أصدر مركز الرباط للدراسات السياسية و الاستراتيجية وثيقة تهم تصوره لمكونات النموذج التنموي الجديد، والذي يتضمن مجموعة من المقترحات و الرؤى تهدف للمساهمة في إغناء قاعدة الأفكار و المقترحات و السيناريوهات التي ستساعد اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي. وأورد المركز، الذي يديره الدكتور خالد الشرقاوي السموني، ضمن نسخة من التقرير توصلت ‘القناة' بنسخة منه، أن هذا الأخير يرمي المساهمة ‘انطلاقا مما خطه من مقترحات و تصورات في تمكين اللجنة بمجموعة من المقترحات و الأفكار، الآراء و الملاحظات التي جمعها من خلال بعض الممارسات التي رصدها او بعض القطاعات التي ناقشها قصد بناء نموذج تنموي جديد كما أراد له صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله و أيده بما يمكن المغرب من الدخول في مرحلة جديدة تضعه على السكة الصحيحة للإقلاع الاقتصادي المحقق للتنمية المستدامة و العدالة الاجتماعية و توفير كل سبل العيش الكريم للمواطن للحياة بكرامة و رفاهية'. ويستعرض التقرير المذكور كيفية تجاوز النموذج التنموي القائم ‘الذي لم يعد قادرا على مواكبة المتطلبات الملحة لبلادنا بسبب استنفاذه لطاقته وقدرته على مسايرة التزايد المتواصل لحاجيات و انتظارات المواطنات والمواطنين وعلى الاستجابة للمستلزمات المتعددة المتعلقة بالعيش الكريم'. واعتبرت الوثيقة أن النموذج القائم ‘لم يحد من الفوارق الاجتماعية والاختلالات المجالية ولم يحقق عدالة اجتماعية، نظرا لاتساع دائرة الفقر وتراجع الطبقة المتوسطة وعدم ملاءمة مناهج التدريس والتعليم مع سوق العمل والتطور التقني، مما ساعد على العطالة في أوساط الشباب و حاملي الشهادات ‘. وهو ما يستدعي معه، وفق المصدر ذاته، ‘إرساء نموذج تنموي مندمج، عادل ومنصف، يسهم في تنزيل مقتضيات دستور 2011، خاصة تلك المتعلقة بالشفافية والحكامة وربط المسؤولية بالمحاسبة ، و يضع الآليات الكفيلة لمحاربة كل أشكال الريع والاحتكار والفساد من جهة، واتساع الفوارق الاجتماعية والتفاوتات المجالية من جهة أخرى'. وأشار المركز إلى أن انخراطه الفعلي في هذا الورش الوطني، جاء استجابة للإرادة الملكية السامية التي تجلت في عدة محطات، منها: ‘افتتاح الدورة البرلمانية الأولى من السنة التشريعية الأولى يوم 13 أكتوبر2017، حينما دعا جلالة الملك محمد السادس في خطابه إلى اعتماد نموذج تنموي جديد، من خلال إعادة تقييم النموذج التنموي الوطني الحالي، ووضع نهج جديد يركز على تلبية احتياجات المواطنين، والقدرة على إيجاد حلول عملية للمشاكل الحقيقية، والقدرة على الحد من الفوارق المجالية وعدم المساواة، وتحقيق العدالة الاجتماعية'. وأيضا بجانب: ‘الخطاب الموجه إلى الأمة بمناسبة ذكرى عيد العرش في 29 يوليو 2018، حيث أوضح جلالته أن حجم العجز الاجتماعي وطرق تحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية من بين الأسباب الرئيسية التي تدعو إلى تجديد النموذج التنموي الوطني'، و'افتتاح الدورة البرلمانية الأولى من السنة التشريعية الثانية يوم 12 أكتوبر 2018، حيث أكد جلالته أن النموذج التنموي للمملكة أصبح غير قادر على تلبية احتياجات المواطن المغربي. كما أضاف في خطابه أن المغاربة اليوم يحتاجون إلى التنمية المتوازنة والمنصفة التي تضمن الكرامة للجميع وتوفر الدخل وفرص الشغل، وخاصة للشباب، وتساهم في الاطمئنان والاستقرار والاندماج في الحياة المهنية والعائلية والاجتماعية التي يطمح إليها كل مواطن؛ كما يتطلعون إلى تعميم التغطية الصحية وتسهيل ولوج الجميع إلى الخدمات الاستشفائية الجيدة في إطار الكرامة الإنسانية'. كما استحضر التقرير ‘خطاب عيد العرش يوم 30 يوليو 2019، حيث دعا جلالته إلى مراجعة وتحيين النموذج التنموي الحالي، من خلال صياغة مشروع نموذج تنموي جديد يرقى إلى تطلعات وطموحات المغاربة ويحقق الإقلاع الاقتصادي والاجتماعي لبلادنا. كما دعا بالمناسبة إلى إحداث لجنة استشارية خاصة من أجل بلورة نموذج تنموي جديد، ارتكازا على مساهمات مختلف المؤسسات والكفاءات الوطنية، هذه اللجنة التي تنصيبها في شهر ديسمبر 2019'. إلى ذلك، ذكرت الوثيقة أن المغرب شهد بفضل تضافر جهود مختلف الفاعلين تحولات هيكلية هامة، من حيث وتيرتها ونوعيتها، ‘مما مكنه من الانتقال إلى عتبة جديدة في النمو ، إلا أنه على الرغم من حجم الجهود المبذولة والإصلاحات المنجزة، لا تزال هناك نواقص و اختلالات ، لاسيما على مستوى الفوارق الاجتماعية والمجالية، وبطالة الشباب والنساء، وجودة التعليم، ومردودية الاستثمار، ومجال الحكامة الجيدة ،و وجود التفاوت بين الإصلاحات المنجزة وبين درجة التحسن الفعلي لمستوى التنمية البشرية على الصعيد المحلي، وتنافسية الاقتصاد الوطني'. واعتبر المركز أن التصور الذي تم اقتراحه لإرساء نموذج تنموي جديد ‘ينتصر لمبادئ وقيم الحرية والعدالة الاجتماعية والمساواة والتضامن، يقوم على مرتكزات أساسية نراها ضرورية لكسب الرهانات الاقتصادية والاجتماعية'. ولتحقيق ذلك، يضيف المركز، ‘ينبغي على المغرب تعبئة مختلف قواه الحية، بغية بناء نموذج تنموي، يقوم وجوبا على سياسات عمومية منسجمة وتشاركية هدفها خدمة المواطن، وتؤهل المغرب للانتقال بسرعة إلى عتبة أعلى من التنمية المطردة والمستدامة والمدمِجة، التي يعود نفعها على جميع المواطنين والمواطنات'. وفي هذا الإطار، اقترح المركز المحددات والمرتكزات الكبرى الضرورية لإرساء نموذج تنموي مندمج من خلال الاستناد إلى أربع مرتكزات تنبثق عنها أهداف وتدابير عملية وملموسة من شأنها أن تشكل قاعدة يقوم عليها النموذج التنموي الجديد، وهي المرتكزات التي تتمثل أساسا في ‘ تنمية وتعزيز الرأسمال البشري' و'تحقيق نمو مستدام من خلال تشجيع الاستثمار وتأهيل الاقتصاد الوطني'، و'اعتماد سياسة اجتماعية منصفة، موسعة ودائمة'، و'تعزيز أرضية القيم الوطنية عبر جعل الثقافة والرياضة رافعتين للتنمية'، وأيضا ‘تأهيل الحقل السياسي و تجويده'، كمرتكز خامس.