شدد محمد بوسعيد، وزير الاقتصاد والمالية، أن تقلبات العملات خلال ثلاثة أيام الأولى التي أعقبت انطلاق إصلاح النظام المالي، أكدت ثقة الأسواق المالية في الاقتصاد المغربي والأسس التي بني عليها والإصلاحات المتينة التي تميزه. وبدا بوسعيد الذي كان يتحدث في ندوة صحفية عقدت الخميس المنصرم بالرباط، لطمأنة المواطنين والمستهلكين بخصوص "تحرير" الدرهم، متفائلا بمستقبل هذه العملية طالما أن البداية كانت مطمئنة، موضحا أن سعر عملة الدرهم متوازن مع سعره الفعلي وهذه إشارة سياسية مهمة. ووصف محمد بوسعيد، وزير الاقتصاد والمالية إصلاح نظام الصرف بالقرار المهم، موضحا أن الأمر يتعلق باعتماد نظام صرف مرن وليس "تعويما" كما هو متداول حاليا. وزاد موضحا أن الأمر يتعلق بنظام سعر الصرف الثابت مع إدخال بعض المرونة محددة في تقلب يعادل أو يقل عن 2.5 في المائة صعودا أو نزولا، أي ربط العملة الوطنية بعملة أجنبية أو سلة من العملات، في نطاق تقلب يقل عن محدد، وتكون هناك بطبيعة الحال تدخلات مباشرة أو غير مباشرة في السوق من طرف البنك المركزي. وأضاف الوزير أن هذا الورش انطلق منذ سنة 2010، وأن اتخاذ هذا الإجراء لم يتم إملاؤه من أي جهة كانت، بل هو قرار سيادي وإرادي تم الإعداد له بالتنسيق بين الحكومة، ممثلة في وزارة الاقتصاد والمالية، وبنك المغرب. واعتبر بوسعيد أن السياسات النقدية في كل الاقتصادات العالمية عليها مواكبة سياسات تعزيز جاذبية وتنافسية الاقتصاد وتقوية مناعته ضد الصدمات الخارجية، وهذا ما قام به المغرب، وأردف قائلا "لوكان هذا القرار سيلحق ضررا باقتصاد بلادنا فلن نتخذه أبدا، ولكنه عكس ذلك يتوافق مع الإصلاحات التي ينهجها المغرب ويتماشى مع المبادرات المتخذة للالتحاق بمصاف الدول الصاعدة". عبد اللطيف الجواهري، والي بنك المغرب تطرق في مداخلته خلال هذا اللقاء إلى النقط التي استأثرت باهتمام الرأي العام، مشيرا إلى أن هذا اٌصلاح يتعلق بنظام سعر الصرف الثابت وليس بالتعويم، مستندا إلى التصنيفات المعتمدة من قبل صندوق النقد الدولي. وأكد الجواهري أن المرور إلى مرحلة طرح الدرهم لمبدأ العرض والطلب ربما ستكون ممكنة بعد 15 سنة، وأن المرحلة الحالية المتعلقة بالتليين المتحكم فيه ستستمر لمدة خمس سنوات أو أكثر ضمانة لمناعة وصمود اقتصاد المغرب أمام الصدمات المالية الخارجية. وحول تأثير هذا الإصلاح على الاقتصاد والقدرة الشرائية للمواطنين، أفاد الجواهري أن السيناريوهات التي أعدها كل من بنك المغرب ووزارة الاقتصاد والمالية، بناء على المعطيات المتوفرة وعلى أساس فرضيات انخفاض الدرهم بنسبة قصوى قدرها 2.5 في المائة، إلى أن التأثير هذا الإصلاح على النمو في سنة 2018 سيكون إيجابيا وسيصل إلى زائد 0.2 في المائة. وبالنسبة للتضخم، قدر التأثير الأقصى بزيادة بنسبة 0.4 في المائة، إذ يشير السيناريو إلى بلوغ نسبة التضخم في 2018 معدل 2 في المائة بل 1.9 في المائة. وفي ما يتعلق بأسعار الوقود على وجه الخصوص، فإن انخفاض قيمة الدرهم مقابل الدولار بنسبة قصوى قدرها 2.5 في المائة، من شأنه أن يؤدي إلى زيادة أسعار الغازوال بنسبة 1.6 في المائة، أي إذا كان سعر الغازوال مثلا هو 9.6 دراهم للتر، فإن ثمنه سيرتفع بمقدار 0.15 ليصل إلى 9.75 دراهم للتر الواحد. واستحضر والي بنك المغرب التقلبات التي شهدها الدرهم خلال 2017، موضحا أنها ارتفعت بمعدل 7.5 في المائة أمام الدولار وانخفضت ب 5.1 في المائة أمام الأورو، حيث ارتفعت الواردات بالأورو ب 5 في المائة. وأعلن الجواهري أن المغرب يتوفر على احتياطي من العملة مدته 6 أشهر، أي ما يعادل 240 مليار درهم، معتبرا أن حاجيات البنوك تبلغ يوميا حوالي 8 ملايين دولار. وأبرزت مداخلات هذه الندوة أن إصلاح نظام الصرف يشكل قرارا سياديا لم تفرضه أي مؤسسة مالية دولية، ولم يتخذ تحت ضغط أي أزمة صرف كما حدث في عدة بلدان كانت مجبرة على الانتقال مباشرة إلى التعويم مع تنفيذ برنامج إصلاحي مع صندوق النقد الدولي يفرض شروطا صارمة تهم على الخصوص، إصلاح وضعية المالية العمومية وتحرير الاقتصاد. كما تم التركيز خلالها هذا اللقاء على القرار، الذي اتخذته الحكومة المغربية يقضي بزيادة تقلب الدرهم مع الإبقاء على سلة العملات، كما أن المغرب لم يوقع أي اتفاقية مشروطة مع المؤسسات المالية الدولية. وأشار الجواهري إلى أنه ومنذ الشروع يوم الاثنين المنصرم، في هذا الإصلاح، فإن كل الأمور تسير بشكل طبيعي، حيث ظل سعر تداول الدرهم في سوق الصرف في نطاق يتراوح بين -/+ 0.3 في المائة بالرغم من توسيع نطاق التقلب إلى -/+ 2.5 في المائة، كذلك ظل سعر تداول الدرهم مقابل الأوراق البنكية الأجنبية في المستوى نفسه المسجل قبل مرحلة الإصلاح. وحول موضوع المواكبة، أكد بوسعيد أن السلطات النقدية ستتبع عن كثب تنفيذ هذا الإصلاح، خاصة مع الأبناك ومكاتب الصرف، مشيرا إلى أن السلطات المختصة ستستمر في التواصل بشأن الإصلاح مع البرلمان، والفاعلين الاقتصاديين وعموم الناس. ويهدف هذا الإصلاح لنظام الصرف إلى تقوية مناعة الاقتصاد الوطني في مواجهة الصدمات الخارجية ودعم تنافسيته والمساهمة في الرفع من مستوى النمو، ومواكبة التحولات الهيكلية التي عرفها الاقتصاد الوطني خلال السنوات الأخيرة، خاصة في ما يتعلق بتنويع مصادر نموه وانفتاحه واندماجه في الاقتصاد العالمي. تصوير: كرتوش