التزم وزير العدل عبد اللطيف وهبي بتنفيذ وعده المتعلق بمنع الجمعيات من مقاضاة موظفي الدولة ورؤساء الجماعات، وفق التعديلات الجديدة التي تضمنها مشروع قانون المسطرة الجنائية، المنتظر أن تصادق عليه الحكومة اليوم الخميس، خلال أول اجتماع لها بعد العطلة الصيفية. وكشف وهبي في وقت سابق أن الحكومة تسعى لإعادة النظر في مجموعة من التصورات في القانون الجنائي والمسطرة الجنائية، مُعلناً أن التعديلات الجديدة ستتضمن منع جمعيات حماية المال العام من مقاضاة موظفي الدولة ورؤساء الجماعات. وحسب نص التعديلات التي تضمنها مشروع قانون المسطرة الجنائية في نسخته الجديدة، فإنه "إذا أقيمت الدعوى العمومية ضد موظف عمومي أو عون قضائي للمملكة، يُبلغ الوكيل القضائي للمملكة كذلك بكل دعوى عمومية يكون موضوعها الاعتداء على أموال أو ممتلكات عمومية أو أشياء مخصصة للمنفعة العمومية أو الاعتداء على موظفين عموميين أثناء أو بمناسبة ممارستهم لمهامهم. ومع مراعاة مقتضيات الفقرة الخامسة من مشروع قانون المسطرة الجنائية، تُبلغ الوكيل القضائي للجماعات الترابية الدعوى العمومية المقامة ضد أحد موظفيها أو عضو من أعضاء مجالسها أو هيئاتها، إذا كانت الدعوى العمومية تتعلق بالاعتداء على أموال أو ممتلكات تابعة لهذه الجماعات الترابية أو هيئاتها". ووفق أحكام المادة الثالثة من مشروع قانون المسطرة الجنائية، "لا يمكن إجراء الأبحاث وإقامة الدعوى العمومية في شأن الجرائم الماسة بالمال العام، إلا بطلب من الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بصفته رئيساً للنيابة العامة، بناءً على إحالة من المجلس الأعلى للحسابات، أو بناءً على طلب مشفوع بتقرير من المفتشية العامة للمالية أو المفتشية العامة للإدارة الترابية أو المفتشيات العامة للوزارات أو من الإدارات المعنية، أو بناءً على إحالة من الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، أو أي هيئة يمنحها القانون صراحة ذلك". وخلافاً للفقرة السابقة من المادة الثالثة للمشروع، أكد المشروع الحكومي المنتظر أن يثير جدلاً كبيراً داخل الأوساط الحقوقية والسياسية، أنه "يمكن للنيابة العامة المختصة إجراء الأبحاث وإقامة الدعوى العمومية تلقائياً في الجرائم المشار إليها إذا تعلق الأمر بحالة التلبس. وتراعى عند ممارسة الدعوى العمومية مبادئ الحياد وصحة وشرعية الإجراءات المسطرية والحرص على حقوق الأطراف وفق الضوابط المحددة في هذا القانون". وحسب مضمون التعديلات الجديدة التي أقرتها وزارة العدل على مشروع قانون المسطرة الجنائية المحال على مسطرة المصادقة، تُمارس الدعوى في ارتكابها سواء كانوا أشخاصاً ذاتيين أو اعتباريين، ويقيم الدعوى العمومية ويمارسها قضاة النيابة العامة. وتسقط الدعوى العمومية بالتقادم وبالعفو وبنسخ المقتضيات الجنائية وبالصلح. وأفاد وهبي، في معرض جوابه على سؤال برلماني حول "التسريع بإعداد النصوص المتعلقة بإصلاح منظومة العدالة"، قائلاً: "غير اللي جا تيدير جمعية"، ويقدم شكايات برؤساء الجماعات. وأضاف أن هناك من يتحدث عن أنه يرأس جمعية للدفاع عن المال العام ويقدم شكايات إلى النيابة العامة بعدد من رؤساء الجماعات، مشدداً على أن "المسؤول عن حماية المال العام هو وزير الداخلية". وأعلن أن تعديلات القانون الجنائي تتضمن مقتضيات ستمنع الجمعيات من تقديم شكايات برؤساء الجماعات، "لا يمكن تقديم شكاية إلا من خلال وزير الداخلية.. لا يمكن لأحد تقديم شكاية بشخص إلا إذا كان هو من أعطى المال موضوع الشكاية". واعتبر الوزير أن هذا التعديل سيقطع الطريق على مجموعة من الابتزازات، لأننا "قد نصل إلى وقت لا نجد فيه من يترشح، فإذا فتحت تحقيقاً ضدي وأنا سياسي وأمضيت عاماً أو عامين أمام المحاكم، أي شرعية ستبقى لي أمام الناس". هذا، وأثارت النوايا التي عبّر عنها وزير العدل عبد اللطيف وهبي بخصوص تقييد حق جمعيات المجتمع المدني في الولوج إلى القضاء من خلال منعها من تقديم شكايات ذات الصلة بالفساد ونهب المال العام، حفيظة الجمعية المغربية لحماية المال العام، معتبرة أنها "تتعارض مع المقتضيات الدستورية والقانونية ذات الصلة بأدوار المجتمع المدني في تخليق الحياة العامة، باعتباره وفقاً لمنطوق الدستور شريكاً في صنع السياسات العمومية وتقييمها". وشددت الجمعية على أن تصريحات وزير العدل تعد مساساً باستقلال السلطة القضائية وتدخلاً في شأنها، وتقييداً لدور النيابة العامة التي ألزمها قانون المسطرة الجنائية بتحريك الأبحاث التمهيدية بناءً فقط على مجرد وشاية، مضيفة أن تلك التصريحات تتعارض مع الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب وخاصة اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد. واعتبرت الجمعية أن تلك التصريحات تشكل مساساً خطيراً وغير مسبوق بالمقتضيات القانونية الواردة في المسطرة الجنائية، والتي تلزم كل شخص بالتبليغ عن جرائم الفساد والرشوة واختلاس وتبديد المال العام، مع تمتيع المبلغين بالحماية (المادة 82-9 من قانون المسطرة الجنائية)، داعية البرلمان إلى تحمل مسؤوليته وعدم الانجرار مع الدعوات الرامية إلى التشريع لفائدة المتورطين في جرائم الفساد والمس بالحقوق والحريات وانتهاك مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة.