قال الحسين الزياني، رئيس جمعية هيئات المحامين بالمغرب، في ندوة صحفية "إن مشروع قانون المسطرة المدنية يمس بمبدأ المساواة والحق في التقاضي، ويعقد ولوج المواطنين للعدالة". وأوضح أن "المحامين المغاربة مستعدون للنيابة عن جميع المواطنين، سواء الذين يملكون إمكانيات مالية أو الذين لا يتوفرون عليها في إطار المساعدة القضائية، حيث تحمل المحامون هذه المسؤولية بالمجان لسنوات". وأضاف أن "مشروع قانون المسطرة المدنية يتضمن تراجعات خطيرة جدا تمس بدستور المملكة"، مردفا "أن هذه التراجعات تمس المبادئ الكبرى التي أكدها صاحب الجلالة، وما ورد في تقرير النموذج التنموي، بالإضافة إلى البناء القانوني في بلادنا". وأشار الحسين الزياني إلى أن "جمعية المحامين بالمغرب تحملت المسؤولية بجدية المطلوبة وانفتحت على جميع المكونات والفرقاء والشركاء"، وأضاف أن الجمعية "عملت بوعي واشتغلت في صمت دون شوشرة ولا ضجيج، وكانت تهدف إلى إعادة بناء جسور الثقة والتواصل". وأبرز أن الجمعية اجتمعت مع وزارة العدل في لقاءات عديدة وقدمت ثلاث مذكرات مقترحات، مشيرا إلى أن المذكرة الأولى قدمت في 2022 من طرف المكتب السابق للجمعية، تلتها مذكرة إضافية أولية وثانية تضمنت مختلف المقترحات والانتقادات والبدائل. وأشار إلى أن الجمعية نظمت ندوات بشراكة مع وزارة العدل، وندوات ولقاءات مع المهنيين والأكاديميين، بالإضافة إلى لقاءات مع الفرق البرلمانية والمشاركة في الأيام الدراسية بلجنة العدل والتشريع، حيث قدمت مقترحات وتعديلات موضوعية تهم العدالة والمواطن المتقاضي والمحامين المغاربة. إلى ذلك، أعرب رئيس جمعية هيئات المحامين بالمغرب، "عن استيائه من عدم تجاوب الحكومة مع مقترحات الجمعية رغم المجهودات الكبيرة التي بذلتها منذ تقلدها المسؤولية في مارس 2024". وأكد أن "الجمعية تؤمن بالحوار والتواصل لمصلحة الوطن، لكن تفاجأت بالطريقة التي مر بها مشروع قانون المسطرة المدنية، حيث نوقشت نيّف من التعديلات في يوم واحد هو الجمعة الماضي، وكان من المقرر اجتماع يوم السبت لمناقشة الموضوع". وأشار إلى أن مشروع القانون يسقف الحق في الطعن بالاستئناف إلى 30 ألف درهم، مما يحرم المواطنين من حقهم في التقاضي في حال لم تتجاوز القيمة المالية للقضية هذا المبلغ. وأكد أن هذا الإجراء يضعف الثقة في الاستثمار في البلاد، حيث أن الشركات الصغيرة قد لا تتجاوز قيمتها المالية هذا المبلغ، مما يعيق استثماراتها دون ضمانات تشريعية. وأوضح أن مشروع القانون ينص على الطعن بالإلغاء أمام رئيس المحكمة الابتدائية، مما يزيد من الأعباء الإدارية والقضائية على رئيس المحكمة. وأشار إلى أن هذا الإجراء لا يتوفر على شروط المحاكمة العادلة، حيث لا يمكن للمتقاضي الطعن في حكم غير معلل، و"هذا تراجع كبير". وأكد أن الطعن بالنقد هو حق أساسي للمواطن، ولكن مشروع القانون ينص على عدم إمكانية الطعن في القضايا التي تقل قيمتها عن 100 ألف درهم، مما يجعل القرار الاستئنافي نهائيًا مهما كان. داعيا إلى ضرورة أن يحمي القانون مصالح الجميع بشكل متساوٍ، وليس مصالح جهة معينة ضد أخرى. وأعرب قلقه من أن مشروع القانون قد يؤدي إلى تراجع دور مهنة المحاماة، وأكد أن الجمعية ستواصل الدفاع عن حقوق المواطنين والمتقاضين بكل جدية ومسؤولية. مشيرا إلى أن الجمعية تعمل على تحسين الأوضاع والعدالة في البلاد. وأكد أن مكتب جمعية هيئات المحامين بالمغرب "يشتغل بوحدة وتفاني وبرؤية وموقف واحد، ويعبر عن مواقف المحامون بجدية وموضوعية.. والجمعية تسعى دائمًا لتحسين أوضاع العدالة في البلاد". وصرح الحسين الزياني لجريدة "العمق" أن الندوة تأتي كأول محطة بعد معاينة سرعة إخراج مشروع قانون المسطرة المدنية، "رغم الملاحظات والاقتراحات التي قدمتها الجمعية والتي لم تتم الاستجابة لها". وأوضح أن المناظرة جاءت بعد سلسلة من اللقاءات مع جميع الفرقاء والشركاء، بما في ذلك وزارة العدل، والمؤسسة التشريعية، والفرق البرلمانية، حيث تم شرح وتحليل المشروع بمشاركة أكاديميين ومهنيين، معربا عن أسفه من سرعة تنفيذ المشروع الذي لن يعطى حقه الكامل في الدراسة. وأشار الزياني إلى أن المشروع يحتوي على "نقائص ومخالفات" لدستور المملكة والمبادئ الكبرى، "خاصة رسائل وخطب الملك التي تؤسس لمفهوم جديد للعدالة، وهي خدمة جعل القضاء في خدمة المواطن"، وأضاف أن تقزيم دور المحاماة وجعل المواطن يلج العدالة دون معرفة بالمقتضيات التشريعية المعقدة والمتنوعة، إلى جانب حرمانه من حق الطعن بالاستئناف، كلها نقاط تثير القلق. وتحدث عن تأثير المشروع على المقاولات الصغرى والمتوسطة، خاصة في ظل ميثاق الاستثمار الذي يولي اهتماما لهذه الفئة. معتبرا أن تحديد سقف مالي معين عندما تلجأ هذه المقاولات للعدالة سيؤدي إلى إضرارها بشكل كبير. وفيما يخص مبدأ المساواة أمام القضاء، أشار إلى أن الحكم القضائي الصادر عن محكمة الاستئناف لا يمكن تنفيذه إذا طعنت فيه الإدارة أو الدولة، لكن في حالة طعن المواطن، يستمر التنفيذ، وهو ما يعارض نص الدستور على المساواة أمام القانون. وأوضح أنهم قدموا مقترحا ينص على أن الأشخاص يجب أن يقدموا مبلغا ماليا للمحكوم عليه، ليتم وضعه في صندوق المحكمة، وبالتالي يتوقف التنفيذ إلى حين صدور قرار محكمة النقض. "ومع ذلك، لم يتم الاستجابة لهذا المقترح". من جانبه، صرح حاتم بكار، عضو مكتب جمعية المحامين بالمغرب، بأن الندوة الصحفية تخاطب الرأي العام الوطني والدولي والمحامين والحكومة، لتوعية الجميع بمخاطر التشريع المقترح في قانون المسطرة المدنية. ودعا الحكومة إلى الانفتاح على الحوار والتوافق، مشيرا إلى أن الجمعية تواصلت مع وزارة العدل وعدة جهات معنية منذ بداية ولايتها في مارس. وأكد بكار أن الجمعية استضافت عدة اجتماعات ولقاءات مع مسؤولين في وزارة العدل والبرلمانيين، لتحذيرهم من التناقضات في صيغة مشروع القانون. وأشار إلى أن المشروع الجديد يجب أن يتناسب مع طبيعة المعاملات الحالية، مثل الرقمنة، دون المساس بالضمانات الدستورية والحقوق والحريات الأساسية. وزاد قائلا إن الملك محمد السادس أكد أن الخيار الديمقراطي والحقوق والحريات خيار استراتيجي لا رجعة فيه، ولكن السياسات العمومية الحالية تتناقض مع هذه المبادئ وتؤثر على ضمانات المواطنين. موضحا أن جمعيتهم ستظل منفتحة على الحوار، ولكنها لن تقبل بإبعاد مهنة المحاماة من منظومة العدالة، بحسب تعبيره.