بصفة عامة تعتبر مقولة النقاش العمومي عنصرا من عناصر البناء الديمقراطي لذا يتوجب التمييز بين النقاش الخاص وهو تداول فكري في دواليب بعينها (رسمية وشبه الرسمية)، والنقاش العمومي الذي يؤطره الاستعمال العمومي للتداول العقلاني لقضايا الجماعة، فالنقاش العمومي هو نقيض النقاش الخاص. فيما يتعلق بأقطاب النقاش العمومي بالمغرب يمكن التمييز بين ثلاثة أقطاب: مؤسسات حكومية وغير حكومية (سياسية ومدنية ونقابية وإعلامية) وأفراد رقميون لا سيما ما يمكن تسميتهم بالمؤثرين الجدد حيث لهم "أتباع " وأصبحوا بمثابة «زوايا » قائمة بذاتها (اليوتوبرز – روتيني اليومي – مول ....) ومجموعات افتراضية تجتمع حول بعض المواضيع وبعض الاهتمامات (الألتراس – المجموعات النسائية – المجموعات الترابية ....) وهذه الأقطاب الثلاثة تصرف نقاشاتها عبر فضاءين متكاملين و متمايزين كميا وكيفيا، فضاء واقعي مؤسساتي (بنيات منظمة ) وغير مؤسساتي (بنيات غير منظمة) وفضاء افتراضي فردي (المواقع والحسابات الشخصية) وآخر جماعي (المجموعات الافتراضية). كيف يمكن إذن للإعلام (التقليدي والجديد) أن يلعب دور الوساطة المجتمعية في تشكل الرأي العام وتغيير السلوك لدى أفراد المجتمع والتعريف والتحسيس بمختلف القضايا المجتمعية في ظل التمظهرات الجديدة للتفاعل والدينامية المجتمعية (طبيعة الفضاءات و تنوع الأقطاب) التي حولت المجتمع المغربي من مجتمع التواصل إلى مجتمع الاتصال؟ ولكي يتمكن الإعلام المغربي من لعب دور الوساطة المجتمعية في النقاش العمومي يتوجب عليه التمييز بين الظاهرة الاجتماعية والمسألة أو القضية الاجتماعية. لأن الظاهرة الاجتماعية عابرة وظرفية أما المسألة أو القضية الاجتماعية فهي بنيوية ومستمرة في الزمان والمكان وكمثال على ذلك مقاطعة بعض المنتوجات كظاهرة وسلوك مجتمعي انتهى الحديث عنها مع توقفها وقد شغلت الظاهرة الإعلام في حينها. كان بالأحرى البحث والتشخيص والتقصي وتحليل المسألة والقضية المجتمعية الكامنة وراء المقاطعة لطرحها كمادة للنقاش العمومي. فالظاهرة المجتمعية ليست الهدف بل هي الوسيلة الأنجع ونقطة الانطلاق لطرح قضايا النقاش العمومي وتباعا يصبح الإعلام من هذه الزاوية المحرك والمنشط للنقاش العمومي وليس تابعا ومنساقا مع الظواهر الاجتماعية الناشئة والمتحولة والعابرة والصاعدة من عالم افتراضي سائل.