أزحت الغطاء استويت على الفراش،العرق يتصبب مني بغزارة رغم برودة الجو، أرق يتربص بي كعادته كلما أويت باكرا، استعدادا لامتحان أو لقاء ما.. غادرت غرفتي إلى قاعة الضيوف، تلمست طريقي في الظلام حتى لا أزعج أفراد أسرتي. طراااااااق...أي...ارتطمت بشيء ما.. .آه...إنها الطاولة التي تضع أمي فوقها إناء الزهور تزين به مدخل القاعة، تهشم و تطايرت شظاياه. جاءني صوتها حانقا: - ما هذا...؟ غمغمت و أنا أتحسس قدمي اليمنى: - لا ...لا شيء. فتحت النافذة أشعلت سيجارة، انشغلت عن هواجسي برهة أرقب دخانها يتصاعد بحذر يرسم أشكالا هلامية، لا تلبث طويلا حتى يبتلعها سواد الليل. عدت إلى فراشي، بألم في قدمي و موجة أخرى من الأوهام تكتسح فضاء غرفتي، أحاول النوم لكن عبثا.. انتصبت أمامي شبه عارية ،تسوي خصلات شعرها الذي تبعثر على حافة لحظات مجنونة: - دائما مستاء لكنك تبدو الآن مختلفا.. أتبعتها بضحكة طويلة و حركة لا تخلو من غنج،لم أشأ إثارة أي حديث بل انصرفت عنها أسترجع يوم لقائي بها.. الشاطئ شبه خالي.. كانت تسير أمامي وحيدة مررت بمحاذاتها، أحسست بحركة ندت عنها التفت إليها، راعني وجهها الطفولي تكسوه مسحة من الحزن ،اعترتني رغبة بمحادثتها بادرتها الكلام دون مقدمات: - إلى أين يا جميل..؟ تطلعت إلي و ابتسامة فاتنة تسبقها: - و أنت إلى أين؟ فوجئت بسرعة ردها أجبتها متصنعا الهدوء: - طبعا إلى المقهى..ألا ترافقينني.. ابتسمت بخجل وردت: - أرافقك، لكن لا تسيء الظن بي. جلسنا في المقهى و كلانا شوقا لمعرفة الآخر..تطلعت إلي و هي تحدثني: - مرعلي أكثر من شهر و أنا وحيدة بهذه المدينة، منذ التحقت بوظيفتي ككاتبة خاصة لمدير إدارة حكومية، أكتري شقة قريبة من عملي قلما أغادرها.. ساورتني شكوك في صدق كلامها و سرح خيالي بعيدا، أفقت منه بسؤالها: - إيه...من أنت؟ - أنا عاطل...أنهيت دراستي الجامعية، أعياني البحث عن العمل دون جدوى، سوء الحظ دائما يلازمني، لكنه غاب اليوم عندما رآك. انقلب حديثنا ضحكا، وكانت بداية للقاءات أخرى نستأنس ببعض.. أخبرتني يوما أن إدارتهم في حاجة لشخص بمثل مؤهلاتي،طلبت مني ملف ترشيحي سلمتها إياه متوسما خيرا هذه المرة. هذه الليلة طالت بعذابها النوم يجافني.. الهواجس تعبث بي.. الألم يخف تارة و يحتد تارة.. لم أفق إلا على صوت أمي غاضبا: - ما زلت نائما إنها العاشرة...كسرت الإناء و تركت شظاياه هنا وهناك، لا فائدة ترجى منك يا بني.. اعتذرت لكن صوتي غاب وسط صراخها، أردت الوقوف سقطت أرضا، التفتت إلي مذعورة: - ما بك يا بني..؟ أجبتها متحسرا: - ارتطمت بالطاولة وأصبت في قدمي. أدارت رأسها يمينا و يسارا كمن أضاع شيئا، وغمغمت بكلام لم أفهمه، ثم سلمتني بعد تردد نقودا لزيارة الطبيب. ما إن توجهت سيارة الأجرة في الطريق حتى رن هاتفي النقال، جاءني صوتها في الطرف الآخر متذمرا: - أين أنت..؟ إنها العاشرة الموعد مع التاسعة. أجبتها بصوت حزين: - ليس الأمر بيدي..لقد أصبت في قدمي و في طريقي إلى الطبيب. - ماذا.. ؟أعطيني العنوان. وجدتها تنتظرني أمام العيادة غاضبة،عيناها تلمعان بعدة أسئلة ،لم تخف حدتها حتى رأتني لا أستطيع المشي، تقدمت مني تأبطت ذراعي، أخبرتها بما وقع لي طمأنتي هي الأخرى بأنها طلبت من المدير تأجيل اللقاء إلى الغذ،ابتسمت في خجل و شكرتها على تعبها. دلفنا عند الطبيب المختص، بعد الفحص أخبرني أن لدي التواء بقدمي، تستلزم بعض الأدوية و راحة لمدة شهر حتى تشفى تماما. نظرنا إلى بعضنا في ذهول،أمسكت رأسي بين يداي أندب حظي العاثر، بينما صديقتي تغادر المكان دون وداعي...