهم تاريخ المغرب المعاصر، وكذا مسألة التعليم التقليدي، الذي تدرج فيه بنسعيد، على خلاف باقي مكونات الحركة الوطنية، وأيضا عند حزب الاستقلال، كقطب سياسي في تلك المرحلة، وعلاقة الرجل، بالمؤسسة الملكية، والصراعات بين المنطقة السلطانية والمنطقة الخليفية، وعند المرحلة الممتدة بين 16 نونبر 1955 وسنة 1959، وملف الصحراء والوحدة الترابية، و”عبقرية” المؤسسة الملكية في مواجهة كل التكتلات ضدها، واختراق الاستخبارات المصرية،الأمن المغربي والحركة الوطنية… ولم يفت الأستاذ حاتمي، الذي يشكل موضوع اليهود المغاربة، أحد اهتماماته وانشغالاته المبحثية، التوقف عند المساحات البيضاء في الكتاب، وهوما يبقي جزءا من تاريخ المغرب، يسوده الكثير من الغموض، مشددا على وجوب البحث في تفاصيله. من جانبه، اعتبر الأستاذ الطيب بياض، في تقديمه وقراءاته لكتاب المؤرخ الأستاذ المصطفى بوعزيز، “الوطنيون المغاربة في القرن العشرين، الارتباط العضوي بين السياسي والاجتماعي”، أن الكتاب، هو ثمرة لأطروحة، لكنه ليس وليد بحث أكاديمي ممتد في الزمن فقط، بل هو “مشروع فكري”. وأبرز أستاذ التعليم العالي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية عين الشق بالدارالبيضاء، في قراءته للكتاب، أن الأستاذ بوعزيز، يفكك في كتابه السائد والمسلم به، والمتداول ويعضض عدته المعرفية بتأصيل نظري وحفر منهجي يجعله يضبط مفاهيم من قبيل الحركة الوطنية والوطنيون والوطن تحت المجهر تفكيكا وتحليلا وتبئيرا. واعتبر صاحب كتاب “التاريخ والصحافة”، أن مؤلّف الأستاذ بوعزيز، يمثل من زاوية تقديره، شجاعة فكرية نادرة، وثورة منهجية غير مألوفة في كتابة تاريخ المغرب المعاصر. بكلمة واحدة يقول الأستاذ بياض، “إن الكتاب هو مشروع فكري تجدد مع الزمن، وجرى تحيينه في سياقات مختلفة”، بمعنى يضيف، “أن بوصلة بوعزيز، كانت واضحة، وقلقه الفكري معبّر عنه”. من هنا، يرى بياض، أن صاحب الكتاب، صاغ الإشكالية المؤطرة لعمله كما يلي: لماذا لم تتوفق الانتلجنسيات الوطنية الحداثية المغربية، طيلة قرنين تقريبا في إحداث قطيعة مع المحافظة، كثقافة وسلوك سياسي، ولماذا تصاب في مسيرتها بهامش الحقلين الثقافي والسياسي بنحو مركزيتهما بالارتداء والتردي، وتنزلق في ظرفية حاسمة راديكالية تنسيها منظومة قيمها الحداثية، وتساهم بذلك، يقول الأستاذ بياض، في “إعادة انتاج المحافظة، وتسهل مهمة موقعتها من جديد في الهامش”. وعاد المتخصص في البحث في جذور الدولة المغربية، إلى مقاربة السؤال المركزي، في هذا اللقاء العلمي: “الحركة والمقاومة المسلحة، والحركة الوطنية والديمقراطية بالمغرب”، بطرح سؤال: كم أخطأنا موعدنا مع التاريخ من مرة على هذا المستوى”، واضعا في سياق مقاربته التحليلية للكتاب، استفهاما عريضا حول إرادة الإصلاح، وعمّا إذا كانت هذه الإرادة تتطلب نقدا ذاتيا، بأن الوضع في المغرب كان فاسدا، وهنا يتحدث الأستاذ بياض ويستفيض في الحديث، عمّا أسماه، الخيار الثالث لمصطفى بوعزيز.