تفاعلات الفضاء الرقمي في كافة مجالات الحياة من تعليم وتربية واقتصاد وسياسة أصبحت تسير بالتوازي مع العالم الواقعي، إذ بات الأمر ضرورة حتمية على الأفراد مواكبة الحياة الافتراضية والواقعية بنفس مستوى الأهمية، والتحول إلى العالم الافتراضي أفرز قضايا جديدة وتحديات أمام المرأة في تفاعلها وتواجدها في الفضاء الرقمي، يختلف تنوع المشاكل وشدة التحديات من مجتمع إلى مجتمع ومن بلد إلى آخر، وهناك دراسات دولية تسعى إلى إبراز تلك القضايا وتوضيح معالمها، وتأتي على رأسها الأمية الرقمية حيث تعرفها اليونسكو بأنها عدم القدرة على الوصول والإدارة والفهم والتكامل والتواصل وتقييم وإنشاء المعلومات على نحو آمن ومناسب من خلال استخدام التكنولوجيا والتقنيات الرقمية. يُعد حاليا الجهل بالتكنولوجيا الإلكترونية عائقا أمام النساء في مواكبة المعرفة الرقمية والاستفادة من فرص التدريب والعمل والمشاركة المجتمعية. كما ان الفجوة الرقمية بين الجنسين تشكل أكبر العقبات التي تقف أمام المشاركة الفعالة للمرأة في المجتمع وفي سوق العمل، ووفقا لأحدث بيانات الاتحاد الدولي للاتصالات، تبلغ نسبة النساء اللواتي يستعملن الإنترنت على الصعيد العالمي 57 في المائة، مقابل 62 في المائة للرجال، وهذا يعني أن الفجوة بين الجنسين في استعمال الإنترنت على النطاق العالمي تبلغ 8 في المائة. ولأهمية الموضوع في عالمنا الرقمي اليوم ركزت أهم الفعاليات السنوية للأمم المتحدة المتمثلة بلجنة أوضاع المرأة في دورتها السابعة والستين المنعقدة خلال العام الماضي 2023 على الابتكار والتغيير التكنولوجي والتعليم في العصر الرقمي لتعزيز العمل لسد الفجوة بين الجنسين في هذا المجال، وهناك العديد من المبادرات التي أطلقت لعلاج الفجوة الرقمية من قبل المنظمات الدولية والإقليمية مثل الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي وبرنامج الأممالمتحدة الإنمائي ومنتدى دافوس. علاوة على ان المناعة الثقافية واشكالية بناءها التي تواجه المرأة المعاصرة، هي قضية مقلقة، حيث تعاني المجتمعات العربية والإسلامية من غزوات ثقافية دخيلة تهدد منظومة قيمها المجتمعية والثقافية التي أصبحت تعيش تحت هيمنة العولمة الرقمية بأبعادها المختلفة. ولقد اعتمدت العولمة على تكنولوجيا الاتصال من الإنترنت والهواتف الذكية وشبكات التواصل الاجتماعي لتمرير ثقافتها من تصورات وأفكار وقيم ومعلومات. إن حماية المجتمعات من التأثيرات السلبية للثقافة الرقمية والتحديات الناشئة عنها وتعزيز المناعة المجتمعية والتوعية بأهمية المواطنة الرقمية ودورها في التصدي لكافة الآفات الاجتماعية، ورفع الوعي بأسلوب التعامل في الفضاء الإلكتروني أو بما يسمى بالأتكيت الرقمي والتعامل مع النساء في الفضاءات الإلكتروني هي مسؤولية مجتمعية مشتركة بين الرجل والمرأة. ولابد من القول ان مسألة العنف الإلكتروني ضد النساء لها ابعاد خطيرة حيث يتخذ العنف عدة أشكال ومنها التحرش والابتزاز والتهديد الإلكتروني، والانتحال وسرقة الهوية والتزييف على الإنترنت، واختراق الخصوصية والتنمر الإلكتروني والملاحقة عبر الإنترنت إذ تعتبر وسائل التواصل الإلكتروني بيئة خصبة للمضايقات وإلحاق الضرر النفسي والاساء إلى النساء والفتيات بهدف تحقيق مكاسب مادية أو أهداف سلبية أو تشويه سمعتهن، وحفز على انتشاره غياب الهوية والتخفي وبات تأثير تلك التحديات تهدد البناء النفسي والأمني للمجتمع. تدرك المجتمعات حاليا بأن الفضاء الرقمي ليس مجرد واقع افتراضي، بل هو جزء أساسي من حياتنا اليومية فجميع الدول تسعى إلى سن تشريعات تهدف إلى تعزيز الأمان الرقمي ومكافحة العنف الإلكتروني ضد النساء، وتختلف الأليات القانونية من دولة لأخرى، إلا ان واقع الحال يفرض أهمية رفع وعي المرأة بتلك بقضايا وتحديات الفضاء الإلكتروني، ولاسيما ان فئة المراهقات تواجه مخاطر أكبر نظراً لقلة وعيهن بكيفية التعامل في المنصات الرقمية. إن تحقيق الأمان الرقمي للمرأة والتثقيف القانوني بالمخاطر الرقمية والتحديات المعاصرة التي ستواجهها ستؤثر حتماً على جودة حياتها وصحتها النفسية والتي بدورها تنعكس على بناء المجتمع بمجمله.