في ظل الجدل الذي أثارته التعديلات المقدمة من طرف وزارة الداخلية على نظامي مجلس النواب والأحزاب السياسية، اعتبر محمد زين الدين، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الحسن الثاني بالمحمدية، أن تقليص العتبة الانتخابية من 6 إلى 3 في المائة سيؤدي إلى صعوبة تشكيل الحكومة القادمة، وسيقلص الفارق بين العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة. وأشار المحلل السياسي، في هذا الحوار الذي أجرته معه جريدة "العمق المغربي"، أن أكبر المتضررين من التعديلات هي الأحزاب الكبرى، خاصة العدالة والتنمية والاستقلال والأصالة والمعاصرة، بينما المستفيد الأبرز هي الأحزاب الوسطى، الاتحاد الاشتراكي وفيدرالية اليسار والتقدم والاشتراكية، فيما الأحزاب الصغرى لن تستفيد من التعديلات. حاوره : محمد عادل التاطو - العمق المغربي 1) بداية، لماذا جاءت التعديلات في هذا الوقت بالضبط ؟ المذكرة التقديمية للتعديلات، تأتي في سياق الاستعداد للاستحقاقات الانتخابية للسابع من أكتوبر، وفي سياق سياسي تميز بمخاض ونقاش قوي بين مختلف مكونات الحقل السياسي المغربي، خاصة حول نظام العتبة ولائحة الشباب التي تم الاحتفاظ بها كحل وسطي توافقي من خلال إدماج الشابات إلى جانب الشباب في 30 مقعد، أي تحقيق المناصفة في لائحة الشباب. مشروع قانون تنظيمي رقم 16-20 يقضي بتغيير وتتميم القانون التنظيمي رقم 11-27 المتعلق بمجلس النواب، ومشروع قانون تنظيمي رقم 16-21 يقضي بتغيير وتتميم القانون التنظيمي رقم 11-29 المتعلق بالأحزاب السياسية، سيثيران نقاشات قوية معا. يمكن أن نقول بصفة عامة، أن المذكرة التقديمية لكلا المشروعين حاولت أن تعطي أسباب النزول للتعديلات، والتي ليس بالتأكيد هي ليس تعديلات مجرد تقنية، ولكن لها تداعيات سياسية على المشهد السياسي المغربي. 2) ما هي التداعيات المرتقبة لتخفيض العتبة من 6 إلى 3 في المائة ؟ تخفيض نظام العتبة من 6 إلى 3 في المائة، لن يؤثر على ترتيب الأحزاب السياسية، ولن يكون له تأثير على الأحزاب الصغرى، وذلك بالنظر إلى نتائج الانتخابات التشريعية 2011 والجماعية 2015، المستفيد نسبيا من تخفيض العتبة هي الأحزاب الوسطى التي ستنقذ ماء وجهها، خصوصا الاتحاد الاشتراكي وفيدرالية اليسار والتقدم والاشتراكية. غير أن المتضرر الرئيسي هي ثلاث أحزاب: الأول هو حزب العدالة والتنمية، ثانيا الاستقلال، ثالثا الأصالة والمعاصرة، باعتبارهم يحصدون النتائج الأولى في مختلف الاستحقاقات (2011 و2015)، وحتى بالنظر إلى المعطيات المتوفرة حاليا. أما الأحزاب الصغرى فلن تستفيد من تخفيض العتبة لأنها لا تملك إمكانات كبيرة للولوج. 3) ما هو الضرر الذي سيحدثه تخفيض العتبة بالنسبة للأحزاب الثلاثة الأولى ؟ أعتقد أن هذا الموضوع يمكن تحليله من ثلاث جوانب رئيسية، الجانب الأول يتجسد في كون تخفيض العتبة من 6 إلى 3 في المائة، سيؤدي إلى تشتيت الأصوات قد تصل إلى 20 في المائة، وهنا سيكون المتضرر الرئيسي هما العدالة والتنمية والاستقلال. الجانب الثاني في تخفيض العتبة هو أنه سيصعب المأمورية بين الحزبين المتنافسين، أقصد هنا "البام" و"البيجيدي"، وسيؤدي إلى تقليص الفارق بينهما بشكل كبير للغاية، وسيطرح إشكالا كبيرا لأن فارق مقعد واحد قد يخلق مشكل لكلا الحزبين. الجانب الثالث في المسألة، أن هذا الإجراء سيؤدي إلى صعوبة تشكيل الحكومة القادمة، ورغم أننا سنرى 8 أحزاب حاضرة في البرلمان بهذا التقليص بشكل عامة، ولكن الأمر سيخلق مشكل على مستوى تشكيل الحكومة المقبلة، لأنه يصعب على أي حزب سيتصدر الاستحقاقات الانتخابية ل7 أكتوبر أن يشكل حكومة منسجمة، خصوصا وأن هذا التخفيض سيؤدي إلى مزيد من بلقنة المشهد السياسي المغربي. 4) بالنسبة للائحة الشباب، هل التعديلات المقدمة في صالح الشباب أم العكس ؟ بالنسبة للائحة الشباب، المشرع حاول أن يقبض العصا من الوسط، احتفظ بلائحة الشباب وأدمج بشكل جزئي العنصر النسوي، بمعنى أننا سنرى 60 مقعدا للائحة الوطنية للنساء سينضاف إليها 15 مقعدا في لائحة الشباب، ليصح أزيد من 75 مقعدا خاصة بالنساء، عوض المطلب الأول الذي كان يتجه على أن تبقى المقاعد 30 في لائحة الشباب تحول كلها للائحة الوطنية للشباب. السؤال المطروح هنا: هل ستلتزم الأحزاب السياسية بمسألة المناصفة في لائحة الشباب، سنرى الأمر في تقديم التشريحات. 5) بالانتقال إلى مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالأحزاب السياسية، هل يمكن القول أن الداخلية استجابت للأحزاب الصغرى فيما يخص تمويل الحملات الانتخابية؟ مشروع قانون تنظيمي رقم 16-21 المتلعق بالأحزاب السياسية، تم التركيز في تعديلاته على مجموعة من الأمور التي طالبت بها الأحزاب الصغرى، خاصة مسألة التمويل المتناسب بينها وبين الأحزاب الكبرى، حيث سيكون الشطر الأول للتمويل فيه تكافؤ بين جميع الأحزاب. وعلى مستوى الحملة الانتخابية، تجاوز المشروع الأنماط التقليدية في تنظيم الحملات الانتخابية، بحيث كرس حرية تعليق الإعلانات الانتخابية من طرف وكلاء لوائح الترشيح أو المترشحين، على أساس إحالة المسألة على نص تنظيمي سيوضح كيفية تنظيم الإعلانات الانتخابية والأماكن والتجهيزات التي يمنع فيها تعليق الإعلانات كأمور تقنية. وتشمل التعديلات حتى الحيز الزمني الذي طالبت به الأحزاب الصغرى فيما يتعلق بالولوج والظهور في القنوات العمومية إبان الحملة الانتخابية. 6) هل يمكن أن نعتبر أن مشروعي القانونين التنظيميين يخدمان المسار الديمقراطي بالمغرب أم يشكلان نكوصا؟ المشروعين يواكبان ما يجري على مستوى مختلف الاستحقاقات الانتخابية، دون أن ننسى مسألة مهمة، وهي مسألة السماح للأحزاب السياسية بتشكيل تحالفات فيما بينها بمناسبة الانتخابات، وهي ليست جديدة ولاحظناها في القانون التنظيمي ل 2015، وكرسها هذا المشروع القانون التنظيمي. إن أي إجراء تقني له أبعاد ومضاعفات سياسية، فمثلا نمط الاقتراع بالنسبة للتمثيل النسبي مع أكبر بقايا وفق اللائحة المغلقة ليس هو نفسه في قوانين اللائحة المفتوحة، فأكبر بقية يصب في مصلحة الأحزاب الصغرى، وحين نعتمد على أكبر معدلات سيكون لصالح الأحزاب الكبرى خاصة "المصباح" و"الجرار" و"الميزان". هذه تقنيات انتخابية لها نفَس سياسي، وتؤدي إلى نتائج سياسي قد تُغير الشيء الكثير في الخريطة الانتخابية القادمة. المنطق الذي يجب أن يكون هو الخروج من نظام الاقتراع التمثيل النسبي مع أكبر بقايا والذهاب إلى نظام الدورتين، وذلك إذا أردنا أن تكون لنا حكومة منسجمة، كما هو الحال في فرنسا، حيث تمر كل الأحزاب في الدورة الأولى، ويبقى الحزبان القويان في الدورة الثانية. 7) هل تقصد أن المطلوب هو مراجعة جذرية للنظام الانتخابي بالمغرب ؟ هذا هو المنطق السليم الذي يجب أن يكون، لكنه أمر مستحيل في المرحلة الحالية، هذا يحتاج إلى قدر كبير من التوافق والإجماع، لأن نظام الدورتين تتيح للحزب الفائز تشكيل حكومة بأريحية، فكيف يمكن لرئيس الحكومة تدبير 5 أو 6 أحزاب بعضها يشرق والآخر يغرب في النظام الحالي. الأحزاب الصغرى تقول أن نظام العتبة فيه إقصاء، بينما نظام العتبة معمول به في جميع الأنظمة الديمقراطية، وبلجيكا بلد ديمقراطي ويعتمد نظام العتبة، والدول الأوروبية كلها تعتمد العتبة. المفروض من الأحزاب أن تطور نفسها وتعالج مكامن الخلل لتصبح قوية وليس أن تأخذ ريعا سياسيا، العتبة تشكل ريعا سياسيا، فمثلا حزب الاتحاد الاشتراكي كان يطالب ب8 في المائة للعتبة حين كان قويا، الآن يطالب ب3 في المائة، وهذا أسميه استجداء سياسي. (محمد زين الدين، أستاذ العلوم السياسية بجامعة المحمدية)