بلاغ لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بخصوص استخلاص مصاريف الحج    الأميرة للا حسناء والشيخة المياسة بنت حمد آل ثاني تترأسان بالدوحة تظاهرة "عرض أزياء القفطان"    اكتشاف فائدة جديدة للقرفة!    البرلمان الفرنسي يحجب الثقة عن الحكومة    المغرب التطواني يقبل استقالة الركاني وأزروال يشكره على كل ما قدمه        فاس: توقيف مسؤولة بالمديرية الإقليمية للتعليم بالناظور ومسير شركة ومساعده بتهم اختلاس وتبديد أموال عمومية والتزوير واستعماله    هل تسرّع وزير الأوقاف مجددا في الردّ على بنكيران؟    الطلبة الممرضون يحتجون للمطالبة بالتعويضات عن التداريب الاستشفائية بالحسيمة    ندوة وطنية بطنجة تناقش العنف ضد النساء والفتيات: القانون، التكنولوجيا، والتمكين الاقتصادي في قلب النقاش    الناظور في الرتبة الأخيرة.. برمجة أزيد من 700 مشروع ونشاط بحوالي 300 مليون درهم بجهة الشرق    الملك يعين زهير شرفي على رأس الهيئة الوطنية لضبط الكهرباء    ماكرون يوجه خطابا إلى الأمة مساء الخميس على خلفية حجب البرلمان الثقة عن الحكومة    انعقاد المؤتمر ال 48 لقادة الشرطة والأمن العرب بمشاركة المغرب    انتخاب المغرب على رأس الأمانة العامة للمنظمة الإفريقية للأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة    المغرب يرأس الأمانة العامة ل"أفروساي"    الملك يعين زهير شرفي رئيسا للهيئة الوطنية لضبط الكهرباء    نصير مزراوي يرفض ارتداء سترة تدعم "المثلية" خلال الإحماء …    تنويع الشركاء الدوليين أحد الأولويات الاستراتيجية للسياسة الخارجية للمغرب (فتاح)    تأجيل محاكمة "ولد الشينوية" وسط جدل حول الشكايات والإجراءات    الحناء المغربية والعربية تدخل قائمة التراث غير المادي لليونسكو        كأس العالم للأندية.. الوداد الرياضي ضمن المستوى الثالث        المغرب ينجح في إفشال محاولة جزائرية للسطو على القفطان في اليونسكو    وزير الدفاع الكوري الجنوبي: مستعد للاستقالة على خلفية المحاولة الفاشلة لفرض الأحكام العرفية في البلاد    تعاون جديد بين أمانديس وجمعية الأوائل بعمالة المضيق-الفنيدق    شركة بالياريا: سنحول خط "طنجة المدينة-طريفة" لنموذج يحتذى به في التنقل الحديث والاستدامة الدولية    الجمعية العامة للأمم المتحدة تطالب بإقامة دولة فلسطينية    الجالية المغربية بإيطاليا تدين الاستفزازات الجزائرية ومحاولات استغلال قضايا الريف    تنصيب مجموعة الصداقة البرلمانية بنما-المغرب بالجمعية الوطنية البنمية        فيروس شلل الأطفال يثير القلق في أوروبا    خبراء يردون على شائعات سلامة اللقاحات بالمغرب..        اليونسكو.. إحباط محاولة جزائرية للسطو على "قفطان النطع" المغربي    فضيحة تدفع إلى إلغاء حلقات من "ماستر شيف" البريطاني    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    تثبيت رسوم الاستيراد يفرح النحالين    "كاف" يعلن رسميا إقامة حفل جوائز الأفضل بقصر المؤتمرات بمراكش    هذه أبرز تعديلات مجلس النواب على مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالإضراب    إسرائيل تُسَلِّمُ جُثَّتَي منفذي عملية البحر الميت للأردن    الوكالة المغربية لتنمية الأنشطة اللوجيستيكية تبرم شراكة لتشجيع الابتكار مع SprintProject    المغرب ينجح في إفشال محاولة سطو الجزائر على "قفطان النطع" بمنظمة اليونسكو    أطباء مغاربة يطالبون بحماية نظرائهم بفلسطين من الإبادة الإسرائيلية    "النهج" يدين قمع الاحتجاجات السلمية للعمال الزراعيين ومناهضي التطبيع ويطالب بوقف استهداف الحريات    الحجري في البلاط السعدي.. كتاب يكشف مغالطات استشراقية حول "الانغلاق"    إصدار يقارب حرية التعاقد بالجماعات    تلفيات الأعصاب .. الأعراض وسبل مواجهة الاضطرابات    تداعيات عضة خفاش مصاب بداء الكلَب تسلب حياة معلمة        قمة (المياه الواحدة) في الرياض.. ماكرون يشيد بجهود المغرب في مجال تدبير المياه    المهرجان الدولي للفيلم بمراكش يخلد ذكرى الراحلة نعيمة المشرقي    كأس ألمانيا: ليفركوزن يتأهل لربع النهاية على حساب بايرن ميونيخ    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    هذا تاريخ المرحلة الثانية من استخلاص مصاريف الحج        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لغة الروح في زيارة أرودغان الى بغداد وإقليم كوردستان

مع ان الوجهة الأساسية التي شكلت الاطار الرسمي لتأسيس علاقات كاملة لتركيا هي بغداد، لكن بالنظر الى تعابير الوجه وما تعكسه من علامات تظهر جانباً مخفياً من فكر الانسان وخلجات النفس، كانت التعابير التي ظهرت على وجه الرئيس التركي رجب طيب اردوغان عند وجوده في بغداد تشخص عدم الارتياح أو قلة الاستئناس على اقل تقدير هناك، ورغم أن الزيارة كانت ناجحة بدرجة جيدة جداً، ووقِّعت 26 اتفاقية في مختلف المجالات، لكن للروح حديث آخر، على خلاف الإنبساط الواضح عند وصوله الى أربيل عاصمة إقليم كُردستان، حتى وهو يسير نزولاً من سلم الطائرة كانت السعادة بادية على محياه وهو ينظر إلى رئيس الإقليم المنتظر بشغف، لغة الروح كانت مختلفة بين أربيل وبغداد.
كانت الزيارة مقررة إجراؤها في شهر أيلول- سبتمر الماضي، لكنها تأجلت لغياب توفر الشروط اللازمة وعدم نضجها، وللبلدين غايات، تركيا تريد من هذه الزيارة العودة الى ما قبل 2010 في علاقاتها الخارجية وإعادة ترتيب الأوراق من جديد، ومعالجة بعض الملفات التي تخنق المحادثات مع العراقيين، والعراق أراد من هذه الزيارة التصرف كدولة طبيعية خارج المفردات الأمنية ومحاربة الارهاب وحماية السيادة وبعيداً عن إيران قدر الإمكان، الأعمدة الاساسية لهذه الزيارة هي ملفات الأمن والنفط والمياه والتي هي مشاكل وخلاف بينهما وضِعت حلول ضمن الاتفاقيات لغالبية المشاكل مع الخطط الاقتصادية تلبية لمتطلبات تطور العلاقة بينهما، لكن ملف الأمن لم يجد الحلّ كما كانت أنقرة ترغب، بغداد لم تلبي طلب تركيا تعريف حزب العمال الكردستاني – المعارض المسلح- كمنظمة إرهابية ولم تقبل الدخول في حرب مباشرة معه وإن أقرّ إلتزام الحكومة العرقية بالمواثيق الدولية التي تمنع تحويل أرضها الى معسكر ضد دول الجوار، هذا ما بانَ من تصريحات اردوغان بعد لقاءاته مع المسؤولين العراقيين، وحتى في الإقليم الكوردي – مع رفض للوجود ومواجهات مع PKK – لكن كما صرّح وزير الداخلية قبيل موعد زيارة أرودغان ليس من مهمة الدول وضع تعاريف رسمية لمكونات الدول الأخرى السياسية ، لهذا قال الرئيس التركي نأمل سماع تصنيف هذه المنظمة المحاربة لتركيا كمنظمة إرهابية قريباً، أي أنه لم ينل مراده في هذا الجانب.
بتوسيع هذه الدائرة الأمنية لرؤية المشهد كاملاً، فإن العراق هو مجال النفوذ الإيراني في المنطقة، وحضور تركيا تَنافسٌ لهم وإن كانت بالادوات الناعمة، وجود حزب العمال وعدم وجوده خارج نطاق القدرة العراقية الرسمية ويمتد الى إيران، لمعالجة هذا الموضوع الشائك تركياً بحاجة الى حركة داخلية قانونية وشعبية وانفتاح عقلي ونفسي على الحلول السلمية الضرورية، وخارجياً بحاجة الى الحديث مع الإيرانيين، والدليل هو اتفاق سنجار الموقع بين بغداد وأربيل بحضور الممثلة الأممية في العراق – جنين بلاسخارت – في 1-10-2020 ولم يدخل حيّز التنفيذ مع مضيّ ما يقرب من أربع سنوات عليه، والسبب أن الحشد الشعبي المتحكم في القضاء يمتنع عن تنفيذ بنوده، وسنجار يتمتع عناصر حزب العمال بحضور معلن فيها.
أما قدوم الرئيس التركي إلى إقليم كوردستان له دلالات كثيرة:-
– إنه أراد تصحيح الخطأ الذي بدر من أنقرة تجاه الإقليم عندما كانت سبباً في إضعافه أمام بغداد منذ 2017، فتركيا هي الخاسر الاستراتيجي الأول من إضعاف السلطات الكوردية، وربما أراد القول إنه مع تقوية وتمكين حكومة الإقليم فيما دون الإستقلال الكامل و إعلان تأسيس دولة.
– إن كوردستان هو خط الأمان بالنسبة لتركيا في المنطقة تحديداً عند الصراع على النفود في الشرق الأوسط مع إيران أو حتى توسيع نطاق العلاقات الطبيعية الإيجابية، ففي عام 2002 قبل وعقب مجيء حزب العدالة والتنمية الى الحكم في تركيا، كانت العلاقة شديدة التعقيد بين أنقرة وكل من أربيل وبغداد حتى الأمريكيين لم ينجحوا في ترطيبها، والرؤية التركية للواقع ومحاولة فرضها عبر تحالفها مع واشنطن لم تنجح، القيادة التركية حينها اهتدت بإقتراح من التيار الإسلامي الكوردستاني إلى تقوية العلاقة بينها وبين الجانب الكوردي الجار الأقرب والإمتداد الطبيعي الشعبي لكورد تركيا أولاً، الحاجة المتبادلة والنية الجادّة دفعت بالطرفين إلى تكوين علاقات ستراتيجية ساعدت أنقرة على ترميم العلاقة مع بغداد بمرور الزمن، والآن وبعد بقاء سلطات الإقليم قوية يرى الرئيس التركي فيها الحليف الأنظف والأكثر ضرورة له لاسيما أن شخصية رجب طيب أردوغان بخلفياته الدينية والفكرية لعبت الدور المؤثر وإن كانت السياسة لا تتقيد كثيراً بالشخوص رغم تأثيرها غير القابل للنكران.
– إضافة إلى ذلك أن 70% وأكثر من الصادرات التركية الى العراق تمرّ عبر المنافذ الحدودية في جغرافية المنطقة الكوردية، والشركات التركية مرحب بها دوماً.
– كما أن العامل التأريخي العميق والإمتداد الشعبي العابر للحدود والتكوين الديني عوامل مساندة لقوة العلاقة بين تركيا والجانب الكوردي. هذه عوامل حاول الرئيس الأسبق تورغوت اوزال توظيفها في تسعينيات القرن الماضي لكن المنية وافته وهو في الرئاسة، وهذا لا يعني المثالية لأن السياسة في النهاية مصالح تتطلب المصافحة الحارّة مرّات والضرب بمقبض اليد أحياناً، إلا أن المعايير الأخرى في رسم العلاقات خطأ إهمالها.
– شكل تزيين القلعة الأثرية المطلة على شارع السلطان مظفر في قلب أربيل إندهاشاً للمراقبين، ومع أنه تصرف بوتوكولي لكنه لا يحدث سوى بين طرفين يتمتعان بعلاقات دافئة، ورسالة رمزية إلى الضيف بأنك مرحب بك أكثر من المعتاد، وهو إدخال للعامل النفسي في خريطة العلاقات. وتمييزاً كذلك لتقييم أربيل عن بغداد لوزن تركيا.
ربما كان العشاء الذي رغب أردوغان في أن يكون في أربيل أيضاً مفاجأة له، فالمائدة كانت من الأطعمة الشعبية الكوردية، خالية من كل الأطعمة الحديثة المعهودة التي تقدم للضيوف، قد لا يكون كلها غريبة عن الرجل نظراً للعلاقات الثقافية بين الشعبين التركي والكوردي، إلا أن لرئيس الإقليم الصديق الشخصي لأرودغان غاية في إذاقة ضيفه المقرّب المأكولات المحلية لترك أثر نفسي لديه.
نجح الرئيس التركي في الحصول على غالبية الغايات التي جاء من أجلها، والزيارة الى بغداد تاريخية بين البلدين بما لم يحدث من قبل منذ تأسيس الدولتين، لكن رسالة أربيل كانت هي الأقوى للطرفين في لحظات تواجه فيها تحدي الوجود – ككيان فدرالي – مع بغداد بعد تراجع قادة العراق الحاليين عن النظام الفدرالي والتوجه الواضح صوب المركزية التقليدية بهدوء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.