الماء سر الحياة، وأساس التنمية في كل مجتمع. في المغرب، يشكل هذا المورد الحيوي محركا رئيسيا للاقتصاد والزراعة والصناعة، وأيضا حياة الإنسان اليومية. منذ ستينيات القرن الماضي، شرعت المملكة المغربية في تبني سياسة مائية شاملة تهدف إلى تأمين موارد المياه للأجيال القادمة، وضمان استخدامها بشكل مستدام. المغرب يواجه تحديات مائية متزايدة بفعل التغيرات المناخية، النمو السكاني السريع، والتوسع العمراني والصناعي. هذه التحديات دفعت البلاد إلى تبني نصوص قانونية وتنظيمية صارمة تهدف إلى حماية هذا المورد الثمين. في هذا السياق، تم تأسيس "شرطة المياه" كجزء من الجهود الرامية إلى مراقبة وحماية الملك العمومي المائي. قانون الماء رقم 36.15 يمثل الركيزة الأساسية لإدارة الموارد المائية في المغرب. يحدد هذا القانون تعريف الملك العمومي المائي، بما في ذلك المياه السطحية والجوفية، والمسطحات المائية الطبيعية كالأنهار والبحيرات، والمنشآت المائية الاصطناعية كالسدود والقنوات. يهدف هذا التحديد إلى حماية هذه الموارد من الاستغلال الجائر وضمان استخدامها بطرق مستدامة. الملك العمومي المائي في المغرب هو ملك غير قابل للتفويت أو الحجز، ويشمل مجموعة متنوعة من الموارد المائية مثل البحيرات، الينابيع، الأنهار، والمستنقعات. هذه الموارد تتوزع بين ما هو طبيعي وما هو من صنع الإنسان، وتتطلب سياسات صارمة ومراقبة دقيقة لمنع التعديات والانتهاكات. شرطة المياه هي الجهاز المكلف بتنفيذ هذه السياسات والمراقبة الفعلية للمجال المائي. تتولى شرطة المياه مسؤولية تطبيق القوانين وتنفيذ الإجراءات الرامية إلى حماية الموارد المائية من التلوث والاستغلال غير المشروع. يتمتع هذا الجهاز بسلطات واسعة تشمل التفتيش، فرض الغرامات، وإحالة المخالفين إلى القضاء. عند الحديث عن استغلال الملك العمومي المائي، يميز القانون بين الأنشطة التي تتطلب ترخيصا والأنشطة التي تتطلب عقد امتياز. الأنشطة التي تتطلب ترخيصا تشمل حفر الآبار، جلب مياه العيون، إقامة منشآت فوق الملك العمومي المائي، وتنظيم مجاري المياه. هذه التراخيص تضمن أن يتم استخدام الموارد المائية بطريقة لا تضر بالبيئة ولا تنتهك حقوق الآخرين. أما الأنشطة التي تتطلب عقد امتياز، فهي تشمل الأعمال الكبيرة والمشاريع التي تحتاج إلى استثمارات ضخمة ومدة زمنية طويلة. من بين هذه الأنشطة إقامة السدود، استغلال المياه لأغراض الطاقة الكهرومائية، واستخدام المسطحات المائية لأغراض ترفيهية أو سياحية. إن نظام الامتياز يهدف إلى ضمان أن تكون هذه الأنشطة متوافقة مع المصلحة العامة وتخدم التنمية المستدامة. في السياق المغربي، تلعب المؤسسات المركزية واللامركزية دورا هاما في إدارة الموارد المائية. وكالة الحوض المائي هي إحدى هذه المؤسسات التي تعنى بإدارة واستغلال الموارد المائية على المستوى الجهوي. تتولى هذه الوكالة مسؤولية إصدار التراخيص ومراقبة تنفيذ القوانين المتعلقة بالمياه. كما تشارك الوكالة في إعداد الدراسات والخطط التي تهدف إلى تحسين إدارة الموارد المائية وضمان استدامتها. التحديات المائية التي يواجهها المغرب اليوم تتطلب استراتيجيات متعددة الأبعاد، تشمل تعزيز البنية التحتية المائية، تحسين كفاءة استخدام المياه في الزراعة والصناعة، وتشجيع البحث والابتكار في مجال التكنولوجيا المائية. إن الاستثمار في بناء السدود وتحسين شبكات الري والصرف الصحي يعد جزءا من هذه الاستراتيجية. إضافة إلى ذلك، تتطلب مواجهة التحديات المائية تعزيز الوعي المجتمعي بأهمية المياه وضرورة الحفاظ عليها. إن التثقيف والتوعية يلعبان دورا كبيرا في تغيير السلوكيات وتقليل الاستهلاك غير الضروري للمياه. يجب أن تكون هناك حملات توعية مستمرة تستهدف جميع فئات المجتمع وتوضح أهمية المياه وطرق الحفاظ عليها. التغيرات المناخية هي أحد العوامل الرئيسية التي تؤثر على الموارد المائية في المغرب. إن التغيرات في نمط الهطول وزيادة درجات الحرارة تؤدي إلى تناقص الموارد المائية وزيادة فترات الجفاف. لذلك، يجب أن تكون هناك استراتيجيات للتكيف مع هذه التغيرات تشمل تحسين إدارة المياه وزيادة كفاءة استخدامها. إجمالا؛ يمكن القول بأن إدارة الموارد المائية في المغرب اليوم تتطلب جهودا متكاملة تشمل وضع السياسات والتشريعات المناسبة، تعزيز البنية التحتية، وتشجيع البحث والابتكار، وهذا ما تضمنه خطاب جلالة الملك بمناسبة عيد العرش المجيد الذي يصادف الذكرى الخامسة والعشرين لتربع جلالته على عرش أسلافه الميامين. إن حماية هذا المورد الحيوي وضمان استدامته يتطلب تعاونا وثيقا بين الحكومة والمجتمع المدني والقطاع الخاص. فقط من خلال هذه الجهود المشتركة يمكن تحقيق الأمن المائي والتنمية المستدامة في المغرب.