تصعيد خطير.. تقارير عن توغل الجيش الجزائري داخل الأراضي الموريتانية    الأخضر يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    شركة Apple تضيف المغرب إلى خدمة "Look Around" في تطبيق آبل مابس.. نحو تحسين السياحة والتنقل    السلطات تمنع تنقل جماهير الجيش الملكي إلى تطوان    شركات الطيران ليست مستعدة للاستغناء عن "الكيروسين"    من يحمي ادريس الراضي من محاكمته؟        الموساد يعلق على "خداع حزب الله"    ترامب يؤكد التصدي للتحول الجنسي    حداد وطني بفرنسا تضامنا مع ضحايا إعصار "شيدو"    "إسرائيليون" حضروا مؤتمر الأممية الاشتراكية في الرباط.. هل حلت بالمغرب عائلات أسرى الحرب أيضا؟    اختتام أشغال الدورة ال10 العادية للجنة الفنية المعنية بالعدالة والشؤون القانونية واعتماد تقريرها من قبل وزراء العدل في الاتحاد الإفريقي    أنشيلوتي يشيد بأداء مبابي ضد إشبيلية:"أحيانًا أكون على حق وفترة تكيف مبابي مع ريال قد انتهت"    حكيم زياش يثير الجدل قبل الميركاتو.. الوجهة بين الخليج وأوروبا    توقيف شخص بالبيضاء بشبهة ارتكاب جريمة الإيذاء العمدي عن طريق الدهس بالسيارة    معهد "بروميثيوس" يدعو مندوبية التخطيط إلى تحديث البيانات المتعلقة بتنفيذ أهداف التنمية المستدامة على على منصتها    كيوسك الإثنين | إسبانيا تثمن عاليا جهود الملك محمد السادس من أجل الاستقرار    مواجهة نوبات الهلع .. استراتيجية الإلهاء ترافق الاستشفاء    إنقاذ مواطن فرنسي علق بحافة مقلع مهجور نواحي أكادير        تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدّيوانُ الثّقافيّ السّاحوريّ يستضيف آمال عوّاد رضوان وسط حضورٍ ثقافيّ بارز بيت ساحور
نشر في طنجة الأدبية يوم 06 - 02 - 2019

تبدأ جماليّة الأمسية بجماليّة العمق الذي تخلّلته قراءة الشاعر رفعت زيتون، لرسائل الشاعريْن وهيب نديم وهبه والشاعره آمال عوّاد رضوان وما قاله: إنّ خصائص هذه الرّسائل اتّخذت شكل القصيدة النثريّة، أكثر منها رسالة أدبيّة، كتلك الرّسائل الّتي عهدناها في هذا الفنّ، فهل هذا تجديدٌ في فنّ الرّسائل، كما هي الجماليّة تكمن أكثر في تساؤل الشّاعر رفعت زيتون، إن أرادت شاعرتنا “آمال عوّاد رضوان” الابتعاد عن أسلوب مَن سبقنها مثل مي زيادة وغادة السّمّان، أم أنّ جزءًا من هذه الرّسائل قصائدُ كُتبت سابقًا، ووجدت طريقها للنّور في هذا الكتاب؟
أمسيةٌ حازت على رضى المُنظّمين وعلى سعادة الجمهور الثقافيّ في مدينة بيت ساحور بالضّفّة الغربيّة ، فقد نجحَ الدّيوانُ الثّقافيّ السّاحوري في تقديم الأديبة والشاعرة آمال عوّاد رضوان، بالصّورة التي تليقُ بما حقّقتهُ الشاعرة الفلسطينيّةُ القادمة من عبلين الجليليّة لثقافة الوطن المحتلّ من جهة، ولقصيدة النثر على الجهة المقابلة، وبمقرّه قاعة دكرت- فنجان وكتاب، وفي حفل توقيع كتابها الرّسائل المشترك مع وهيب نديم وهبة (أَتُخَلِّدُنِي نَوَارِسُ دَهْشَتِكِ)، الصادر عن دار الوسط للنشر في رام الله، ووسط حضورٍ أدبيّ نخبويّ ونوعيّ رائع راق مميّز، استضاف الدّيوان الثقافيّ السّاحوريّ الشاعرة آمال عوّاد رضوان بتاريخ 31-1-2019.
استهلّ الأمسية رئيس الديوان السيد ميخائيل رشماوي بترحيب حارّ بالحضور الذي ازدحمت به قاعة الديوان وبالشاعرة الفلسطينية، وأكّد على دوْر الديوان الثقافيّ السّاحوريّ في إثراء ودعم الثقافة الوطنيّة الفلسطينيّة، تولّت عرافة الأمسية المربية ناديا الأطرش بالحديث عن فنّ الرّسائل الأدبيّة ومقدّمة الناقد علوان السلمان، وبلمحةٍ وجيزة عن المنجز الأدبيّ لكلٍّ مِن: وهيب وهبة، رفعت زيتون، آمال عوّاد رضوان، وبدوره تحدّث الشاعر المقدسيّ رفعت زيتون عن رسائل الكتاب، مُستعرضًا أدقّ التّفاصيل التي تضمّنها الكتاب برسائله الأدبيّة وعُمقِه الإنسانيّ.
ابتدأ رفعت زيتون سؤاله للشّاعرة آمال: ابنة الماء؟ ابنةُ البعث الجسور؟ ماروشكا الصغيرة؟ أميرةُ الملح؟ الغريبة؟ آمال؟ كلُّها أسماءٌ وصفاتٌ أردتِ أن نعرفَكِ بها، فأين تجد نفسَها شاعرتنا بين كلّ تلك الأسماء والصّفات؟ لعلّ هذه دعوة لتتحدّث الشاعرة عن نفسِها بما تريد، وكما تريد أن نعرفها؟
شدّد زيتون على صعوبةِ اختيار عنوانٍ لكتابٍ ألّفَهُ كاتبان وقال: قد يكونُ مِن الصّعب اختيارُ عنوانٍ له، في حالةِ أنّ النّصوصَ كانتْ مُنفصلة، تمامًا كما في حالةِ هذا الإصدار الّذي يحتوي على رسائلَ بين الشّاعرة آمال عواد رضوان والشّاعر وهيب نديم وهبة، لكنّهما تجاوزا هذهِ المشكلة، بأنْ جعلا العنوانَ مِن أحدِ رسائلِها، وأيضًا مِن خلالِ ردِّه.
وتطرّقَ زيتون الى جاذبيّة التّصميم وبساطة ألوانه بالقول:
التّصميمُ كانَ للفنّان بشّار جمال، وهو تصميمٌ بسيطٌ ومُعبّر، حيثُ اختارَ لونيْن لزهراتِهِ، تعبيرًا عن كاتبيّ الرّسائل، بحيث مزجَ هذه الأزهارَ، كإشارةٍ إلى هذا التّبادلِ الّذي صاحبَ كتابةَ هذه الرّسائل، ولونُ الخلفيّةِ كانَ هادئًا جدّا، فهل كان للشّاعريْنِ دورٌ في التّصميم؟
وأشار في تقديمه للشاعرة والكتاب للبداية التي رافقت هذا العمل الأدبيّ خطوة خطوة فقال:
*في البدايةِ كتبَ الشّاعر وهيب نديم وهبة قصيدةً مُهداةً للشّاعرة آمال عواد رضوان، ردًّا على قصيدتِها “سلامي لك مطرا”، فتعرفُ الشّاعرة آمال بذلك بمكالمةٍ مِن المرحوم إدمون شحادة، ممّا أثارَ دهشتَها لتتساءلَ: كيف، لماذا ومتى، وهي الّتي لم يسبقْ لها أنْ أهدتْهُ ديوانَها، ولم يكنْ لها بهِ سابقُ معرفة، إلّا مِن خلالِ نصوصٍ مُتفرّقةٍ منشورةٍ هنا وهناك.
*وتقوم الشاعرة آمال عواد رضوان بعدَ ذلك بالرّدّ عليهِ بتعقيبٍ في أحدِ المواقع بدأته بِ: (عَلَى ثَرَى أَثِيرِي.. حَطَّتْ عُصْفُورَةُ ضَوْءٍ/ تَهُزُّ عَرْشَ أَسَاطِيرِي!/ مِنْ ذَاكَ الْمَدَى.. رَفْرَفَتْ.. هَلَّتْ وَهَلَّلَتْ/ تُنْبِينِي بِهَدِيَّةٍ مَخْتُومَةٍ.. بِعِطْرِ الشّعر).
*تحاولُ شاعرتُنا أنْ تعرفَ مِن خلال رسالتِها، كيفَ وصلَ إليهِ ديوانُها (سلامي لك مطرًا)، لكنّهُ يُجيبُها بحنكةِ مَن يَعرفُ سِحرَ الغموضِ والأسرار، فيُرسلُ لها ردًّا نزاريَّ الرّوح: (إنَّ بَعْضَ الْأَشْيَاءِ تَفْقِدُ الْكَثِيرَ حِينَ تُقَالُ)، وهذا يثيرُ الفضولَ أكثرَ لديها، وتكونُ رسالةٌ ثانية، ويكون الوهجُ الشّعريُّ بينهما حتّى ميلادِ هذا الجميل الّذي بين أيدينا، (أَتُخَلِّدُنِي نَوَارِسُ دَهْشَتِكِ؟).
*يضيف زيتون:
وتبدأ عصافيرُ الشّعرِ عندَ وهيب بالتّغريد، لتختصرَ المسافاتِ بينَهُ وبينها، وتطيرُ رغمَ شوْقِها فزعةً إلى غابةٍ مُلوّثةٍ بالحربِ والعصيانِ، كما وصفتْها شاعرتُنا، وهذا هو شأنُ الشّاعر الإنسان، فلا يَنسلخُ عن واقعِهِ، بل يعيشُهُ لحظةً بلحظة، حتّى في أقصى حالاتِ الفرح، ولا تغيبُ عن ذهنِهِ صورةُ طفلةٍ باكيةٍ على رصيفِ الوجع، لكنّهُ يبقى شاعرًا يُغرّدُ أجملَ الألحانِ فيقولُ مُفتتِحًا حديثَ الشّوق ص21: (هذَا الْوَطَنُ.. بَيْنَ رُمُوشِ الْعَيْنِ وَالْمَنَافِي/ يُعْلِنُ الْمُنَى وَالْأَمَانِي/ وَأَنْتِ هَمْسُ السَّوَاقِي.. فِي غِنَاءِ الْمَاءِ!).
*فتقولُ لهُ يماماتُها: (أَنَا مَا انْفَكَّ الدَّهْرُ/ يَعْصِفُ بِي.. يُقَصِّفُ جَنَاحَيَّ!/ وَهَا السَّرَابُ/ يُرَاقِصُنِي رَقْصَةَ حَرْبٍ/ لِئَلَّا أَضْطَرِبَ/ وَلِئَلَّا تُهْلِكَنِي حَرْبُكَ!/ أَخْشَاكَ تَتَعَثَّرُ .. بِأَسْرَابِ يَمَامِي/ حِينَ تُهَامِسُ .. فَوْضَى أَمْطَارِي!”)
*وتمضي الشّاعرة آمال قُدُمًا في القصيدة، وتبدأُ برسم إطارِ هذه العلاقة الّتي تفتّحتْ زهرتُها فجأة، وتُعطّرُ هوامشَها بعبيرِ العفّةِ والنّضجِ فتقولُ: (عَنَاقِيدُ بَسَمَاتِكَ نَاضِجَاتٌ/ تُضَاحِكُ هَوًى مُنَزَّهًا/ عَنْ ظِلَالِهِ!)، وكأنّها إعادةُ توجيهٍ لبوصلةِ الشّعر، أن تُيمّمَ وجهَها شطرَ الرّسالة الأدبيّة، كأنّها الهدفُ والغايةُ المَرجوّةُ المُختبئةُ تحتَ ثوبِ الكلام الجميل، فهل خطرَ ببالِ شاعرتِنا يومًا، أن تخوضَ فنّ الرّسالة كتجربةٍ أدبيّة؟
ويتابع زيتون قائلًا:
*لقد كانت الرّسالة التاسعة للشّاعر وهيب غريبة في تركيبتها ومختلفة، فقد بدأت بصلاة، ثم استقبال، ثم حكمة، ثم نصّ، وانتهت بصلاة، وكأن هذيان الشّعر بلغ في تلك اللحظة مبلغه منه، وتساقط عليه مطرا من غيمات شتى، وربطتُ بين هذه الرّسالة وبين سابقتها للشّاعرة آمال، ووجدت هذا التناغم العجيب بينهما لغة وفكرة وهدفا، كذلك وجدت هذه الرّسالة استمرارا لذات الرّسالة الإنسانية للشّاعرة آمال، والّتي أرادت أن نعيشها في الرّسالة الثامنة السابقة، حيث صحوة النور وانطلاقه حكمة من تحت ركام الظلام، يحمل جواهر الحب والأسرار ويفيض ضياءً إلى الأبد.
*ويضيف زيتون: لعلّ الكثيرَ من النّصوص تقاطعت مع فكرةٍ لأسطورةٍ أو رمزٍ تاريخيّ، أو فكرة إنسانيّة استحضرتها الشّاعرة آمال مِن بطن التاريخ، ومن ذلك: ماروشكا، جورديس، سيزيف، كلوفيس، نرسيس، الأنبياء، حتّى أن كلمة الأسطورة قد تكررت كثيرا كما في (تَهُزُّ عَرْشَ أَسَاطِيرِي!) ص28، (تُطَاوِلُ نَفَحَاتِ مَلَكُوتٍ../ تَخَلَّدَ فِي أَقَاصِي الْأَسَاطِيرِ!) ص35، (تَرْسُمَنِي رَبَابَةً/ شَاهِقَةَ الضَّوْءِ/ عَلَى جِسْرِ الْأُسْطُورَةِ!) ص48، (حَيْثُكَ هُنَااااااااك/ كَأُسْطُورَةٍ .. تَسْطَعُ) ص54، (يُطَارِدُنِي/ عِطْرُكِ الْأُسْطُورِيّْ!) ص59، (يَا أُسْطُورَةَ كْلُوفِيس/ سَوْسِحِينِي) ص86.
إلى أي حدّ يخدم هذا الاستخدام الفكرة أو الرّسالة؟ وهل فعلا حققت الهدف منها؟
وهل ربما كانت تلك الرموز والأساطير تشكل أحيانا مفتاحًا لفهم الرّسالة وفكرتها؟
وهل في هذه الجزئيّة تقترب الشّاعرة آمال والشّاعر وهيب من تجربة جبران ومي زيادة ؟
وأقتبس هنا جملة من رسائل جبران حيث يقول: (ويسيُر مُترنّمًا في وادي أحلامي، بل هي كقيثارةِ أورفيس).
*واستمرارًا لهذا اللّجوء للأساطير، هناك استحضار للجنّيّاتِ في كثير من الرّسائل، ومثال ذلك (أَيَا جِنِّيَّةَ الثَّلْجِ) ص46، (بِجِنِّيَّةٍ مُجَنَّحَةٍ) ص65، (جِنِّيَّةِ عِشْقٍ) ص66، (جِنِّيَّاتُ لَيْلِي) ص67، وغيرها، فهل هذا إقرار بعجز إنسان هذا الزّمان في حلّ مشاكله، أو تحقيق أهدافه، بحيث ذهبتْ شاعرتُنا للأساطير والجنّيّات؟ لا أنكر عليها ذلك، فقد فعلتُ ذلك في ديواني الأخير، حيث طلبتُ المعجزات، وناديت ملوك الجن، ورجوت الأنبياء.
ويتابع زيتون:
*هناك الكثير من النّصوص جاءت على شكل قال وقالت، وكأنّه حوارٌ داخليٌّ في الرّسالة الواحدة، أو لنقل أكثر من مراسلة في رسالة واحدة. ألا يُبعد ذلك القارئ عن أن يعيش فكرة المراسلة بين شخصيْن، لتأخذه إلى عالم آخر أقرب للحكاية؟ أربما كان يكفي أن يجري الحوار على لسان الغريب والغريبة، لأن هذا يبقينا في عالم الشّاعرين المتحاورين؟
*وهذا يقودني إلى سؤال آخر أو مداخلة أخرى.. إنّها الغربة الّتي جاءت كثيرًا على لسان الشّاعرة آمال والشّاعر وهيب، فهل التقيا وجدانيًّا في سماءِ الغربة، بعد أن فرّقتهما المسافات؟
أو بمعنى آخر، هل التقت روحه الغريبة مع روحها الغريبة، فكانت تلك اللغة الّتي وحّدتْ إحساسَهما، وكان ذلك العزف المشترك؟ هل الغريبة هي ذاتها الّتي تبحث عنها؟ أم أنّها مرآتها؟
أم أنّها الذات الأخرى الّتي في داخلها، والّتي تمتلك من القوّة والجرأة ما لا تملك، فتقول على لسانها ما لا يقال؟
*يقول وهيب: عَشْرٌ عِجَافٌ .. لَمْ تَعْزِفِ النَّايْ/ لَمْ يُغَنِّ طِفْلُ الْحُقُولِ أُغْنِيَةْ/ لَمْ يَهْمِسْ لِقَلْبِي الْوَتَرْ/ وَلَمْ تَرِفَّ عَيْنِي لِوَاجِدَةٍ وَاحِدَةْ/ حتّى أَتَيْتِ أَنْتِ!” وأسأل شاعرنا وهيب: ماذا الّذي أيقظ هذا المارد النائم بعد طول سبات؟ وهل الرّسالة تجعلُ الشّاعر أكثر جرأة في بثّ مشاعره، وبالتّالي تُفجّرُ براكينَ الكلام والإبداع؟
يضيف زيتون: *من خصائص هذه الرّسائل أنّها اتّخذت شكل القصيدة النثريّة، أكثر منها رسالة أدبيّة كتلك الرّسائل الّتي عهدناها في هذا الفنّ، فهل هذا تجديدٌ في فنّ الرّسائل، أم أرادت شاعرتنا الابتعاد عن أسلوب من سبقنها مثل مي زيادة وغادة السّمّان، أم أنّ جزءًا من هذه الرّسائل قصائد كُتبت سابقا، ووجدت طريقها للنّور في هذا الكتاب؟
*هذه الأمسية التي وجد بها الحضور نفسه “بمتعةٍ”، مُشاركًا بكلّ التّفاصيل عبرَ مداخلاته عن الكتاب، وعن لغة الشاعرة “آمال عوّاد رضوان”، أكّدت كما أكّد “زيتون”، على أنّ سمات لغة الشّاعرة عبر هذا الكمّ الهائل من أساليب البلاغة بعلومها الثّلاث، المعاني، والبديع، والبيان، وبكلّ أدواتها من تشبيهات واستعارات ومجاز، قد أعطى قوّة للنّصوص، وعمقًا في المعنى، بل وجعل للمعنى أكثر من بُعد واحد في كلّ جملة، فمن ناحية أعتقد أنّ الشّاعرة تُقدّم للقارئ نصًّا شهيًّا دسمًا، ولكن كأنّها تطلب من القارئ أن يَتعبَ قليلًا في الوصول إلى المراد، ليتذوّق ذلك الطعم اللذيذ، فهل هذا الأسلوب يُلاقي دائمًا القبول لدى المتلقي؟
*وركز زيتون في محاورته للرسائل وللشاعرة على سمات النّصوص عند الشّاعرة آمال، وتلك الثنائيّات والمقابلات في الأفكار والمواقف والحالات، كما كان في الرّسالة الثامنة، حيث المقابلة بين حالة الأمس بظلاله الثقيلة وعتمته وضبابه، وبين الغد الآتي بنوره وأمله وإصراره.. ولكن في هذه الجزئيّة أردت أن أتحدّث عن هندسة القصيدة، ودقّةِ أبعادها وبنائها المتين، والّذي يدلّ على العِلم المُسبَق عند الشّاعرة للهدف المرجو والمنشود، والّذي جعلها تتخيّلُ الهيكلَ المطلوب للنصّ، وتساءل المهندس الشاعر زيتون: هل الشّاعرة تكتب بالمسطرة والقلم لتخرج القصيدة بدقّتها الّتي رأيت، أم أنّها كتبتها كما هي اليوم أمام أعيننا؟ بمعنى هل تمارس شاعرتُنا التنقيح الكثيفَ في نصوصها جرحًا وتعديلا؟
كما ركز زيتون على وفرة الجناس في الرّسائل بغزارة واضحة فقال:
كثيرةٌ هي الكلماتُ الّتي جاءتْ على شكلِ جناسٍ ناقصٍ، وبشكلٍ تتابُعيّ، حتّى باتَ ذلك سمةً واضحةً مِن سِمات النّصوص، والأمثلةُ على ذلك كثيرة (يَتَعَثّرُ- يَتَخَثّرُ، تَتَحَالَقُ- تَتَعَالَقُ، صَهْصَهَتْ- قَهْقَهَتْ، تَلَافِيف- تَجَاوِيف، بَرِيق- إِبْرِيق، سَدِيمِي- أَدِيمِي، حَنَاجِر- خَنَاجِر) وغيرها الكثير الكثير، فهل هذا يُدخِلُ النَّصَّ أحيانًا بالحشو والتكلّف، أم أنّ هذا يساعدُ في خلق الإيقاع الدّاخليّ، وبالتالي يُساهمُ في رفع درجة موسيقا الكلام، ويُرسّخُ الكلامَ أعمقَ في وجدان القارئ أو المستمع؟ ولعلّ هذا يظهر أكثر في تلك الكلمات التي جزّأتها الشاعرة على شكل حروف، فهل هي أرادت أن نقرأها حرفًا حرفًا، وأن نعيش الكلمة، ونستشعر كلّ أبعادها وتأثيرتها، وأن لا نمُرّ عليها مرّ الكرام؟
*ومن أجمل ما قيل في هذا العمل الأدبيّ الذي فرد صفحاته وتفاصيله في قاعة الرعاة ” فنجان وكتاب”، إنّ الشاعرة آمال عوّاد رضوان تُجيد طهي اللغة، ومن هذا الطهي أسلوب النحت والاشتقاق إن جاز التعبير، ومثال ذلك (حَيْثُكَ) ص 54، (لِتَتَصَاخَبَ أَمْوَاجِي) ص 66، (نَتَرَاذَذُ) ص76، (تَتَرَاذَذُ شِعْرًا) ص86، (مَا تَفَرْنَسْتُ) ص84، (فَلَا تَتَأَبْلَسْ.. وَلَا تَتَشَيْطَنْ!) ص95، (أَخْشَانِي أَتَقَوْلَبُ) ص104، وغيرها)، وهي كلمات تبدو غريبة غير مألوفة، لكنّها في جذورها اللغويّة أصيلة وفصيحة اللسان، أعتقد أنّها تختصر الكلام، وتختصر الجملة أحيانًا في كلمة واحدة، ومثال ذلك مثلًا كلمة (تَتَأَبْلَسْ) ص95 والّتي تقابل الجملة (تصبح مثل إبليس في أفعالك وأوقوالك)، هذا جميل جدا ولكن، هل هذا النّحت والاشتقاق، إضافة إلى الكمّ الهائل من الاستخدامات البلاغيّة والرمزية والغموض، قد يرى فيه النقاد إرهاقا للنصّ أو للقارئ؟
يختتم الشاعر رفعت زيتون بالقول:
من خلال قراءتي للرّسائل، وجدتُ أنّ فكرةَ كلّ رسالة ومحتواها وملامحِها العامّة، ترتبط بعضها ببعض، وفيها ما يشبه بناء القصّة أو الرّواية أو الحكاية، فالرّسالة الأولى فيها الشّكرُ كمقدّمة وتمهيد للحكاية، والرّسالة الثانية حدّدت المكان للأحداث، بين سماء حيفا وبحرها وبين بلدتها عبلين، وفي الثالثة تقرّر جنس المولود عندما ذكرت غادة السمان، وفي الرابعة اختيار الشّخوص والتعبير عنهم بشخصيّات أسطوريّة مثل ماروشكا، وفي الخامسة تضع فكرة القصّة أو الحكاية، وفي الرّسالة السادسة تتطوّر الفكرة إلى أحداث وحكاية، وفي السابعة تتّسع رقعة الحكاية بسرد أحداثها وارتفاع مستوى العاطفة فيها، وفي الثامنة بدء الصّراع، وفي التاسعة والعاشرة وجدت الحوار المصاحب للسّرد في قال وقالت.. وهكذا. فهل فكرت شاعرتنا بهذا البناء الروائيّ عند كتابةِ هذا العمل؟ ومن ناحية أخرى هل تفكّرُ الشّاعرة آمال بعمل روائيّ في المستقبل، ما دام عندها هذه البرمجة الذهنية الروائية في بناء النّصوص؟
هذه الأمسيةُ الّتي حفلت بحضورٍ مميّزٍ ونُخبويٍّ مِن مُثقّفي مدينتيْ بيت لحم وبيت ساحور، أكّدت على أنّ الجسمَ الثقافيَّ الفلسطينيَّ قادرٌ على إثباتِ كينونتهِ الثقافيّةِ والأدبيّة، مِن خلال مبدعيه ومبدعاتِهِ ومؤسّساتِهِ المَحلّيّة، كما أكّدت على أنّ الثقافةَ هي قضيّةُ المبدع الإنسان، والمبدع الوطن، والمبدع المجنون، والمجنون الشاعر الّذي أخذ بهذه الأمسية الى جنون الإبداع، عبر الشاعرين وهيب نديم وهبه وآمال عوّاد رضوان، وهو الوصف الذي حملته هذه الأمسية، عبر مداخلات الحضور من المثقفين والمثقفات الّذين وجّهوا اسئلتهم إلى الشّاعرة، حول كتابهما (أَتُخَلِّدُنِي نَوَارِسُ دَهْشَتِكِ)، والذي وقّعته للحضور وسط دهشةٍ تشبه نوارسَ الخلود.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.