دافع والي بنك المغرب عبد اللطيف الجواهري، ووزير الاقتصاد والمالية محمد بوسعيد، زوال اليوم الأربعاء، عن قرار المغرب بإصلاح نظام الصرف أو ما أصبح يعرف عند عموم المغاربة ب »تعويم الدرهم »، وهو الوصف الذي يرفضه الجواهري بشكل مطلق، مشدداً على أن المملكة قامت بما أسماه « تليين » الدرهم. وخلال دفاعه عن القرار، وصف والي بنك المغرب قرار الحكومة ب »الرجل الذي يرغب في الزواج »، في إشارة إلى رغبة المغرب في تحرير شامل لنظام الصرف مستقبلا، و « ما قام به اليوم ما هو إلى « رشيم » (اختيار الزوجة المستقبلية)، ولم يصل بعد إلى مراحل الخطوبة وقراءة الفاتحة وضريب الصداق وأخيراً حفل الزفاف »، وهو التشبيه الذي جعل الحاضرين للندوة ينفجرون بالضحك. 1 تليين أم « تعويم » للدرهم ظل والي بنك المغرب طيلة ندوة اليوم، يناشد من حضرها على المساهمة في القطع نهائياً مع مصطلح « تعويم » الدرهم، وصاح الجواهري أكثر من مرة في الحضور « الله يرحم والديكم عونونا تفهم الناس أنه ماشي تعويم للدرهم ». وأشار المتحدث ذاته ساخراً إلى ما وصله من صور على تطبيقات التواصل الفوري، وقال في هذا الصدد: « راه ما عطيناش للكسال الدرهم كلو يعومو كيف ما بغا، هدشي باقي ما وصلناش ليه ». وأوضح الجواهري، أن المصطلح الأكثر دقة هو « تليين » الدرهم ، وليس « التعويم » ولا « التحرير ». 2 دوافع داخلية للقرار تحدث كل من بوسعيد والجواهري، عن دوافع أملاها المحيط الداخلي لاتخاذ قرار اعتماد نظام صرف جديد، وأوردا من بينها، أنه خلال العشر سنوات الأخيرة، « تحسنت جميع مؤشرات التوازنات الماكرو اقتصادية للمملكة »، وربط المسؤولون هذا التحسن ب »التحكم في التضخم في مستوى يقل عن 2 في المائة، وعجز الميزانية في ناقص 3.6 في المائة، وعجز الحساب الجاري في ناقص 4.3 في المائة. مع تسجيل ارتفاع مستوى احتياطيات الصرف إلى ما يعادل 5 أشهر و27 يوماً من الواردات في المتوسط إلى جانب متانة القطاع البنكي وقدرته على مواجهة الصدمات التي أكدها تقرير برنامج تقييم القطاع المالي لسنة 2005 ». لكن تبقى أبرز الدوافع التي وردت في وثيقة بنك المغرب للدفاع عن القرار، والتي تتضمن خلاصات الاجتماع المشترك بين لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب، ولجنة المالية والتخطيط والتنمية والاقتصاد بمجلس المستشارين، بالإضافة إلى مرافعة كل من بوسعيد والجواهري، هي اعتماد المكتب الشريف للفوسفاط لاستراتيجية جديدة تهدف إلى تقوية دوره على الساحة الدولية كصانع للسوق، وتطور الصادرات المرتبطة بالمهن العالمية الجديدة للمغرب، وجعل القطب المالي للدار البيضاء مركزا ماليا إقليمياً، فضلاً عن الاستراتيجية الإفريقية للمغرب التي تندرج في إطار إعادة بناء العلاقات جنوب/جنوب على أساس رابح/رابح. 3 دوافع خارجية للقرار ومن بين ما طرحه والي بنك المغرب ووزير الاقتصاد والمالية، كدوافع أملاها المحيط الخارجي لاتخاذ القرار، أبرزها، زيادة حدة تلقب الأسواق، خاصة بعد العام 2007، ونهج سياسات صرف تنافسية، بالإضافة إلى تزايد حجم التدفقات المالية العابرة للحدود وتصاعد حدة تقلبها، فضلاً عن تشكيل تكتلات ومناطق اقتصادية كبرى. 4 هل سترتفع أسعار المنتجات؟ لم يستبعد كل من بوسعيد والجواهري ارتفاع عدد من أسعار المواد الاستهلاكية التي يستوردها المغرب من الخارج، لكنهما ربطا ذلك بتراجع الدرهم إلى نسبة 2.5 في المائة أمام كل من الدولار والأورو، وأوضحا أن هذا التراجع في حده الأقصى كما حددته الحكومة، سوف تترتب عنه زيادة لا تتجاوز سقف ال5 في المائة. في السياق، تحدثت وثيقة دفوعات بنك المغرب عن صواب قرار الحكومة، مشيرة إلى أن السيناريوهات التي أعدها البنك ووزارة الاقتصاد والمالية، بناء على المعطيات المتوفرة، تبرز أنه على أساس فرضية انخفاض قيمة الدرهم قصوى قدرها 2.5 في المائة، سوف يتأثر النمو الاقتصادي المغربي في سنة 2018 إيجابيا بمعدل يصل إلى 0.2 في المائة. أما بالنسبة للتضخم، يقدر التأثير الأقصى بزيادة قدرها 0.4 في المائة، علما أن سيناريو التضخم خلال سنة 2018، حسب نفس المصدر، يشير إلى معدل 2 في المائة. 5 أسعار المحروقات وفي ما يتعلق بأسعار الوقود، أفرزت خلاصة ندوة اليوم، ونتائج دراسة تأثير نتائج إصلاح نظام الصرف على الاقتصاد والقدرة الشرائية، أن انخفاض قيمة الدرهم مقابل الدولار بنسبة قصوى قدرها 2.5 في المائة، من شأنه أن يؤدي إلى زيادة في أسعار الغازوال بنسبة 1.6 في المائة، أي إذا كان سعره في محطات الوقود مثلاً هو 9.6 درهماً للتر، فإن ثمنه سيرتفع بمقدار 0.15 للتر، أي أنه سوف يصل إلى 9.75 درهماً للتر. 6 لماذا لم يطرح القرار على البرلمان « أهل الميت صبروا والعزيا كفروا »، هكذا وصف الجواهري، حال من انتقدوا عدم مرور قرار إصلاح نظام الصرف عبر البرلمان المغربي بغرفتيه قبل اعتماده، وكشف أن البرلمانيين والمستشارين لم يطرحوا هذا الاشكال اطلاقاً. وأشهر الجواهري القانون رقم 76.03 المتعلق بالقانون الأساسي لبنك المغرب في الدفاع عن قرار عدم مرور إصلاح نظام الصرف عبر البرلمان، وينص القانون المذكور في المادة ال8، على أنه « يتولى البنك تحديد قيمة الدرهم مقابل العملات الأجنبية في إطار نظام الصرف وسعر تعادل الدرهم، المحددين بمقتضى نص تنظيمي ». كما أورد الجواهري في حديثه، الإشارة إلى المرسوم رقم 2.06.267 المتعلق بتنفيذ القانون رقم 76.03، والذي يتحدث في المادة 2 منه، على أن « نظام الصرف كذا سعر تعادل الدرهم يحددان بقرار للوزير المكلف بالمالية بعد استطلاع رأي بنك المغرب ». وعن دور مكتب الصرف، يشير الظهير الشريف الصادر في 22 يناير 1958 والقاضي بإنشاء المكتب، إلى أن الأخير « يسن التدابير المتعلقة بتنظيم الصرف من خلال الدورية العامة لعمليات الصرف ويتولى إعداد الإحصائيات المتعلقة بالمبادلات الخارجية وميزان الأداءات ». 7 « قرار سيادي » ومن بين ما ترافع حوله بوسعيد والجواهري كذلك، الدفع بأن قرار إصلاح نظام الصرف المغربي « سيادي ». في هذا الصدد، أجمع والي بنك المغرب ووزير الاقتصاد المالية، على أن « الأمر يتعلق بقرار سيادي من إرادة السلطات، تم الإعداد له بالتنسيق بين الحكومة، ممثلة في وزارة بوسعيد وبنك المغرب ». وأوردت وثيقة الترافع على القرار، أن « الدليل هو أن صندوق النقد الدولي ما فتئ يثير باستمرار مسألة إصلاح نظام الصرف خلال المشاورات السنوية برسم المادة 4 منذ سنة 1998″، دون الأخذ بمشورته حسب ما هو بارز من نتائج وعدم اتخاذ القرار منذ ذلك التاريخ. وتحدثت الوثيقة كذلك، عن أن البنك الدولي أشار إلى مسألة الإصلاح منذ منتصف التسعينيات كذا في مذكرته الاقتصادية حول المغرب لسنة 2006. وقال الجواهري في هذا الصدد، إنه قبل تقديم رأي بنك المغرب « أخذنا الوقت اللازم لإنجاز الدراسات والتحليلات الضرورية والاطلاع على التجارب المرجعية، كذا تقييم تأثير الإصلاح على الاقتصاد المغربي والقدرة الشرائية للمواطنين، بالتنسيق مع وزارة الاقتصاد والمالية ». وشدد على أنهم « لم يشرعوا في التحضير لاعتماد نظام الصرف الجديد إلا بعد أن تأكدنا من استفاء كافة المتطلبات ». وخلصت الندوة حسب بوسعيد والجواهري إلى أن إصلاح نظام سعر الصرف، « لم يفرض من طرف أية مؤسسة مالية دولية ولم يتخذ تحت أي ضغط لأزمة صرف كما حدث في عدة بلدان كانت مجبرة على الانتقال مباشرة إلى التعويم مع تنفيذ برنامج إصلاحي بتوجيه من صندوق النقد الدولي الذي يفرض شروطاً صارمة تهم على الخصوص إصلاح وضعية المالية العمومية وتحرير الاقتصاد ». 8 المغرب لا يشبه مصر وإن لم يشر إليها صراحة، إلا أنه لمح إلى أن المصريين تواصلوا مع المسؤولين المغاربة، وطلبوا منهم « عدم الاستمرار في إدراج بلادهم كمثال على أن المملكة لا تشبه الجمهورية من حيث إصلاح نظام الصرف »، وقال الجواهري في هذا الصدد حرفياً « نحن لا نشبه تلك الدولة، واخة راهم تقلقو منا لأننا نقدم المثال بهم ». وأشارت وثيقة خلاصات اجتماع والي بنك المغرب ووزير الاقتصاد والمالية مع لجنتي المالية في كل من مجلسي النواب والمستشارين، إلى أن « بلدانا اختارت الانتقال طوعا وبطريقة تدريجية إلى نظام الصرف العائم، لكن يبقى عددها محدودا، واستمرت مدة الانتقال بين 5 و15 سنة، حسب وضعية كل بلد ». أما بالنسبة للمغرب، فتحدثت الوثيقة ذاتها، عن أن « القرار الذي اتخذته الحكومة يقضي بزيادة نطاق تقلب الدرهم مع الإبقاء على سلة العملات، ولم يسبق للملكة أن وقعت أي اتفاقية مشروطة مع المؤسسات المالية الدولية تهم قرار إصلاح نظام سعر الصرف ». 9 الطريق نحو تعويم الدرهم لم يخفي كل من بوسعيد والجواهري أن المغرب متجه نحو تعويم الدرهم، دون أن يكشفا بشكل صريح ما يعده المغرب لهذا القرار وهل هناك دراسة أو نقاش حوله داخل مؤسسات الدولة، واكتفى وزير الاقتصاد والمالية بالقول: « المهم هو أن نستطيع تطوير القطاع الصناعي لأنه هو الأهم. الحديث عن 5 أو 15 سنة يبقى نسبيا لاتخاذ قرار تعويم الدرهم، يمكن أن يكون القرار قبل ذلك أو بعده ». 10 التواصل والتحسيس بالقرار وأوضح الجواهري أنه قبل اتخاذ هذا القرار المالي، وضع بنك المغرب خطة للتواصل والتحسيس حول قرار « تليين » الدرهم، تهم بالدرجة الأولى المؤسسات والمقاولات العمومية التي تتوفر على مديونية خارجية مهمة، المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، شركة الطرق السيارة للمغرب، الوكالة المغربية للطاقة المستدامة، المكتب الشريف للفوسفاط، وشركة الخطوط الملكية المغربية، وتم التواصل مع هذه المؤسسات يومي 23 نونبر 2016 و28 دجنبر 2016. كما تواصل البنك مع الاتحاد العام لمقاولات المغرب والفدراليات القطاعية، حول نفس الموضوع أيام 20 أكتوبر 2016، و14 و28 فبراير 2017. فضلاً عن شركات البورصة وشركات التدبير والاستثمار في رؤوس الأموال يوم 31 ماي 2017 ومكتب الصرف يوم 24 مارس 2017، والغرق التجارية والمستشارين والاقتصاديين والاتحاد الأوروبي يومي 22 مارس و22 ماي 2017. إلى ذلك، تم تنظيم حملة تحسيسية لفائدة المغاربة المقيمين بالخارج في كل من باريس ومدريد وبروكسيل أيام 23 و29 و30 يونيو 2017. وفي ما يخص رجال الإعلام والصحافة، تحدث بنك المغرب عن أنه نظم ثلاث ورشات لفائدتهم يومي 13 و14 فبراير 2017. وعن ما يتعلق بالتواصل والتحسيس مع عموم المواطنين، قال بنك المغرب، إنه أعد شريط فيديو بالعربية والأمازيغية والفرنسية والإنجليزية حول نظام الصرف، نشره على قناته في موقع « يوتوب » شهر يونيو 2017، كما قام بتقديم عرض حول الموضوع لفائدة النقابيين شهر نونبر 2017.