لم يستطع الحبيب الجملي نيل الثقة لحكومته أمام مجلس نواب الشعبي رغم كل المفاوضات التي قادها حزب النهضة خلال الساعات الأيام الاخيرة، الأمر يعني أن صعوبة الاسلاميين في تونس مستمرة، وباتت التراجعات في القوة السياسية واضحة. ليس فقط في عدم الوصول إلى مقاعد انتخابية تؤمن موقعها التفاوضي بسهولة لتشكيل الحكومة، ولكن أيضا في عدم القدرة على إقناع أحزاب أخرى في المشاركة معها رغم أنها حاولت تقديم الجملي كمستقل، وقدمت اسماء وزارية قريبة منها دون أن تكون منخرطة مباشرة في العمل الحزبي. ويبدو أن النهضة أرادت في مرحلة تراجع قوتها ان تكون ذات تأثير في السلطات الثلاث: في رئيس دولة تقدم صورة للرأي العام انها داعمة له، وفي مجلس نواب الشعب بتقديم الغنوشي لقيادته، وفي رئيس الحكومة بتقديم الحبيب الجملي المنتمي لها. حسابات لأول مرة تبدو انها خاطئة لحزب النهضة التي أرادت أن تسيطر على كل السلطات في الدولة رغم تراجع قوتها وبان تلعب ورقة 'توافق يخفي نزوعات هيمنة' وهي تقدم مرشحين مدعومين من طرفها للوصول إلى السلطات المؤثرة في تونس. واليوم تدخل تونس اختبارا آخر سيكون لرئيس الدولة ،فالفصل 89 يفتح الباب أمام رئيس الدولة لبداية مشاورات في أجل عشرة أيام لتكليف الشخصية الأقدر لتكوين حكومة داخل أجل أقصاه شهر، وبذلك يدخل رئيس الدولة قيس سعيد أول اختبار لمقدراته التفاوضية وامكانيات تأسيسه للتوافق الذي ظل يصنعه الشيخان الغنوشي والسبسي منذ سنة 2014. فالرئيس الجديد أمام اختبار لاستعمال ادواته الدستورية الشرعية وادوات المشروعية المتمثلة في صفاته الشخصية ورمزيته والتمثلات السياسية التي أسس لها أثناء حملة الانتخابات وبعد فوزه بصفته الرجل القادر على إخراج تونس من الأزمة المؤسساتية. إنه امتحان صعب لو فشل فيه الرئيس ستكون تونس مضطرة للذهاب نحو انتخابات تشريعية جديدة، ومن المتوقع أن تتجه الأنظار إلى رئيس الدولة خلال الشهرين المقبلين قبل أن يذهب إلى حل مجلس نواب الشعب والدعوة إلى انتخابات جديدة في حالة عدم قدرته على إقناع الأحزاب السياسية والكتل النيابية على التوافق على رئيس حكومة جديد. ومن الواضح، أن تونس توجد في منعطف سياسي ومؤسساتي صعب نتيجة بداية انهيار التوازنات السابقة القديمة التي كانت مبنية على ديمقراطية تدار بالتوافق بين الشيخين الغنوشي والسبسي غاب عنها السبسي وبدا الغنوشي يضعف مع حزبه، ديمقراطية وصل فيها إلى السلطة رئيس دولة بدون حزب ومطلوب منه الآن قيادة مشاورات مع الفاعلين السياسيين لبناء توافق على رئيس حكومة، وفي حالة الفشل يجب الذهاب نحو انتخابات جديدة، وبذلك تدخل تونس حالة انتظار جديدة ستمتد ما بين الشهرين والستة أشهر. *رئيس المركز الأطلسي للدراسات الاستراتيجية والتحليل الأمني