لم يعد أحد اليوم يجادل في أن قرار وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة شكيب بنموسى، القاضي بعدم السماح لمن تجاوز سن الثلاثين من العمر بالترشح لاجتياز مباراة توظيف الأساتذة، أصبح شرطا أساسيا ضمن الشروط التي تندرج في إطار "إصلاح المنظومة التعليمية"، التي لم يعد حالها يعجب أحدا. حيث شدد الداعمون لهذا القرار على أن مهمة الوزير تنحصر في السهر على وضع لبنات الإصلاح وتنزيل مقتضيات القانون الإطار، من خلال تهييء الظروف الملائمة للرفع من جودة المدرسة العمومية وبناء المدرس، وليس حل معضلة البطالة في صفوف ذوي الشهادات العليا. وبعيدا عما خلفه القرار السالف الذكر من استياء عميق خاصة في أوساط آلاف الشباب خريجي الجامعات المغربية وأسرهم، الذين لم يسعفهم الحظ في إيجاد فرص عمل مناسبة، تخرجهم من غياهب البطالة، فإن ما يحز في النفس كثيرا أنه وفي ظل تزايد أعداد الأطر التربوية المحالة على التقاعد حد السن وكذا التقاعد النسبي سنويا، وما يترتب عن ذلك من نقص حاد في الموارد البشرية، وتفاقم إشكالية الاكتظاظ في الفصول الدراسية، مما يحول دون توفير الشروط التربوية اللازمة من أجل النهوض بمستوى تلاميذ المدرسة العمومية إسوة بزملائهم في مؤسسات التعليم الخصوصي. ذلك أن شكيب بنموس مهندس النموذج التنموي الجديد والوزير الوصي على قطاع التربية الوطنية، يعلم أكثر من غيره أن اللجوء إلى التوظيف بالتعاقد، لن يكون كافيا أمام الكم الهائل من الخصاص في مواجهة إشكالية الاكتظاظ التي ما انفكت تتفاقم بالمؤسسات التعليمية التابعة للقطاع العمومي، بالإضافة إلى ارتفاع نسبة تكرار التلاميذ التي بلغت إلى حوالي 40 في المائة بالنسبة لبعض المؤسسات حتى في المدن الكبرى من قبيل الدارالبيضاء ومراكش وغيرهما، حيث يبلغ معدل تلاميذ الفصل الواحد قرابة 50 تلميذا، وهو ما يساهم في تعميق الأزمة وتعقيد المهمة التربوية لنساء ورجال التعليم، الذين لا يتوانون عن القيام بواجبهم على الوجه الأمثل ويبذلون قصارى جهدهم لتبليغ رسالتهم التربوية إلى تلامذتهم في مختلف الأسلاك التعليمية. ويعلم أيضا أن تقريرا صادرا عن المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي سبق أن شدد منذ حوالي أزيد من خمس سنوات على ضرورة توفر المدرس على تكوين ذي جودة عالية، وكشف آنذاك عن كون التلاميذ الذين يستفيد مدرسوهم من تكوينات مستمرة قبل الالتحاق بمهنة التدريس، يكون أداؤهم أفضل بكثير من باقي التلاميذ. وأن القطع مع التكوين في المراكز الجهوية للتربية والتكوين، شكل خسارة كبرى لمنظومة التعليم، ولاسيما بعد أن تم الاقتصار في تكوين المتعاقدين من الأطر على بعض التدريبات والدروس النظرية فقط، وهو الأمر الذي أثار في حينه جدلا واسعا على مستوى جودة المتعلمين والارتقاء بالمنظومة التربوية... بيد أن الوزير بنموسى يبدو "تائها" في عديد المناسبات، مما يزيد من تعميق أزمة التعليم في بلادنا. إذ طالما استغرب الكثير من الفاعلين والمهتمين بالشأن التربوي ومعهم عدد من نواب الأمة في الأغلبية والمعارضة على حد سواء، ليس فقط من تماديه في غض الطرف عن ملف الأساتذة الموقوفين منذ ثمانية شهور بدون أجور ولا يستفيدون وأسرهم من حق التغطية الصحية، رغم مثولهم أمام المجالس التأديبية، لا لشيء سوى لانخراطهم في تلك الإضرابات والمسيرات الاحتجاجية، التي دعت إليها التنسيقيات الوطنية وشلت الدراسة في مؤسسات التعليم العمومي بجميع ربوع المملكة لمدة تزيد عن ثلاثة شهور، معلنين إلى جانب زميلاتهم وزملائهم عن رفضهم البات للنظام الأساسي المجحف وغير المنصف، الذي جاء دون تطلعات نساء ورجال التعليم، وأصبح يعرف بينهم ب"نظام المآسي" قبل إجباره على التراجع عنه بعد تدخل رئيس الحكومة عزيز أخنوش على الخط. بل هناك كذلك ملف آخر لا يقل أهمية عن باقي الملفات الحارقة، وهو الذي يتعلق بفئة من خريجي المدارس العليا للأساتذة وكلية علوم التربية من الحاصلين على الإجازة في التربية والإجازة المهنية في المسالك الجامعية، وهم فئة قليلة لا يتعدى عددهم 85 خريجا، ما انفكوا ينتظرون أن ينظر وزير التربية الوطنية بكثير من العدل والإنصاف ودون تشنج أو تعنت، من خلال تجاوز شرط السن ولو بصفة استثنائية، وهو الشرط الذي بات يشكل حائلا دون مشاركتهم في مباراة ولوج مهنة التدريس، علما أنهم تخرجوا قبل إقرار شرط السن، والأكثر من ذلك أنهكم خضعوا لانتقاء أولي وامتحان كتابي وآخر شفوي واستفادوا من تكوين معمق وذي فاعلية في مجالات علوم التربية والتدريس ومناهج البحث التربوي وتطبيقاته، وعلوم التكنولوجيا والتواصل والإعلام واللغات والتنشيط التربوي والتشريع وغيره من المواد حسب التخصصات. وإذا كان وزير التربية الوطنية ومعه رئيس الحكومة يؤمنان فعلا بأن مصلحة التلميذ فوق كل اعتبار، فلماذا يتم حرمانه من مثل هذه الفئة من الخريجين الذين يبدون أكثر حماسا للعطاء المثمر، وعلى استعداد تام لتقديم ما يلزم من إضافة نوعية والإسهام بفعالية في تكريس الجودة المنشودة، والنهوض بمستوى تلاميذ الفصول الدراسية المسندة إليهم، ولاسيما أن الأمر لا يتطلب أكثر من إعفائهم استثناء من شرط السن على غرار إعفائهم من الانتقاء الأولي؟