كشف وزارة العدل أنه منذ دخول مدونة الأسرة حيز التنفيذ خلال سنة 2004، شهد المغرب ارتفاعا في عدد حالات الطلاق خصوصا سنة 2021، حيث وصل إلى 26957 حالة طلاق. وأوضحت الوزارة أن الطلاق بالتراضي أو الاتفاقي هو الصيغة الأكثر اختيارا للمغاربة، مؤكدة أن هذه الحالات من الطلاق ارتفعت من 1860 حالة في 2004 إلى 20655 حالة في 2021. فما أسباب وخلفيات هذا الارتفاع وما مدى تأثير الجانب المادي ووباء كورونا في تزايد معدلات الطلاق في المغرب؟. زيادة هائلة أكدت المحامية فاطمة الزهراء الشاري، أن نسبة الطلاق عرفت ارتفاعا ملموسا في السنوات الأخيرة، وذلك لأسباب متعددة، لكن الجانب الاقتصادي والمشاكل الاجتماعية تبقى في مقدمة المشاكل المتحكمة في هذا التزايد. وأبرزت المحامية، أن ارتفاع هذه الظاهرة خلال هذه السنة، مرتبط أساسا بوباء كورونا، حيث أن العامل الأول راجع لكون المحاكم كانت مغلقة، وبعد فتح القيود الاحترازية، استأنف العمل في القضايا المتراكمة في سنوات كوفيد. وحسب الحالات الواردة لدينا، تضيف الشاوي، أنه من بين العوامل كذلك، مشكل العنف المتزايد وسببه كذلك الوباء، حيث في ظل الإغلاق والتباعد الاجتماعي، جعل الأزواج يمضون أوقاتاً طويلة معاً، وكان هذا في كثير من الحالات دافعاً لاتخاذ قرار بالانفصال. كما أشارت المحامية، إلى أنه، على الأقل في ظل هذا التزايد في نسبة الطلاق، ساهمت مدونة الأسرة، في أن يكون الطلاق الاتفاقي هو الغالب، مبرزة أن علاقة كورونا بارتفاع هذه الظاهرة سيظهر تأكيده أو نفيه في السنوات القادمة. الطلاق بين الماضي والحاضر يرى المختص في المرافقة النفسية وفي العلاج السلوكي المعرفي والعلاج الأسري النسقي المهدي العلوي الأمراني، أن الارتفاع المهول لحالات الطلاق في المجتمع المغربي يمثل مؤشرا واضحا على الاختلالات الكثيرة والجوهرية الموجودة في عدد من المنظومات من قبيل المنظومة الأسرية ونظيرتها التعليمية والمنظومة القيمية عامة. وأوضح المهدي العلوي الأمراني، أنه من بين الأسباب كذلك، النقص الواضح في الوعي وفي إدراك أهمية وقيمة مؤسسة الزواج والإقبال عليه دون تأهيل ونضج، مشيرا إلى أن، زواج الشخص فقط للامتثال لقواعد المجتمع أو العائلة أو لاستفادة من مصلحة مؤقتة عابرة تكون النتيجة حتمية وهي انهيار العلاقة مع أول اختبار ولو كان أمرا هينا يسهل في الغالب تخطيه. الطلاق بعد أيام معدودة من الزواج وتابع الأمراني: "أنه من المفروض أن تكون الأيام الأولى للزواج مليئة بالمواقف والأحداث والمشاعر السعيدة بالإضافة إلى وضع أسس العلاقة الزوجية بسلاسة وتدرج ولكن يقع أن تتحول لكابوس، ويمكنني أن أجزم أن نسبة كبيرة من هذه الزيجات يمكن إنقاذها بقليل من الحكمة والتريث هذا لأخيرالذي أصبح عصيا على جيل الأنترنيت والنقرة السريعة حيث أصبح الفرد يخال أن كل ما يرغبه ويتوق إليه يجب أن يحصل عليه فورا وهذا يمثل مشكلا حقيقيا في نطاق العلاقات خصوصا تلك التي تقتضي درجة عالية من طول البال ومن التنازلات وفي الغالب". ويحدث الطلاق في الأيام الأولى للزواج، حسب المختص جراء سوء الاختيار الناتج عن نقص التأهيل بالاضافة إلى ما يعيشه بعض المقبلين على الزواج من رومانسية جارفة ونزوع نحو المبالغة في التعبير عن المشاعر والعواطف تجعلهم يحرقون ما هو حق للزواج من جهة، ثم تساهم هذه المبالغة في عدم اهتمامهم بمعرفة شخصية الطرف الآخر، وبناء أساس متينة للعلاقة منذ البداية من جهة ثانية، ومن ثم يدخلون للحياة الزوجية بأفكار خاطئة وغير مسلحين لتحمل أعبائها والتأقلم مع متغيراتها ويمكن أن تكون هناك صدمة بسبب اكتشاف معطى جديد لم يكن في الحسبان يخص المرأة أوالرجل سببا في حصول هذا الطلاق المبكر. علاقة أسر الزوجين بالطلاق وذكر الأمراني، أنه يمكن أن يكون لبعض الأسر تأثير مباشر في ارتفاع حالات الطلاق خصوصا تلك التي تتدخل بطريقة مفرطة في حياة الزوجين والتي تفرض مبدأ الوصاية على العلاقة الزوجية، وقد يسهل عليها الأمر إذا ما كان منزل واحد يجمع الزوجين مع أسرة أحدهما بالاضافة الىاحتكاكات أسرتي الزوجين فيما بينهما، مبرزا أنه يحدث كل ذلك في ظل ضعف شخصية الزوجين و عدم قدرتهما وضع الحدود اللازمة لعلاقة إيجابيةومتوازنة". كما أشار إلى أن احيانا يكون رفض العائلات للتدخل لحل المشاكل بين الزوجين ناجم، عن عدم قبول الزواج من الأصل وبالتالي تكون الأسرة معقرار الطلاق لسبب من الأسباب، ومن الممكن أن يكون نابع من إصرار الأسرة على منح الشخص أكبر قدر من الاستقلالية في أخذ القرار، خوفا من تحمل مسؤولية أي تدخل يؤدي إلى نتائج عكسية كما يمكن أن يكون أيضا بسبب قلة حيلة الأسرة، ومعرفتها لقواعد التدخل الفعال و تفضل بالتالي الوقوف موقف "المتفرج السلبي". لقب مطلقة وعن تطبيع المجتمع مع لقب المطلقة، أبرز المختص أنه من الصعب الجزم بأنه أصبح عاديا في تمثل المجتمع، لكن الأكيد أن النظرة الدونية بدأت تتراجع ويمكن أن يرجع ذلك إلى كون عدد كبير من العائلات المغربية يوجد بين أفرادها مطلقة، وبالتالي هناك تقبل للأمر وهذا يساعد المرأة محاولة بناء حياتها على أسس جديدة متجاوزة صدمة الطلاق. أما الجانب المادي، يعد حسب الأمراني، جانبا جوهريا في العلاقة الزوجية سواء فيما يخص الطبقة المتوسطة أو الطبقة الفقيرة حيث يسبب توترات كثيرة ترخي بظلالها على الحياة الزوجية، للبعض يكون عدم الوضوح بخصوص المبلغ الحقيقي للدخل مصدر هذا التوتر، وبالنسبة للبعض الآخر تشكل رغبة أحد الزوجين أو كل على حدة إعانة والديه مصدرا إضافيا للتوتر. فيما يكون لفئة أخرى، لقلة الخبرة في التعامل مع الأمور المالية وغياب ثقافة الأولويات. خروج المرأة للعمل والمستوى التعليمي وأفاد المتحدث ذاته، بأنه من المؤكد أن عددا من التحولات المجتمعية ساهمت في التأثير على العلاقة الزوجية ومن بينها ارتفاع المستوى التعليمي للمرأة وخروجها للعمل وبالتالي الحصول على الاستقلالية المادية التي تجعلها تضع نفسها الند للند مع الرجل. وفي بعض الأحيان الوقوف موقفا متحديا للزوج، عكس الجدات والأمهات اللاتي كن يفضلن التنازل والصبر، و هذا ما لم يرق لبعض الرجال علما أنه من المفروض أن تكون العلاقة الزوجية قائمة على التكامل والمودة، والرحمة مهما كان المستوى التعليمي أو الدور االجتماعي للزوجين، يضيف المتحدث ذاته.