إن الحديث عن طلاقة المشيئة الإلهية والقدرة الربانية حديث فياض لا ينتهى، تعجز الكلمات أن تصفه، والسطور أن تشمله، والصفحات أن تحتويه. فالمشيئة الإلهية مشيئة مطلقة لا تقف عند حد، والإرادة الربانية إرادة نافذة لا يعجزها شىء فى السماء أو فى الأرض، والأمر الإلهى أمر قائم .. به يتحقق الشىء الذى يريده الله عز وجل فيكون أمرا واقعيا.. لله وحده سبحانه الأمر من قبل ومن بعد. قال الله تعالى: ” انما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون . فسبحان الذى بيده ملكوت كل شىء وإليه ترجعون” ( يس: 82-83) وطلاقة المشيئة الإلهية ، وعظمة القدرة الربانية تقودنا إلى المعجزة الكبرى التى أفاض الله عز وجل بها على عبده ورسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ألا وهى معجزة الإسراء والمعراج، وهى معجزة هدفها تكريم الرسول فى شخصه حيث أصدر الحق تبارك وتعالى أمره إلى الروح الأمين جبريل عليه السلام أن يصحب عبده محمد صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ثم يصعد به إلى السماء ليرى من آيات ربه الكبرى. سار رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الروح الأمين جبريل عليه السلام فى هذه الرحلة المباركة حيث وصلا إلى بيت المقدس وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأنبياء إماما بالمسجد الأقصى، ثم تجاوز السموات السبع حتى وصل إلى سدرة المنتهى، وهناك شاهد جنة المأوى وشاهد ما لانعرف ، ولا نفهم، ولا نتصور. ” إذ يغشى السدرة ما يغشى” وعند سدرة المنتهى رأى رسول الله جبريل على صورته الملائكية التى خلقه الله عليها… ولم تكن رحلة المعراج قد انتهت وكان لها بقية وأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم من جبريل أن يتقدمه ولكن جبريل امتنع قائلا: ( هكذا مقامى لو تقدمت لاحترقت وأنت يارسول الله لو تقدمت لاخترقت) ولنقف عند هذه الجملة وقفة تأملية حيث أنها تعطينا مغزى هام وهو أن قوانين ملائكية جبريل عليه السلام لا تسمح له إلا بالوصول إلى سدرة المنتهى التى ينتهى عندها علم الخلائق كلها حيث أنه إذا تقدم فإن قانونه لا يتحمل فيحترق. ومعنى ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وصل إلى درجة لا يتحملها ملائكية جبريل عليه السلام فأصبح رسولنا الكريم وحده الذى يستطيع أن يتقدم وان يخترق. وهذه لمسة حنان من الله سبحانه تعالى إلى عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم ودرجة من درجات الآخرة، وفى هذا الموقف العظيم فرضت الصلاةعلى المسلمين. ثم صعد ر سول الله صلى الله عليه وسلم حتى وقف بين يدى جبار السموات والأرض ورحمن الدنيا ورحيم الآخرة، وفى هذا الموقف العظيم فرضت الصلاة على المسلمين. وكان الموقف مزيجا من الجلال والمهابة والرحمة، ولقد تجاوز السياق القرآنى ما رآه النبى صلى الله عليه وسلم لأنه سر بين النبى وربه، ومعجزة خاصة بالنبى وتكريم لشخصه وحده. أيسأل الناس بعد كل ذلك كيف صعد الرسول بالروح والجسد إلى قمة القمم فى السماء… أى معجزة هنا تزيد على معجزة النطفة إلى إنسان.. أو معجزة تحول البذرة إلى شجرة.. أو معجزة إحياء الماء للأرض .. أو معجزة الحب الذى يربط بين قلبين دون سابق معرفة. إنها قدرة الله فهو وحده القادر على كل شىء، وعندما يرجع الشىء إلى قدرة الله ومشيئته سبحانه فلا يمكن إخضاع هذه القدرة إلى المقياس الدنيوى والقوانين الحاكمة لأنها قدرة مطلقة لا يحدها شىء ولا يقيدها أسباب أو زمان أو مكان فليحذر كل فرد من الوقوع فى مصيدة كيف.. إنها مشيئة الله وقدرة الله وسلطان الله وبيده وحده الأمر كله ، وإذا أراد شيئا يكون بإذنه أمرا واقعا. إن معجزة الإسراء والمعراج معجزة ربانية وما أكثر المعجزات الربانية التى وهبها الله لأنبيائه وهى لمسة من المسات الحنان الإلهى على عبده ورسوله المصطفى، وما أعظم لمسات الحنان الإلهى على الوجود كله. إنها معجزة شملت وجمعت بين طلاقة المشيئة الإلهية وعظمة القدرة الربانية حيث تجلت المشيئة الإلهية فى إرادة الله وإصداره تبارك وتعالى الأمر إلى الروح الأمين جبريل عليه السلام ليصعد بالنبى إلى السموات العلا… … … وتبلورت القدرة الربانية فى تنفيذ وتحقيق هذا الأمر الإلهى ليصبح أمرا واقعا حيث أسرى بالرسول الكريم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصي، وصعد به إلى السموات السبع حتى وصل إلى سدرة المنتهى حيث الحضرة الإلهية وسجود النبى الكريم لرب الكون والعالمين الله الواحد لا اله الا هو رب العرش العظيم. وإذا تأملنا وسمحنا لأنفسنا وفتحنا الباب لعقلنا وفكرنا لأن يتعمق أكثر وتركنا القلب على فطرته وسجيته لكى يشهد ويتأمل فى هذه المعجزة الإلهية العظيمة لوجدناها معجزة تنطوى أيضا على كشف جزء من الغيب فى العالم الآخر لرسوله الكريم حيث كشف الله سبحانه وتعالى له السموات حيث تجاوزها سماء سماء، ورأى الأنبياء جميعا وصلى بهم إماما، وشاهد صورة الروح الأمين جبريل عليه السلام على صورته الملائكية التى خلقه الله عليها ثم وصل إلى سدرة المنتهى ورأى جنة المأوى. إن معجزة الإسراء و المعراج آية ربانية ودعوة إلهية تدعو القلب والعقل والفؤاد والجسد والروح والكيان الإنسانى كله إلى التأمل والتدبر والتبصر والتفكر… فإذا استجاب الإنسان لهذه الدعوة الإلهية خرج منها أكثر إيمانا بالله، وأشد خشوعا لله.. مملوءا بحب عظيم لله وللرسول الكريم شاهدا على عظمة الله، وقدرة الله، ووحدانية الله. د. ناهد الخراشى استشاري تدريب وتنمية وعلوم سلوكية واجتماعية