يندرج فيلم « للا تاوعلات » للمخرج « مسعود بوكرن » ضمن خانة الأفلام التاريخية الدينية، ويعتبر أول فيلم أمازيغي جمع بين تيمتي التاريخ والدين، هذا إذا استثنينا الفيلم التلفزي المدعم « أخي طارق » لمخرجه عبد الله العبدلاوي. » للا تاعلات » أو » للا تاوعلات » كما يحلوا لمريديها أن يسموها، قصة حقيقية مقتبسة من عبق التاريخ الأمازيغي والمغربي عموما، حبكها مخرجها وكاتب السيناريو « مسعود بوكرن » في قالب درامي فني ممزوج باللغة السردية الواصفة لعوالم استعصت عليه لطابعها الفانتازي والميتافيزيقي، باعتبار البركات والمواقف التي عُرفت بها الشخصية البطلة في زمانها. استطاع المخرج أن يحبك قصة شخصية مأثور عليها زهدها وولعها وتقواها وشدة إيمانها بالله عز وجل، عبر متتاليات من الأحداث المندمجة بعضها ببعض، والمتشابكة في ما بينها من خلال صراعات ثنائية تارة، وأخرى ثلاثية ليقربنا من عالمها، بعيدا عن التصنيع الفنتازي لها. هي مقاربة تمتح من التاريخ، والدارس للتاريخ يعلم يقينا أن المشتغل على هذا النوع من التيمات يفتح نافذة واسعة للنقد، ويحيط نفسه بعدة تساؤلات، منها السؤال البديهي: ما مدى مصداقية وملاءمة قصة الفيلم للوقائع الحقيقية التي توارثتها الأجيال؟، أو ماهي مصادر السيناريست المعتمدة؟، علما أن ما كتب عن « تاعلات » تاريخيا لا وجود له عن المستوى التوثيقي كما صرح المخرج نفسه في إحدى لقاءاته الإذاعية، لتبقى الرواية الشفوية هي سيدة الموقف، هذا المجال سنتركه لذوي الإختصاص. تيمة الصراع تنطبع تيمة الصراع داخل الفيلم لتشكل النمط المتتالي والمستمر عبر الأحداث، وتصور عالم « للا تاعلات » من خلال صراعات ثنائية، يطبعها الكره والحقد والرغبة في الإمتلاك والتملك، من خلال الشخصيات الفيلمية، ونخص بالذكر العلاقة (الصراع الرئيس بين « أمغار » و »فضيلة ») التي تتشكل من خلالها الرغبة الجامحة لأمغار (رمز السلطة) في حبه للتملك والقوة االجاه، باعتبار زوجها الغائب عن الديار لسنوات، وامتلاكها لأموال لا تجد مفتاحها سوى عن طريق « أمغار » الطامع في استغلالها والزواج منها لاحتواء الإثنين، إلا أن تودده المدفون لها يقابَل بكثير من الرفض الصارخ، والرغبة في الخلاص من طرف « فضيلة »، هذه الأخيرة التي استسلمت للأمر الواقع، وعبرت عن رفضها لتجاوزات الرمز السلطوي برحيلها عن القرية. يخوض « أمغار » صراعات متعددة في القبيلة (إيالته الحكمية) عبر قناة السلطة بمعية خادمة الماكر، ووسيلته في ارتكاب الجرائم، يتجلى ذلك من خلال صراعه مع الفقيه (سيدي الطاهر)، الشخصية المتزنة، والتي تحقق النقطة الوسطية والتوازن داخل الفيلم، يتجلى هذا الصراع من خلال ثبات الفقيه على الحق، وعدم الإرتكان إلى « أمغار »، مما شكل نقطة القطيعة بينهما، وعدم الدخول ضمن دائرة الائتمان بينهما، هو صراع غير نمطي لكون أمغار غالبا ما يؤثر على السلطة الدينية من خلال محاولات إغراء وإحتواء الفقيه الشيء الذي لم يتحقق، وأصبح بؤرة النزاع بين الطرفين. انخرط » أمغار » في صراع مع « للا تاعلات » التي يكن لها كرها شديدا لتمردها عليه، وخروجها عن منطقته السلطوية، والتي واجهت تجاوزاته بالعمل على تمريغ سلطته في التراب، بدفاعها المستميت عن الحق ولو كان على حسابها. إن الرغبة الجامحة لأمغار في التخلص من بطلة الفيلم كقوة دينية حاضرة مشكلة للإطار الزمني، وصلت في أقصى درجاتها حد الرغبة في القتل، لتحقيق الخلاص النفسي والروحي، إلا أنه لا ينفك أن يستسلم بدوره في النهاية لما اعتقد أنه مجرد عاصفة موسمية، وهنا نرى المخرخ لا يزال متمسكا بفكرة سَبَق وأن عالجها في عمله الأخير، وهي أن الزمن كفيل بالإنتقام، ورد الإعتبار للمظلومين. يتعدد الصراع داخل الفيلم، ويتفنن في حبك الشخصيات لينتقل من صراع التملك والقوة والرغبة في الإحتواء المطبوع بكثير من الأنانية وحب الذات، إلى صراع تغلفه الغيره والحب الأعمى، من خلال المواجهات القائمة بين الزوجة الثانية ل »بوزكري » (زوج تاعلات)، وبين » تاعلات » البطلة، هنا يتجسد حب المرأة السادي لزوجها، ونبذ كل مقومات التعايش مع الضرة التي استنكفت الانخراط في هذا الصراع، وتعاملت معه بكثيرمن الحكمة والعقلانية، منطلقة من فهمها الصوفي للحياة، في الوقت الذي انحاز فيه « بوزكري » نحو الضرة، وترك الصراع قائما أمام عينيه، متلذذا ثارة، وتارة محايدا ومتتبعا سلبيا لوقائع الأحداث. تتطور الأحداث بشكل تراتبي بين « تاعلات » وزوجها وضرتها، لتبدو فيه البطلة محققة التوازن العائلي، نزولا عند رغبة زوجها الراغب في الحصول على الأولاد، وهو ما جعل الضرة تفسح له المجال في التعدد، ومع ذلك أذاقت الويلات للزائرة الجديدة التي لم يصدر منها أي رد معاكس، سوى الدعاء لها بالهداية ، متمسكة بما كان يقابل به الرسول صلى الله عليه وسلم تصرفات عشيرته بقوله: « اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون ». تظهر شخصية « بوزكري » سلبية إلى حد ما، خصوصا في تعامله مع البطلة، شخصية تشوبها حالة التذمر، حائرة، تائهة ومتذبذبة بين الضرتين، وضعف بنيته الشخوصية جعله يظهر بشكل سلبي، ولا يحقق أية غاية ذكورية سوى أنه زوج، انتهت حاله وحال زوجته الثانية بالندم والتحسر على ما أقدما عليه تجاه « تاعلات »، ويتجلى ذلك من خلال رغبتهما الجامحة في الإعتذار لها، خصوصا بعد ما أكد فقهاء وعلماء عصرها ولايتها. الصراع والرمز للصراع آفاق متعددة داخل الفيلم، يتشكل ملمحا ظاهرا باعتباره التيمة الطاغية، ويتخذ أبعادا سيكولوجية، وأخرى بنيوية وإديولوجية، بالرغم من التوحد الظاهر في العقيدة. « تاعلات » الدالة على الخير والإيمان، و »توشكا » المشعوذة المجسدة لكل معالم الشر داخل المظومة المجتمعية، هذه الأخيرة التي نادرا ما تظهر، إلا أنها حاضرة رمزيا بقوة، وتفرض سلتطها داخل القبيلة من خلال طبيعة مريديها ووضعيتهم الإجتماعية، خصوصا « أمغار » الذي يعتبر أهم زبنائها، الحامل لدلالة واضحة تبرز السلطة التقديرية والتشريعية، والتي تبدو عليها سمة العلاقات الصورية، مما جعلها تمنح المتحكم والمسير لمجرياتها صفة باهتة يظهر عليها الضعف الذي يقابل القوة، كما تبدو السلطة العليا ظاهرة بيد « توشكا » باعتبارها القوة القاهرة للسلطة المركزية في صورة إيحائية رمزية أخرى، تكشف عن أنواع الصراعات التي بنيت عليه مادة الفيلم الأساسية. أما الطرف الثاني في هذا الصراع فهو متمثل في شخصية « تاعلات » البطلة، شخصية متكاملة ، دالة على الخير كله ، والحكمة ، تتصف بصفات الزهاد والوراع والثقاة ، تتصارع في حرب باردة مع « توشكا » ، أعتبر شخصيا هذا الصراع بين الشخصيتين الحاملتين لأبعاد ودلالات رمزية لم يأخذ طابع المباشرة والمواجهة ، صراع مألوف داخل المجتمعات القروية ، حيث يرتكن الجميع لأحكام الفقهاء والشيوخ بتعليمات من المشعودين والدجالين في نفاق مجتمعي ينخرط فيه أغلب الناس طواعية وكأنه الواقع الحقيقي . لم ينخرط المخرج أو السيناريست في دهاليز هذه اللعبة ، بل باعد إلي حد كبير بين الشخصيتين بقوة في الفيلم ولم يجعل بينهما حوارا مباشرا، ولهذا البعد دلالته الخاصة، وظل الصراع قائما بينهما من خلال علاقات كل منهما بالمريدين، أجد في هذا الطرح نوعا من التعالي من طرف المخرج في العلاقة بينهما، خصوصا وأن الفيلم يمتح من الدين الذي يحارب المعتقدات والمشعوذين والمبتدعين. صراع « توشكا » و « تاعلات » ظل متقزما، ولم يأخد الحيز الكبير في الفيلم، بالرغم من حضور الشخصيتين بقوة. صراع لم تكتب له نهاية، وانكسر مع توالي الأحداث تدريجيا، حتى أننا لم نحس به، خصوصا أن المخرج ركز في الأخير على الحالة النفسية للبطلة لحظة الإحتضار. إن الباحث في التاريخ يدرك يقينا أن الولية الصالحة « تاعلات » مأثور عليها أقاويل يعجز القلب عن تصديقها، وما يزكي ذلك أن عددا من الفقهاء والشيوخ والعلماء المغاربة أكدوا حضورها الولاياتي، واعتبروها ولية صالحة زاهدة متعبدة، ما يضفي عليها مصداقية الأولياء، والإشتغال على مثل هذه المواضيع المتسمة بالغيبيات والفنتازيات أخضع المخرج إلى إكثارالسرد والوصف والحكي المصبوغ بالتخيل لإيصال عوالم الولية للمتلقي، وفي ذلك قتل لملكة التحليل لدى المشاهد، وبالتالي تجعل الفيلم يميل إلي رتابة القول مقابل قوة الصورة التي تعتمد عليها السينما.