تشهد السواحل الشمالية للمملكة، خلال الأيام الجارية، تصاعدًا لافتًا في محاولات الهجرة السرية عن طريق السباحة نحو مدينة سبتةالمحتلة، مما يطرح تساؤلات عديدة حول الأسباب والدوافع الكامنة وراء هذه الظاهرة المتزايدة، والتحديات التي تواجهها السلطات المغربية في التعامل معها. وطيلة الأيام القليلة الماضية، أوقفت السلطات المغربية المئات من المرشحين للهجرة السرية، أثناء محاولتهم التسلل إلى سبتة سباحةً، مستغلين الضباب الكثيف بالمنطقة، إذ تم اعتراض مجموعة منهم في البحر من طرف فرق البحرية الملكية والدرك البحري قرب سواحل الفنيدق، وآخرين وسط المدينة وضواحيها ضمن حملات تمشيطية ودوريات أمنية متحركة وثابتة. وبالموازاة مع ذلك، تتواصل عمليات تنسيق بين السلطات المغربية والإسبانية لإعادة المهاجرين الذين يتمكنون من الوصول إلى سبتة، فيما يتم التحقيق في ملفات التحريض على الهجرة واستغلال القاصرين، بالإضافة إلى تعقب المتورطين في الاتجار بالبشر، وفق ما ذكرته مصادر مطلعة لجريدة "العمق". وشددت مصادر الجريدة، على أن جميع المتورطين في هذه الجرائم سيتم تقديمهم إلى القضاء، حيث تنتظرهم عقوبات رادعة بموجب القانون، في إطار الجهود الرامية لمكافحة ظاهرة الهجرة السرية وملاحقة الشبكات الإجرامية التي تستغل أوضاع المهاجرين لأغراض غير مشروعة. ولقيت هذه الجهود والتحركات التي تقوم بها السلطات المغربية للتصدي لموجة الهجرة السرية سباحةً صوب سبتة، خلال الأيام الجارية، إشادة المسؤولين الإسبان بالمدينةالمحتلة، معتبرين أنها جهود المغرب أنقذت المنطقة من أزمة إنسانية كبيرة. جهود وتحديات في هذا السياق، يرى مصطفى العباسي، الباحث في العلاقات المغربية الإسبانية، أن المغرب يبذل جهودًا هائلة لمحاربة الهجرة السرية بشكل عام، سواء عبر الحدود الشمالية مع سبتة ومليلية المحتلتين، أو في السواحل الجنوبية للمملكة، المقابلة لجزر الكناري. العباسي أوضح في تصريح لجريدة "العمق"، أن هذه الموجة الجديدة من الهجرة تضع المغرب في موقف معقد وصعب للغاية، حيث يتحمل عبء إدارة وتواجد آلاف المهاجرين السريين الذين يتدفقون على أراضيه من دول مختلفة، وينتظرون فرصة للعبور إلى الجانب الآخر من المتوسط. وأكد الباحث ذاته، أن المغرب يجد نفسه في مواجهة تحديات متعددة، ليس فقط على المستوى الأمني، بل أيضًا على الصعيد الاجتماعي، حيث يعاني المهاجرون من ظروف غير مستقرة تجعلهم يشكلون عبئًا كبيرًا على الدولة. واعتبر العباسي، أن التصاعد الأخير في محاولات الهجرة السرية لا يمكن اعتباره مجرد صدفة، بل هو جزء من نشاط منظم تقوده شبكات تهريب محترفة تعمل على تسهيل عبور المهاجرين نحو أوروبا. ويعتبر هذا التصاعد، الذي يحدث غالبًا في نهاية فصل الصيف مع تحسن الأحوال الجوية وتزايد ظاهرة الضباب، تحديًا كبيرًا للسلطات المغربية التي تجد نفسها في مواجهة يومية لمحاولات التسلل، سواء عبر البحر أو عبر الحدود البرية. من جهة أخرى، تستمر جهود التنسيق بين المغرب وإسبانيا لمواجهة هذه الظاهرة، حيث قامت السلطات الإسبانية بإرجاع جميع المهاجرين الذين تمكنوا من الوصول إلى سبتة، في إطار التعاون الثنائي بين الجانبين. ومع ذلك، تبقى هذه الجهود غير كافية في ظل تزايد محاولات الهجرة السرية والضغوط المتزايدة على المغرب، والذي يتحمل مسؤولية حماية الحدود الأوروبية دون تلقي الدعم الكافي، وفق المتحدث. وفي ظل تصاعد الأوضاع، شددت السلطات القضائية المغربية من إجراءاتها، حيث قررت متابعة جميع المهاجرين الذين يعيدهم الجانب الإسباني قضائيًا، وهي خطوة تعكس التزام المغرب الجاد بمواجهة هذه الظاهرة الخطيرة. ويؤكد مصطفى العباسي، الباحث في العلاقات المغربية الإسبانية، على ضرورة التعامل بجدية وصرامة مع هذا الملف، خاصة مع تزايد أعداد الضحايا والمخاطر الأمنية المرتبطة بالهجرة السرية. وتأتي هذه التطورات في وقت يشهد فيه شمال المغرب استنفارًا أمنيًا كبيرًا، حيث كثفت السلطات المغربية من عمليات المراقبة والتفتيش على طول سواحل الفنيدق والمناطق المجاورة، لمنع محاولات التسلل إلى سبتة. ورغم هذه الجهود المكثفة، لا تزال ظاهرة الهجرة السرية تمثل تحديًا كبيرًا للسلطات المغربية، خاصة في ظل نشاط الشبكات الإجرامية التي تستغل ظروف المهاجرين لدفعهم نحو القيام بمغامرات خطيرة للوصول إلى الضفة الأوروبية. إشادة اسبانيا بالمغرب رئيس حكومة سبتةالمحتلة، خوان فيفاس، قال إن المغرب قام بدور بارز في التصدي لمحاولات الهجرة غير الشرعية، مشيرا إلى أن السلطات المغربية تمكنت من توقيف حوالي 300 شخص كانوا يحاولون العبور إلى سبتة سباحةً، الليلة الماضية. وفي حديثه لوسائل الإعلام، وصف فيفاس التحركات المغربية بأنها تشكل "مستوى عالٍ من التعاون، ساهم بشكل كبير في تفادي أزمة إنسانية"، منوها في السياق ذاته، بجهود المغرب التي تشمل إرسال تعزيزات مكثفة إلى المناطق الساحلية للحد من محاولات العبور. ووصف رئيس حكومة سبتة، هذا التعاون بأنه "حاسم في ضمان استقرار المنطقة"، معتبرا أن الوضع على الأرض أثبت أن المغرب يلعب دورًا رئيسيًا في إدارة هذه الأزمة، مما يسهم في الحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة، بحسب تعبيره. من جانبها، أعربت مندوبة الحكومة الإسبانية في سبتة، كريستينا بيريز، عن تقديرها البالغ للتعاون المغربي في مواجهة الظاهرة الجديدة للهجرة السرية عن طريق السباحة. ووصفت بيريز، في ندوة صحفية مطلع الأسبوع الجاري، الوضع الحالي على الحدود بين سبتةوالفنيدق بأنه يعرف "أقصى درجات الضغط"، مشيرة إلى أن المغرب قام بدور حاسم في احتواء الأزمة. وأضافت: "نحن ممتنون للتعاون الوثيق الذي أبداه المغرب في الأيام الأخيرة. لقد أظهروا التزامًا قويًا في وقف محاولات العبور والحد من تدفق المهاجرين، مما ساهم في تخفيف الضغط على الحدود". واعتبرت بيريز أن السلطات المغربية قد أرسلت تعزيزات كبيرة إلى الشواطئ وزادت من الجهود لمراقبة وتفتيش السواحل، مما ساعد بشكل كبير في الحد من أعداد المهاجرين. وتابعت قولها: "المغرب يتعامل بوفاءٍ تام وبتفانٍ شديد في احتواء المهاجرين، حيث ضاعف قواته على الحدود 3 أضعاف، بالإضافة إلى قبوله لعمليات إعادة المهاجرين الذين تمكنوا من الوصول إلى سبتة". وأضافت في نفس السياق: "ليس من السهل على المغرب أن يتعامل مع ما يحدث على سواحله (...)، فبدون مساعدتهم، ستكون الحالة أكثر تعقيدًا". كما أشادت المسؤولة الإسبانية، أيضًا، بجهود قوات الأمن الإسبانية، التي تعمل بشكل وثيق مع نظيرتها المغربية للحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة، مشيرة إلى أنه "لن تتم تعبئة الجيش"، وأن مدريد "على علم بكل شيء". في السياق ذاته، أثنى وفد الحرس المدني الإسباني على التعاون المغربي، مشيرين إلى أن عملهم المشترك في البحر أسهم بشكل كبير في إنقاذ الأرواح وتفادي وقوع حوادث مأساوية. وذكرت التصريحات الرسمية للحرس الإسباني أن تدخل المغرب كان حاسمًا في إيقاف محاولات العبور، مما ساعد في تجنب الكثير من الحالات الحرجة التي قد تسفر عن فقدان الأرواح. استنفار أمني كبير وتشهد المدن الشمالية للمغرب حالة من الاستنفار الأمني الكبير خلال الأيام الأخيرة، بسبب تصاعد موجة الهجرة السرية عبر السباحة نحو سبتةالمحتلة، الأمر الذي دفع بالسلطات الأمنية إلى تكثيف جهودها لمواجهة هذه الظاهرة المتنامية. وعاشت المنطقة، أول أمس الأحد، لحظات توتر كبيرة، عقب تمكن عدد من الشباب والقاصرين من الوصول إلى مدينة سبتةالمحتلة سباحةً، مستغلين الظروف الجوية الضبابية التي تعرفها المنطقة خلال الأيام الجارية. وأفادت وسائل إعلام إسبانية بأن العشرات تمكنوا من الوصول إلى شاطئ سبتةالمحتلة، الأحد، واختلطوا بالمصطافين المحليين، مما تسبب في حالة من الفوضى والارتباك، قبل أن تتدخل قوات الحرس المدني الإسباني، لمطاردة المهاجرين، ما أدى إلى إصابة ضابط شرطة. في ذات السياق، علمت جريدة "العمق" أن السلطات المغربية تمكنت نهاية الأسبوع الماضي، من توقيف أزيد من 700 شخص من جنسيات مختلفة، بينهم مغاربة وجزائريون وتونسيون وسوريون ويمنيون ومن بنغلاديش. وأوضح مصدر مطلع لجريدة "العمق"، أن هؤلاء المرشحين استغلوا كثافة الضباب والتوافد الكبير للزوار الذي تعرفه المدينة، من أجل مباغثة القوات المكلفة بحراسة الشواطئ والارتماء في البحر دون الاكتراث بهيجانه. وبحسب المصدر ذاته، فقد تم اقتياد الموقوفين القاصرين إلى مركز الرعاية الاجتماعية بمدينة مرتيل، في حين تم تفعيل المتابعة القضائية في حق الراشدين منهم، خصوصا الذين تبث في حقهم حالة العود. وفي إطار التنسيق الثنائي بين السلطات المغربية ونظيرتها الإسبانية، علمت الجريدة أن إسبانيا قامت بالإرجاع الفوري لجميع المرشحين الذين تمكنوا من الوصول إلى الثغر المحتل. ويوم السبت، أفاد مصدر مطلع لجريدة "العمق"، بأن السلطات المغربية أوقفت 718 مرشحا للهجرة بالفنيدق، معظم هؤلاء الأشخاص قادمون من تطوان وطنجة والقصر الصغير وشفشاون ووزان الحسيمة والجبهة والعرائش والدارالبيضاء وسلا والرباط والجديدة وتاونات ومكناس وتارودانت وشيشاوة ومراكش. وبحسب المصدر ذاته، فقد تمكنت البحرية الملكية المغربية والدرك الملكي من اعتراض أزيد من 500 شخص داخل البحر، بينما تمكنت البحرية الإسبانية من اعتراض نحو 100 شخص آخر، تم تسليمهم جميعا إلى السلطات المغربية. وفي حادث مأساوي، تم انتشال جثة شاب غرق قرب شاطئ ألمينا بتراب جماعة المضيق، حيث نُقلت جثته إلى المستشفى المحلي بالمضيق لاستكمال الإجراءات القانونية اللازمة. في المقابل، قدمت مصالح الأمن 34 مهاجرا من الذين تم توقيفهم بسبتة وإعادتهم للمغرب، في الأيام القليلة الماضية، أمام النيابة العامة بالمحكمة الابتدائية بتطوان، فيما تم وضع 16 جزائريًا رهن تدابير الحراسة النظرية. وفي هذا السياق، فتحت السلطات المختصة بالمضيق تحقيقاً في حادثة انطلاق يخت صغير من ميناء ترفيهي بالمنطقة، قبل أن يتم ضبطه من قبل دورية للدرك البحري في المياه الدولية وهو يحمل على متنه مجموعة من المهاجرين السريين، بينهم قاصرون. وبحسب ما توصلت به جريدة "العمق" من مصادر مطلعة بالمنطقة، فقد تم حجز اليخت المذكور من طرف مصالح الدرك البحري، وإحالة الملف إلى النيابة العامة المختصة لاستكمال التحقيقات وتحديد المسؤوليات. رفع مستوى الجاهزية وأفادت مصادر الجريدة بأن السلطات الأمنية، بما فيها الدرك الملكي والمصالح المختصة، رفعت مستوى الجاهزية بعد رصد تزايد غير عادي في محاولات الهجرة السرية من الشواطئ القريبة من باب سبتة. إلى جانب ذلك، قامت السلطات الأمنية، بضبط سيارات للنقل السري تستخدم لنقل القاصرين من مدينة تطوان نحو الفنيدق بغرض تسهيل عملية الهجرة السرية. كما تم ضبط سيارات أجرة من الصنف الكبير على متنها مهاجرين سريين، إضافة إلى حجز معدات وأدوات تُستخدم في عمليات السباحة والهجرة. وفي إطار تعزيز الإجراءات الأمنية، تم تكثيف التواجد الأمني على طول سواحل الفنيدقوالمضيق، بهدف منع محاولات التسلل إلى سبتة عبر السباحة واستغلال المرافق الترفيهية البحرية لتهريب المهاجرين. وفي وقت سابق، علمت جريدة "العمق" من مصدر مطلع أن السلطات القضائية بمدينة تطوان، قررت في خطوة غير مسبوقة، متابعة كل المرشحين للهجرة السرية الذين يغامرون سباحة للوصول لشواطئ سبتةالمحتلة، والذين تعيدهم السلطات الإسبانية في إطار الإرجاع الفوري. وأفاد مصدر "العمق" بأن هذا القرار جاء بعد الارتفاع الكبير لمحاولات الهجرة التسلل إلى سبتة سباحةً وعبر الدراجات المائية "جيت سكي" خلال فصل الصيف الجاري، حيث يستغل المرشحون للهجرة الضباب الكثيف والإقبال الكبير للزوار على الشواطئ لتنفيذ محاولاتهم. وبحسب مصدر الجريدة، فإن من بين هؤلاء المرشحين للهجرة السرية الذين أعادتهم إسبانيا إلى المغرب، من كان في حالة فرار من العدالة أو تم ضبطه في حالة تلبس بحيازة أشياء غير مسموح بها ويعاقب عليها القانون. وأوضح المصدر ذاته، أن هذا القرار يأتي في ظل "تعريض هؤلاء المرشحين للهجرة السرية، حياتهم وحياة الغير للخطر، والدخول إلى منطقة أمنية محظورة، وخلق الفوضى والتجمهر، وتشجيع القاصرين على الارتماء في البحر دون الاكتراث بمخاطر هذه المغامرة غير المحسوبة العواقب". وأعادت هذه التوقيفات إلى الأذهان، الهجرة الجماعية غير المسبوقة التي تمكن خلالها آلاف المغاربة، بينهم نساء وأطفال وعائلات بأكملها، من دخول سبتة سباحة ومشيا، شهر ماي 2021، في عز الأزمة السياسية بين المغرب وإسبانيا حينها.