» أليلي » حالة درامية تستدعي التأمل قبل الحكم. في سابقة من نوعها بالمسرح الناطق بالأمازيغية لبس الركح ثوب الأنوثة. فمسرحية « أليلي « ، دخلت تاريخ المسرح الأمازيغي باعتبارها أول مسرحية من تشخيص ممثلتين بعيدا عن عناد الرجال، في موضوع يحاسبن فيه الرجل عن نتائج أفعاله في الوقت الذي يحاكم فيه المجتمع المرأة على أنها أساس المشكل. هي مسرحية تعالج مواضيع مسكوت عنها اجتماعيا ، بل لا يقبل حتى أن يسمع عنها لأنها تعتبر من الطابوهات الأخلاقية بالثقافة الأمازيغية. فقد استطاعت فرقة دراميديا أن تفتح الباب على مصراعيه من خلال استفزاز المتلقي عبر نص يحمل الكثير من الإحاءات الدالة، اقتحمت الحدود ثارة بلغة سلسة مباشرة و أخرى عن طريق الرمز الذي أكسبها قوة المعنى في ثوب تيفيناغ الفضفاض ، مستعينة بثقنية الرجوع أو الخط المعكوس للأحداث، لكونها انتهت من النقطة التي ابتدأت منها ليعيدنا المخرج في دائرة حلزونية يتخبط فيها المجتمع و لم يسطِع الإنفلات منها أو البوح بها حتى تتم عملية الخلاص. هذ الأخير المفقود في لعبة الفرجة ، لأن الجمهور يجد نفسه في لعبة مع الزمن الذي يسبح به أفقيا و عموديا و يتيه معه من أجل الخلاص الذي يفقده في الأخير ، بكل بساطة لأن الحكي حلزونيا و في دائرة، يجعله يتيه وسط اللاحل للمشكل المطروح. موضوع مسرحية « أليلي » جدليا مترصب في الذاكرة ، و يستعصي الحديث عنه لأنه مرتبط بمصير الآخر » الأنثى ». ما يجعل الإشتغال عليه يتطلب الكثير من الجرأة و التحدي للفكر المتراكم قصرا في الذهنية المجتمعية. فقضية عذرية الفتاة هو موضوع شائك يتطلب الكثير من التفكير و التنقيح و البحث في المعجم اللغوي لتيفيناغ لإيجاد كلمات تصيب الهدف دون ما حرج أو زيغ عن المعنى ، و تطرح جملة من الأسئلة حول أصل إنتساب تهمة فقدان العذرية للرجل أم للمرأة؟ و مَن المفروض أن يحاكم ، الرجل أو المرأة ؟ هي أسئلة و أخرى جريئة تبحث في مواضيع دفينة لتنخر فيها و تطرحها المسرحية لتزعزع مُدرَكات المتفرج حول الثقافة المكتسبة فينا. اعتمدت مسرحية » أليلي » لغة بسيطة في المنطوق و اسعة المعنى ، حاملة بين ثناياها بحرا من الإيحاءت و الرموز المترسخة في الذاكرة الشعبية ما يجعل خطابها بعيدا عن التصنع و التكلف اللغوي ، غير معقد و يسهل اختراقه و ايصاله إلى اذن المتلقي بدون عبء . هو نص إذا موجه لعموم الناس لا خاصته ، لتتوسع رقعة الحكي فيه و تشمل شريحة واسعة من الجمهور ، تمزج بين وضوح المعنى في عمومه و غموض قد لا يفك خيوطه إلا مبصر في اللغة و الصورة ، كما جاءت في غيرها مستفزة و مباشرة في محاولة جادة من اجل التفكيك و إعادة التركيب ، و فتح المجال أمام الجمهور ليعيد التفكير في أمور يتداولها يوميا و لا يجد القوة للحسم فيها. يتخذ الزمن في مسرحية « أليلي » دورا رئيسا و حاضرا بقوة اللعب و الإكسسوارات. يسافر بين الحاضر و الماضي ليزاحم المستقبل بخيوط من الأمل الواهية على أمل أن يتحقق فعل تغيير العقلية لفك الحصار الثقافي و المجتمعي حول المراة ، باعتبارها تصارع ذاتها من أجل البقاء و إثبات العذرية المتشاركة اجتماعيا مع كل الاجناس. يحضر الزمن في المسرحية طويل لا ينتهي إذ ارتبط اكسسواريا بالثوب الأحمر الذي تنطلق منه الحكاية لتسبح في الزمن و يُسترسَل الحديث من جديد. هذا الثوب الأحمر الذي يخرج من صندوق زمن الماضي ليدخل الزمن الحاضر في إيحاء جميل مستساغ و محبوك يدل على مدلولات كثيرة باعتبار اللون الأحمر دال على العنف و الإضطهاد و اللاحياة و الأمل في ذات الوقت، تتغزل به الممثلة لتأكد ارتباطها بالزمن و لتخيط الحاضر بالماضي في أهات تنبع من رحم الألم المتبطن في عذريتها. يتجلى فضاء اللعب داخل مسرحية « أليلي » فقيرا من حيث تأثيث الفضاء ، متقزما منحصرا و متكمشا على ذاته إلا من خلال صندوق ميتم ، منه تنطلق أحداث المسرحية و منه تتشابك الخيوط ليكون حلقة الوصل بين الممثلين ثارة و بين الزمن المستوحش في ذهنية الممثلين ، أكسبته أجسادهن الأنثوية روحا و حياة طبعها التدرج في الأحاسيس و المشاعر لتُبعث الروح في الإكسسوارات و تُسكنها روح الرجل حتى يتسنى لها محاورتها و اللعب معها أو ضدها. هو فضاء جامد يتلون بالحكي أكثر و يتجدد داخل مخيلة الممثلين ما يجعل إمكانية السفر عبر الزمن لا تدرك بالصورة ما يستوجب على الجمهور استحضار قوة التركيز كي لا يزيغ سمعه و بصره عن كلمة تُسقطه في فضاء غير الفضاء المحكي، و بالتالي فالمستبصر للمسرح هو القادر على أن يلتقط الإشارات التي بها يفك العلاقة الجدلية بين الفضاء و الزمن داخل المسرحية. إن ما يجعل مسرحية « أليلي » تحقق أهدافها و نجاحها ، كونها أول مسرحية ناطقة بالامازيغية بممثلتين من جنس النسوة » الزاهية الزهيري » و زهرة المهبول »، وهذا في حد ذاته يتطلب الكثير من الجرأة باعتبار المسرح الناطق بالأمازيغية يتوفر على طاقات هائلة انساقت إلى السينما و التلفزيون و ابتعدت كليا عن المسرح لأسباب نعلمها جميعا. هذا الإختيار تجسد ملمحا على خشبة المسرح، حيث انغمسن في اللعبة المسرحية في محاولة جادة للسفر بالذاكرة عبر حبل الزمن الواهن ، و قد كان بالإمكان إشراك ذاتية الرجل لأنه المستهدف المباشر و الوحيد في موضوع المسرحية ، لذا اعتمد المخرج » ابو بكر أوملي » على الرمز المباشر للدلالة عنه و أحيان كثيرة عمد إلى قوة اللفظ و المعنى ، كما أشرك الجمهور في ذات الرجل و وجه له خطابات مباشرة دالة على ذكوريته المتسلطة لإشراكه في اللعبة المسرحية . كما استلهم من طاقات الممثلثين لتجسد دور الرجل بأنثوية في صورة واضحة على أن أصل الذكورة هو الأنوثة و أنه لا ذكورة بعيدا عن الأنوثة ، هي إذا جدلية الصراع بين بين، و بذلك ، تكون المسرحية تخاطب الأنا المذكرة فينا من خلال محاكمة صورية للرجل الذي هو أساس الصراع المفتعل بين الرجل و المرأة حيث انزاح المخرج و بشدة للمرأة و تفاعل مع قضيتها بالرغم من ذكوريته المتسلطة ، ليجعلنا أمام إكراه من نصدق، و من نحاكم، المخرج في تصوره ، أو الممثلثين تحت عامل الأداء، و النتيجة في الأخيرعمل جيد بالرغم من قصور الإمكانيات المادية التي تظهر جليا على الركح من خلال الديكور. هي تجربة لا بد من التنويه بها ، لاعتبارها أول عمل مسرحي نسائي محض ناطق باللغة الأمازيغية اتخذت موضوعا جريئا قل ما نوقش على الركح. فهي بذلك حالة درامية تستدعي التأمل قبل الحكم.