علمت جريدة "العمق" من مصادر مطلعة، أن رئيس مجلس النواب، راشيد الطالبي العلمي، راسل كلا من المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، لاستقصاء رأيهما في مشروع القانون التنظيمي رقم 15.97 بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب. وأوضحت المصادر ذاتها، أن إحالة مشروع القانون التنظيمي للإضراب على هاتين المؤسستين الدستوريتين تأتي استجابة لطلبات تقدمت بها فرق ومجموعات المعارضة، وذلك في أعقاب شروع لجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب في مناقشة هذا المشروع. وينص الفصل 152 من الدستور على أنه للحكومة ولمجلس النواب ولمجلس المستشارين، أن يستشيروا المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، في جميع القضايا، التي لها طابع اقتصادي واجتماعي وبيئي، كما تنص المادة 335 من النظام الداخلي، على أنه يمكن لرئيس المجلس أن يستشير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حول مشاريع ومقترحات القوانين ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، ولاسيما الرامية إلى تنظيم العلاقات بين الأجراء والمشغلين. في هذا الإطار، طالب الفريق النيابي للتقدم والاشتراكية بإحالة "مشروع قانون تنظيمي رقم 97.15 بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب" على المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، لإبداء رأيهما في هذا المشروع. وأشار إلى أن طلب هذا الرأي يأتي انطلاقا من كون الحق في الاضراب هو حق كوني ودستوري، وهو موضوعٌ شائك تتقاطع فيه أبعادٌ حقوقية، واجتماعية، واقتصادية، وقانونية، بشكل معقد، كما يُعتبر مؤشرا رئيسيا من مؤشراتِ مستوى الديموقراطية وحقوق الإنسان في أي مجتمع. كما اعتبر الفريق البرلماني لحزب "الكتاب"، أن هذا المشروع قانون مسألة أولوية تهم المجتمع ككل، تتجاوز منطق التموقع السياسي، ومنطق التوجُّس المتبادل بين الطبقة العاملة والمقاولة، سعيا نحو إيجاد توافقات متينة وبناءة تكون في مستوى مغرب 2024 وما بعده. من جهتها، طالبت المجموعة النيابية للعدالة والتنمية، في طلب موجه إلى رئيس مجلس النواب، بإحالة مشروع الإضراب، على مجلس الشامي، لإبداء رأيه فيه، مؤكدة أن هذا المشروع له أهمية خاصة، ورهانات منتظرة، وآثار على مجالات متعددة، أبرزها تحقيق السلم الاجتماعي والتنمية الاقتصادية وجلب الاستثمارات. جدل ومخاوف أثار مشروع قانون تنظيم الحق في الإضراب جدلا كبيرا منذ انطلاق مناقشته بلجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب يوم 18 يوليوز.وعبرت النقابات عن "رفضها لهذه النسخة، لكون بنودها تقيد الحق في الإضراب؛ مطالبة بسحبها وإشراكها في الإعداد".ويعتبر القانون آخر قانون تنظيمي لم تتم المصادقة عليه منذ دستور 2011. وانطلقت عملية التصديق على قانون الإضراب بمجلس النواب (الغرفة الأولى بالبرلمان) خلال يوليوز 2024، وسط مطالب الأحزاب والنقابات بإشراكهم في عملية الإعداد لهذا القانون، قبل إحالته على البرلمان. ورغم أن الحكومة السابقة أحالت المشروع إلى البرلمان منذ أكتوبر 2016، إلا أنه ظل يراوح مكانه بسبب الخلاف بين الحكومة من جهة، وبين النقابات وأحزاب المعارضة من جهة ثانية. وفيما ترى النقابات أن هذا القانون "يقيد" الحق في الإضراب، المنصوص عليه دستوريا، تعهدت الحكومة بإجراء مشاورات لتجويد هذا القانون و"تقريب وجهات النظر من أجل إخراج قانون يحمي حق الإضراب والمضربين".وبعد مصادقة البرلمان بغرفتيه على هذا القانون، سيتم نشره في الجريدة الرسمية ليدخل حيز التنفيذ. وقال وزير الإدماج الاقتصادي والتشغيل المغربي، يونس السكوري، إن الحكومة تسعى إلى التوافق ما أمكن من أجل اعتماد هذا القانون. وأوضح السكوري في كلمة له بمجلس النواب، في 18 يوليوز، أن الحكومة تعتزم العمل مع البرلمانيين عبر تقريب وجهات النظر، والوصول إلى بناء مشترك يمكن من إخراج قانون يحمي حق الإضراب والمضربين. وزاد: "الحكومة حريصة على منح هذا القانون كل الضمانات الميدانية والقانونية، وحماية الحق في العمل وقدرة الشركات على الإنتاج، مع مراعاة المصالح العليا للوطن". من جهتها، تطالب النقابات مثل الاتحاد المغربي للشغل (أكبر نقابة في البلاد) والكونفدرالية الديمقراطية للشغل والاتحاد العام للشغالين، بضرورة التوافق على القانون قبل إحالته على البرلمان. وفي بيانات منفصلة صادرة عنها، تؤكد النقابات رفضها للقانون وتعتبره تكبيلا للحق في الإضراب، المنصوص عليه دستوريا. وبحسب الفصل 29 من الدستور المغربي، فإن "حريات الاجتماع والتجمهر والتظاهر السلمي، وتأسيس الجمعيات، والانتماء النقابي والسياسي، مضمونة". وكان وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والشغل والكفاءات، يونس السكوري، أكد أن الحكومة "لن تسمح تحت أي ظرف أو مبرر، أن يكون للمغرب في القرن الواحد والعشرين قانون يكبل ممارسة الطبقة الشغيلة للإضراب، مشيرا إلى أن تم التعبير عن هذا الموقف في مختلف الاجتماعات التي تم عقدها مع المنظمات النقابية الأكثر تمثليلية والتي تجاوزت 50 اجتماعا واستغرقت قرابة السنتين، وضمنها 15 اجتماعا عقدها بصفة شخصية مع النقابات. وقال السكوري خلال تقديمه لمشروع القانون التنظيمي لممارسة الإضراب أمام لجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب، في 16 يوليوز الماضي أنه "لا يمكن أن أمرر قانونا يمس بالحريات، وهذه ليست قناعتي وليس قناعة الحكومة، التي أمثلها في هذا الملف، مشددا على أنه "يجب أن نكون واضحين في حماية حقوق المضربين في إطار القانون، لأنه بعد التوافق على هذا القانون وفق مقاربة تحقق التوازان وتبتعد عن الغلو وحماية حقوق الشغيلة، لا يمكن السماح بمعاقبة المضربين". كما بدد السكوري، مخاوف النواب بشأن محاولة الحكومة الضغط على البرلمان والاستقواء بأغلبيتها لتمرير مشروع القانون التنظيمي للإضراب، مؤكدا في المقابل أن الحكومة تسعى ليكون هناك توافق وإجماع حول هذا المشروع وأنها تسعى للوصول بهذا القانون إلى "بر الأمان". في سياق متصل، أشاد نواب برلمانيون من الأغلبية والمعارضة، بفتح الحكومة للنقاش حول مشروع القانون التنظيمي للإضراب الذي ظل حبيس رفوف البرلمان منذ 2016، داعين إلى إبعاد الموضوع عن المزايدات السياسية وتغليب المصلحة العليا للوطن، وكذا إلغاء الفصل 288 من القانون الجنائي الذي يسجن بمقتضاه المضربون عن العمل.