أثناء جائحة كورونا وبعدها، استحوذت المسألة الاجتماعية على الخطاب السياسي بالمغرب، بل أن مختلف المؤسسات بالمغرب، على رأسها المؤسسة الملكية عملت على تعزيز التدخلات الاجتماعية، فضلا عن كون "الدولة الاجتماعية" شكلت شعارا للحكومة الحالية. ما الدولة الاجتماعية؟ دعونا نتفق أولا عن كون مفهوم الدولة الاجتماعية ظل مرتبطا بألمانيا، ففي سنة 1870 أطلق المستشار الألماني بسمارك مجموعة من الإجراءات همت أساسا إنشاء نظام للتأمين الاجتماعي عبر سن المساهمة الإلزامية لصاحب المعمل في صناديق الضمان الاجتماعي، شكلت ألمانيا نموذجا لمجموعة من الدول الأوروبية الأخرى، وإبان الحرب العالمية الثانية سينتشر مفهوم دولة الرفاه الذي انطلق أساسا في بريطانيا(welfare state)، حيث اعتمد هذا النظام البريطاني على مواجهة الدولة لخمس مخاطر تهدد المجتمع وتتمثل في العوز، والكسل، ثم الجهل، والبؤس والمرض. إجمالا يمكن القول أن الدولة الاجتماعية في نظري ترتبط بالإجراءات التي تتخذها الدولة قصد حماية المواطن من مجموعة من المخاطر التي قد تواجهه. من يقود ورش الدولة الاجتماعية في المغرب؟ عند دراسة أي سياسة عمومية، فإنه من الضروري على الفاعلين المساهمين في إعداد وأجرأة هذه السياسة، وفي هذا الصد يطرح عن أهم الفاعلين في هذا الورش، فعلى مستوى المبادرة يمكن أن نتفق عن المؤسسة الملكية هي الفاعل الرئيسي في هذا الباب، فالملك عبر خطاب العرش لسنة 2020 أعلن عن إطلاق ورش تعميم الحماية الاجتماعية، ولا بد من الإشارة على أهم المبادرات الاجتماعية –على رأسها المبادرة الوطنية للتنمية البشرية-كانت بمبادرة ملكية، ليظل دور الحكومة لا يتجاوز أن يكون دورا تنفيذيا لإجراءات معلنة ومتخذة من طرف الملك. وإذا ما أجرينا نوعا من التقييم منذ شروع الدولة في تنزيل هذا الورش، فإنه من الملاحظ غياب بنية موحدة مختصة بتنزيل هذا المشروع، فوزارة الصحة والحماية الاجتماعية ليست معنية بقيادة هذا الورش في شموليته، اللهم ما يتعلق بالشق الصحي الذي يعتبر عنصرا هاما في إنجاح هذا الورش، في حين أن ورش الدولة الاجتماعية يمس قطاعات مختلفة من تعليم وسكن وتشغيل وغيرها، وعلى مستوى الواجهة، يبدوا أن وزارة والاقتصاد والمالية هي من تقود عمليا هذا الورش. ما المخاطر التي تواجه ورش الدولة الاجتماعية؟ تواجه الدولة الاجتماعية مجموعة من المخاطر التي قد تهدد نجاعته أو تنزيله كما تم تسطيره، سيحصل لدينا ما هو أشبه بالإجماع عن كون الاستدامة المالية هي أبرز تحد يواجه الورش، وإذا كانت الحكومة تقدم ضمانات في هذا الباب، خاصة أن الاعتمادات المالية التي كانت مخصصة لبرامج اجتماعية تم إلغاؤها بعد إطلاق هذا الورش سيتم تخصيصها لتمويل الإجراءات المتعلقة بتعميم الحماية الاجتماعية، مع الإشارة إلى المراجعة التي ستهم صندوق المقاصة. الخطر الثاني في تصوري يرتبط بالإجراءات المواكبة لهذا الورش، فمراجعة الدعم المخصص من طرف الدولة لبعض المواد الأساسية، بالقدر الذي سيوفر للدولة سيولة مالية، فإنه سيزيد من حجم الضغط والعبء المالي على الطبقة المتوسطة، فالأخيرة لن تستفيد من الدعم المباشر، ثم مجموعة من المواد شهدت ارتفاعا صاروخيا في أثمنتها، في مقابل أن مداخيل هذه الأسر لم تشهد زيادة هامة يمكن أن تمكنها من مواجهة هذه التحديات الاقتصادية، فهل يعقل أن تحل مشكلا، بمشكل آخر؟ ختاما، لا يمكنني أن أنكر أن المغرب يعيش نوعا من التحول الكبير في التعاطي مع المسألة الاجتماعية، غير أن ضمان نجاح هذا التحول يظل رهينا، بتوفير الشروط اللازمة لتنزيله وإنجاحه، وهي تتعلق في المجمل بشروط سياسية، تدبيرية، ومالية.