في البحر كانت الامواج تتلاعب به يمينا و شمالا ، لقد تعب السي الزروالي من التجديف ، فاسسلم للنوم في قاربه الصغير ، يريد بذلك ان ينسى او يتناسى ان عليه العودة الى البيت مساء بصحبة مؤنة لن تخرج عن بعض الخضر و اسماك قليلة هي كل ما سيتبقى له من رحلة الصيد عندما يتوجه الى سوق السمك أسفل المدينة ، ساعتها لم تكون الشمس قد بلغت المنتصف ، و الجو صحو و جميل ، يهب نسيم خفيف و دافئ يداعب وجهه الخشين من شدة التعب و فرط البرودة و الحرارة في الفصول المختلفة ، تتعاقب عليه الايام دون ان يحس بان هناك ما يدفعه الى الضجر من هذا الروتين اليومي ، في الصباح بحر و عند الظهيرة بحر و بعدها السوق ثم المقهى ، لكنه مع ذلك يرفض الحديث عن ما يسمى روتينا ، في المساء تجمعهم المقهى الشعبي ، اما للعب الورق او مشاهدة فليم من الافلام الاجنبية التي اخذت تنمحي أشرطتها تدريجيا نظرا لأنها عمرت بين مثيلتها في هذا المقهى لمدة طويلة ، تحكي في معظمها قصص الحروب أو روائع العشق التي يتذوقها البحارة غير طامعيين في عيشها ، عندما ينبسط الظلام على ربوع المدينة الصغيرة معلنا بذلك قدوم الليل يبدا البحارة في التشتت على منازلهم قبل أن ينطلق النهار غدا بنفس الحكاية التي عاشوها اليوم . و هو لا يزال كذلك مستلقيا على ظهره في القارب الصغير احس السي الزروالي بشيئ ما يتحرك تحت القارب ، فقفز من مكانه يطيل أسفل القارب ، رأى شيأ كبير يرتطب بقعر القارب و كانه صندوق او كيس كبير ، عندها أخد عصا حديدية يستعملها في حمل السمك وبدا يحرك ذاك الشيئ الغريب ، بعنف شديد و بمثابرة كبيرة أخرج السي الزروالي كيسا كبيرا من البلاستيك الى اعلى البحر و بسرعة طفا الكيس فوق الماء ، حاول السي الزروالي حمله الى القارب ، لكه اصطدما بثقله ، عندها أدرك ان الكيس قد امتلئ بالماء في القعر ، و بدات التخمينات تحوم في ذهنه ن قد يكون كيس نقود سقط لصاحب مركب كان يقيل مهاجريين سريين الى أروبا ، او يكون كيس سمك سقط من سفينة صيد كبيرة ، و في أسواء الاحوال سيكون رزمة من ملابس مهاجر افرقي سقطت منه أثناء عبوره للبحر ، و كانت كل التخمينات خاطئة ، هذا بالضبط ما ادركه السي الزروالي و هو يفتح الكيس بعدما حمله الى القارب ، حيث وجد فيه كمية هامة من المخدرات ملفوفة في ورق ألومنيوم على شكل قطع حلوة ، عندها التفت اليس الزروالي يمينا و يسرة ، هل يراه من احد ، ثم خبأ الكيس بسرعة تحت الشباك ، و بدأ في التجديف نحو الشاطئ بحيوية كان في الدقائق القليلة الماضية قد افتقدها ، و بملامح القلق ، و البال المشوش ، و العيون المركزة على الشاطئ الهدف كان السي الزروالي يقترب من الشاطئ ، و في كل خطوة يزداد قلقه و يزداد معه التفكير في ما سيفعله بهذه الهبة النتنة التي وهبه البحر اياها ، عندما يصل الى البيت سيخبئها في غرفة النوم و يغلق الباب بالمفتاح و يذهب الى أقرب حشاش يعرفه ليبحث له عن تاجر يبيعه الهبة و يقبض ثمنها ، ثم يعود الى البيت ليجمع أغراضه و يرحل عن هذه المدينة التي يخشى من كثرة القيل و القل فيها عندما تظهر علامات الرخاء عليه بعد بيع هذه الهيبة ، و ربما يأخذها الى مقر الشرطة او دكان الشرطة كما يحب السي الزروالي تسميته ، لكنه يخشى من أن يتم اعتقاله بعدما يسلم لهم كمية الحشيش هذه ، لكنه يرى ان ذلك سيكون عملا نبيلا يقوم به على غرار أفلام النبل التي شاهدها في مقهى البحر ، أما ان باع الكيس فانه سيصبح غنيا من دون شك ، سيشيد منزلا جديدا بدلا من تلك البراكة التي يعيش فيها أيامه هذه ، سيشتري سيارة فاخرة مثل الت ييتجول بها عامل المدينة ايام الصيف و الربيع ، و سيارة أخرى رباعية الدفع هي أيضا في حوزة عامل المدينة يجوب بها شوارع المدينة فصل الشتاء حيث تسد المنافد أمام السيارات الصغيرة ، سيرتدي ملابس جديدة و انيقة و يقدم أسماله البالية هذه قربان الى النار ، عندها سيدخل قاعات الشاي الفاخرة على ضفاف الشاطئ ، او قرب النهر الكبير ، و سيحتسي كأس نسكافي كمشورب حضاري مصنع ، سيتخلى عن عادة تقويس الظهر ، و سيجلس متكا على أريكة او كرسي فاخر رافعا رأسه في وجه جاليسه ممن سيصبحون أصدقاء جدد له ، عندها لن يليج مقهى البحر مرة أخرى ، و سيهب القارب لأحد الأصدقاء من البحارة ، ستدخل لحياته عادات جديدة ، و تغادرها بسلام و اطمئنان عادات أخرى لم تكون سوى جزءا من حياة الفقر التي عاشها ، سيحتسي الخمر الغال في الكازينوهات و في الحانات الكبرى ن سيعاشر خليلات جميلات صغيرات و حزينات ، سيحمل معه في البداية علبة مارلبورو ثم يتخلى عنها بالتدريج و يحمل معه علبة سيغار ، و يبحث عن مكان له مع شخصيات كبيرة تؤثت سوق المال و الاعمال . عندما اوشك من الاقتراب للشاطئ ترامت عيناه على رفاقه من الصياديين المياومين مثله و هم يجمعون سمكاتهم الصغيرة و المتوسطة ، يضعونها باحكام في صناديق بالستكية صغيرة مخصصة لذلك ، و الابتسامة لا تفارقهم ، ميلوديا الحياة البسيطة يعزفونها في روعة تامة ، يتبادلون اطراف الحديث عن البحر و الحياة دون ان تقض مضجعهم التخمينات الكثيرة في المستقبل ، يفضلون اللحظة الراهنة تاركين المستقبل لذاته ، فجأة سمع السي الزروالي صوت صفارة دورية شرطة البحر ، التفت ليراها قادمة نحواه ، و دون ان يتعب نفسه وقف السي الزروالي في مكانه ، كلبيا نداء الشرطة ، حام الفريق حول السي المختار ثم بادره رئيس الفرقة بالكلام : - السي المختار أم ترى كيسا من البلاستيك في البحر هذا الصباح ؟ - و بابتسامة بريئة يرد السي المختار ، ها هي هنا سيدي ، لقد كنت في طريق اليكم لأسلمكم اياها - شكرا السي الزروالي . يتسلم فريق الشرطة الكيس و يغادر المكان ، و يعود السي الزر والي إلى نفسه يسبها على نيتها السيئة التي كادت توقعه في الحرام ، لكن الأقدار الإلهية حالت دون وقوع ذلك ، هناك يبصر السي الزر والي رفاقه على الشاطئ و هو يحط قدميه من القارب ، و في لحظة ما يدرك السي الزروالي ان حياة البساطة هي البدأ و النهاية ، و يبتسم ، ثم يحمد الله و ينطلق لسرد القصة على رفاقه في المقهى الشعبي عبرة و تسلية .