من أهم المهام المسندة لوزارة التحول الرقمي وإصلاح الإدارة، مواكبة المشروع الكبير للمملكة المغربية في التحول الرقمي ودخول البلاد عالم الرقمنة، كأحد الخيارات الاستراتيجية التي أكد عليها النموذج التنموي الجديد. لكن إعلان الوزارة عن فتح الترشيح لمنصب مدير تبسيط المساطر ورقمنة الإدارة، وطلب إيداع 5 نسخ ورقية من ملف الترشيح لدى الكتابة العامة بالوزارة كما جاء في منشور فتح باب الترشيح، يجعلنا نطلب بركة المثال المغربي القائل "الفقيه لي نطلبوا براكتو دخل الجامع ببلغتو". وإسقاط هذا المثل الشعبي على حالة وزارة التحول الرقمي، يجعلنا نقول: الوزارة لي بغيناها الدير التحول الرقمي خاصها شكون لي يوريها كيفاش الدير الرقمنة في مصالحها". أول مبدأ في الرقمنة هو محاربة الملفات الورقية وتعويضها بملفات رقمية يتم تخزينها إلكترونيا. وطلب الوزارة ملف ورقي، وطبعه في 5 نسخ، هو أمر لو علمته منظمات الحفاظ على البيئة لأصابها صرع الغابات. ولو علمت أن الأمر يتعلق بوزارة تشرف على التحول الرقمي في بلد برمته، لأصابتها السكتة القلبية. ثاني مبدأ في التحول الرقمي، هو اعتماد منصات رقمية لتجميع المعطيات. فكان المطلوب من وزارة تحمل اسم "التحول الرقمي" إنشاء منصة رقمية يلج لها كل مترشح للمنصب. ويتم تجميع المعطيات في ملفات إلكترونية تجعل عملية الانتقاء سلسة وسهلة، والأكثر من ذلك وهو بيت القصيد عملية شفافة، لأن من بين مزايا الرقمنة هو اختصار زمن الإصلاح الإداري، وتدعيم الشفافية لتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص كرافعة أساسية في تحقيق التنمية. ثالث مبدأ يقوم عليه التحول الرقمي هو إمكانية الاشتغال من أي بقعة في الأرض، وإلغاء مفهوم المسافة والبعد الجغرافي. لكن الرقمنة، عند وزارتنا الموقرة، المكلفة بالتحول الرقمي، تقتضي من المترشحين الذهاب إلى المكتبة، وإعداد 5 نسخ من الملف المطلوب، ثم امتطاء السيارة أو الحافلة أو القطار أو الطائرة، كل مترشح حسب موقعه الجغرافي، للوصول إلى العاصمة الرباط. ثم البحث عن مكان الوزارة، والتجول بين مكاتبها، للوصول إلى المكتب المعلوم. وسيكون المترشح محظوظا إذا وجد في المكتب من يستلم منه الملف دون أن يُرجعه إلى مدينته لإعادة ورقة أو استبدال ملف بدعوى عدم مقروئية النسخة وهو ما يُعرف في لغة الإدارة التقليدية copie illisible. سؤال فعلا يحير أي متتبع للتحول الرقمي في بلادنا: هل الوزارة المكلفة بمواكبة التحول الرقمي في بلادنا، لا تؤمن بالرقمنة؟ أم أنها متمسكة بإدارة الورق و "سير جيب" أو "رجع السيمانة الجايا" وهي لغة لم تعد قائمة في كثير من الدول التي سبقتنا في التحول الرقمي. خبراء التحول الرقمي يدقون ناقوس الخطر بسبب التأخر الكبير لبلدنا في مجال التحول الرقمي. ومقارنة بسيطة مع دول ناشئة كرواندا مثلا، نكتشف ذلك بجلاء. فإحداث شركة أو مقاولة في هذا البلد الإفريقي الذي عرف أكبر حرب أهلية للتطهير العرقي، يتم عبر منصة رقمية ويتم ذلك في أقل من ساعتين. لكن ما أعلنته وزارة التحول الرقمي في البحث عن مدير رقمنة الإدارة، يجعلنا أمام مشكلة حقيقية، لأنها وزارة تعمل على إنجاز رقمنة السلحفاة وليس رقمنة القطار السريع. حين نسمع أن وزارة التحول الرقمي المحترمة، تشتغل بمبدأ "صفر ورق"، آنذاك يمكننا القول إن التحول الرقمي في بلادنا بخير. لكن هل سننتظر زمن السلحفاة أم زمن القطار السريع؟ هذا هو هاجسنا وتخوفنا، لأن زمن الرقمنة لا يرحم، وهناك دول كانت إلى وقت قريب أقل من بلادنا، وهي الآن تتفوق علينا، لأنها أسرعت في تحولها الرقمي.